أزقة حي الشيخ سعيد بمدينة حلب التي كانت مسرحا لأطفال يلعبون ذات يوم، نساء يتبادلن أحاديث الجيران، تحولت إلى كابوس لا مرعب.
أربع جثث هامدة ملقاة على الأرض، وأطفال صغار يصرخون في حالة ذعر بينما تمنعهم مجموعة من المسلحين المقنعين حتى من الاقتراب لدفن ذويهم… هذه ليست مشاهد من فيلم رعب، بل هي الواقع المرير الذي يعيشه أهالي الشيخ سعيد اليوم.
مجزرة تحت غطاء الليل
بدأ الكابوس عندما اقتحمت مجموعة مسلحة الحي واعتقلت عدداً من السكان المحليين، وبعد ساعات من التحقيق القاسي والتعذيب النفسي، أجبروا الضحايا الأربعة على تقليد أصوات الحيوانات قبل أن يطلقوا عليهم النار أمام عائلاتهم… لم يكن هذا مجرد قتل، بل رسالة مرعبة لكل من تسول له نفسه مقاومة أو حتى التفكير في الاعتراض.
الضحايا الأربعة كانوا من آل “ميدو”، أسرة متهمة بالموالاة للنظام السابق، لكنها لم تكن الوحيدة المستهدفة؛ المسلحون الذين يتبعون بعض الفصائل المسلحة المنضوية ضمن إدارة العمليات العسكرية، بدأوا بتهديد المزيد من العائلات بمغادرة المنطقة أو مواجهة نفس المصير، وإذا رفضوا، يتم تصفيتهم كما حدث مع الضحايا الأربعة.
نداء اليائسين
وجهاء الحي، الذين حملوا آمال الأهالي على أكتافهم، توجهوا إلى مبنى المحافظة والأمن العام، طرقوا كل أبواب المسؤولين أملا في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن الإجابة كانت دائماً واحدة: “هذا ليس شأننا”.
يقول أحد وجهاء الحي، وهو رجل كبير في السن يبدو عليه الإرهاق والحزن: “حاولنا أن نشرح لهم ما يحدث هنا، حاولنا أن نطلب الحماية، لكنهم رفضوا حتى استقبالنا… كيف يمكن لأي إنسان أن يقف مكتوف الأيدي بينما يتم قتل الناس كالحيوانات؟”
الأهالي الآن محاصرون بين خيارين مريرين: إما الخروج من منازلهم ومغادرة كل ما يملكون، أو البقاء وملاقاة نفس المصير الذي تعرض له آل “ميدو”.
استغلال السلطة لتحقيق المآرب الشخصية
المشكلة لا تتوقف عند القتل فقط، فهناك شكاوى متكررة من استغلال بعض العناصر المسلحة مواقعهم داخل إدارة العمليات العسكرية لتحقيق مصالح شخصية، فبدلا من حماية المدنيين، يقوم هؤلاء المسلحين بابتزاز السكان المحليين، اعتقالهم دون سبب واضح، وحتى الاستيلاء على ممتلكاتهم بعد تهديدهم بالتصفية الجسدية.
“أخذوا أخي لأنه رفض بيع منزله بأقل من قيمته السوقية”، يقول أحد السكان المحليين، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه خوفا من الانتقام… “أخبروني أنه إذا لم يوافق على البيع، سيكون التالي في قائمة الموت.”
ذاكرة الماضي تطارد الحاضر
من بين الضحايا الأربعة، كان هناك مواطن هرب من النظام السابق واستقر في الشمال السوري، ومع ذلك، لم يشفع له تاريخه السياسي، فتم تصفيته بسبب انتماءات أقاربه… هذه السياسة التي تعتمد على الانتقام العشوائي، بغض النظر عن التفاصيل، تثير مخاوف كبيرة حول مستقبل التعايش في المنطقة.
رسالة إلى العالم
الأهالي يناشدون الآن المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان التدخل لحمايتهم. “نحن لسنا مجرمين، نحن مدنيون عاديون نريد فقط أن نعيش بسلام”، يقول أحد السكان. “إذا لم يتصرف أحد الآن، فإن مجزرة الشيخ سعيد لن تكون الأخيرة.”
بينما تستمر الشمس في الشروق والغروب فوق حلب، تظل ذكريات تلك الليلة الدامية محفورة في أذهان الأهالي، وفي ظل صمت السلطات وغياب العدالة، يبقى السؤال: متى سيأتي اليوم الذي يشعر فيه أهالي الشيخ سعيد بالأمان مرة أخرى؟