مع مطلع الألفية الجديدة، تحولت سوريا إلى دولة تعتمد على الواردات الغذائية بنسبة كبيرة، وذلك وسط أزمات متكررة في توفير السلع الأساسية، وحسب الإحصائيات محلية، تجاوزت معدلات الفقر 80% من إجمالي السكان، مع غياب خطط إنقاذ حكومية أو شبكات أمان اجتماعي تحمي الأسر من الانهيار المعيشي.
غياب خطط الحماية: شبح التجربة الإندونيسية
تشبه السيناريوهات السورية اليوم ما عاشته إندونيسيا خلال الأزمة المالية الآسيوية (1997-1998)، حين انهار الاقتصاد الوطني جراء المضاربات المالية، وفقدت العملة 80% من قيمتها، وأدى غياب سياسات حماية الفقراء والشركات الصغيرة إلى تفشي الفوضى، واندلاع احتجاجات عنيفة أسقطت النظام الحاكم، ويبدو أن غياب التخطيط للطوارئ يكرر الكارثة الإندونيسية في سوريا،و لكن بوتيرة أسرع وأكثر تدميرا.
وتشير التحليلات إلى أن السياسات الاقتصادية السورية الحالية تجمع بين أسوأ النماذج العالمية الفاشلة، دون رؤية استراتيجية أو إجراءات تصحيحية، وتحذر تقارير دولية من أن استمرار هذا النهج سيُفقد سوريا سيادتها على مواردها، ويحولها إلى دولة تابعة اقتصاديا، مع موجات نزوح غير مسبوقة وانهيار شبه كامل في الخدمات العامة.
حلول مستعجلة: دروس من ماليزيا وكوريا والبرازيل
بناء على تجارب نجحت في تجاوز أزمات مشابهة، يقترح خبراء اقتصاديون خارطة طريق تشمل:
- إعادة هيكلة الدعم (على غرار ماليزيا 1998): تحويل الدعم من الإنفاق العشوائي إلى تمويل القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة.
- إصلاح جمركي تدريجي** (كنموذج كوريا الجنوبية 1997): فرض رسوم حمائية مرحلية لدعم المنتج المحلي.
- ضبط السياسة النقدية (مثل تجربة البرازيل 2003): موازنة بين تعويم العملة وكبح التضخم عبر آلية مرنة.
- حوار اقتصادي وطني (محاكاةً لنموذج جنوب أفريقيا): إشراك كافة الفئات في صياغة خطة إنقاذ طويلة الأمد.
ليست الأزمة السورية مجرد “ركود عابر”، بل انهيار متسارع يطال البنى الاجتماعية والسياسية إذا تأخرت الإصلاحات، والتاريخ يثبت أن القرارات الحكيمة – كما في النمور الآسيوية – قادرة على قلب المعادلة خلال سنوات، لكن الفرصة السورية تتطلب تحركا فوريا، فالاقتصاد السوري يشبه مريضا في العناية المركزة؛ كل تأخير في العلاج يعني دق مسماراً في نعشه.
كل المؤشرات تنذر بتحول سوريا إلى “دولة فاشلة” اقتصاديا إذا استمرت السياسات الحالية، القرار اليوم بين تكرار سيناريو إندونيسيا الكارثي، أو انتهاج نهج ماليزيا الذي أنقذ 2.3 مليون أسرة من براثن الفقر خلال عامين.