في غرفة مغلقة بدبي، اجتمع أمس الثلاثاء 50 من كبار رجال الأعمال السوريين المغتربين مع مسؤولين سوريين، في محاولة لإيجاد مخرجٍ من النفق المظلم الذي وصل إليه الاقتصاد السوري، لكن اللقاء، رغم سريته، لم يُخفِ حقيقةً يعرفها كل مستثمر محلي أو أجنبي: “لا أحد سيخاطر بأمواله في سوقٍ تُحدد أسعار صرف عملته عبر صفحات فيسبوك مجهولة، وتُحتجز تحويلات العملاء في المصارف الحكومية”.
السؤال المطروح بشدة لماذا لا يتجرأ المستثمرون على العودة لسوريا، فمن حيث الشكل هناك إقبال إقليمي دولي على السلطة السياسية الجديدة، في المقابل تطرح السياسات الدولية صورة متفائلة لملامح سوريا الجديدة، لكن الأمر أعقد بكثير ويمكن إرجاعه إلى الأمور التالية:
- فجوة سعر الصرف.. سرطان الاقتصاد
تشكل الفجوة بين سعر الدولار الرسمي (حوالي 12,500 ليرة) وسعر السوق الموازي (يتجاوز 14,000 ليرة) عائقا رئيسيا، فالمستثمر الأجنبي الذي يحوّل مليون دولار عبر القنوات الرسمية يفقد على الفور 12% من رأسماله بسبب هذه الفجوة، ناهيك عن تأخر التحويلات لأشهر أو احتجازها.
- تقلبات جنونية.. اقتصاد بلا بوصلة
شهدت الليرة السورية تقلبات بنسبة 300% خلال عامين، مما يجعل حساب التكاليف مستحيلا، فكيف يخطط مستثمر لمشروع تكاليفه اليوم 100 مليون ليرة، وربما تصبح 300 مليون بعد شهرين؟
- “صرافو فيسبوك”.. سوق سوداء مُعولمة
أصبحت صفحات مثل “سوق الصرافة السورية” على فيسبوك هي البورصة الفعلية لليرة، حيث يتحكم صرافون في الخارج عبر وكلاء داخليين بأسعار الصرف دون أي رقابة، وهذه ظاهرة غير مسبوقة حتى في دول حرب مثل اليمن.
- المصرف المركزي.. شريك في الأزمة:
بدلًا من أن يكون المصرف المركزي منظما للسوق، أصبح جزءا من المشكلة من خلال احتجاز تحويلات المغتربين (5 مليارات دولار مُعلقة حسب تقديرات أممية)، وتطبيق أسعار وهمية لا تستخدم إلا في الإحصاءات الرسمية، كما فشل في تثبيت سعر الصرف
- تكاليف الإنتاج.. معادلة خاسرة
حتى عندما يُقرر مستثمر التصنيع محليا، يواجه مفارقة مُرّة فاستيراد البضاعة الجاهزة أرخص من تصنيعها محليًا بسبب انهيار البنية التحتية وارتفاع تكاليف الطاقة (الكهرباء متقطعة بنسبة 70%)، إضافة لفساد ممنهج في منح التراخيص.
- غياب الأمن.. القاتل الصامت
وفق مؤشر “معهد الاقتصاد والسلام”، تحتل سوريا المرتبة الأخيرة عالميا في الأمن الاستثماري بسبب انتشار المجموعات المسلحة، وانعدام سيادة القانون وتعدد الجهات الفاعلة.
مبادرات إنقاذ.. بين الواقع والوهم
كشفت جلسة دبي التي حضرها أباطرة مثل وليد الزعبي ورونالدو مشحور (نائب رئيس أمازون) عن خطة حكومية تقوم على:
- إصلاحات قانونية.
- الإعلان عن دستور جديد.
- تشكيل حكومة انتقالية “مفاجئة” حسب وصف المسؤولين.
وسيتم إطلاق بنك تمويل صغير برأسمال أولي 50 مليون دولار (من شركة سورية غير مُسمّاة)، لكن الخبراء يشككون في نجاحه لأنه يمكن أن يفرز قروضا وهمية لشبكات الفساد، كما تُفاوض الحكومة على اتفاقيات مع دول خليجية ومجاورة (لم تُسمّ) لتأمين الغاز والكهرباء، ويعمل رجال الأعمال السوريون في الولايات المتحدة (مثل أنس الكزبري) على إقناع الكونغرس بتخفيف العقوبات عبر تشكيل لوبي ضغط سوري-أمريكي وتوظيف شركات علاقات عامة مثل BGR Group التي سبق أن نجحت في ملفات مماثلة.
معادلة مستحيلة.. كيف يُمكن النجاح؟
يقترح خبراء اقتصاد 4 شروط لإنعاش الاستثمار، أولها توحيد سعر الصرف عبر “صدمة نقدية كما فعلت مصر 2016 عندما حررت الجنيه دفعة واحدة، رغم الآلام القصيرة، والشرط الثاني إعادة هيكلة المصرف المركزي بإشراف دولي (مثل خبراء صندوق النقد العربي) لاستعادة الثقة.
الشرط الثالث إنشاء مناطق صناعية ذات حكم ذاتي (مثل منطقة عدرا) تُدار بواسطة شركات أمنية دولية، والشرط الأخير عقد اجتماعي جديد وإشراف القضاء الدولي على عقود الاستثمار لضمان حيادها.