منذ عام 1920 تاريخ أول مؤتمر في تاريخ سوريا بقيت فكرت “الجامع الوطني” قلقا وسط تصاعد الأزمات، ومنذ عام 2011 أصبحت المؤتمرات أداة سياسية لكسر الشرعية عن الأطراف السياسية، أو حتى لتوسيع إطار الشرعية الخاصة بالسلطة السياسية في دمشق، والمؤتمر الوطني السوري المزمع عقده خطوة ضمن المشهد السياسي تطرح تساؤلات حول مدى شمولية وقدرة مثل هذا المؤتمر على تقديم حلول حقيقية للأزمة السورية، ورغم الدعوات لعقد حوار وطني شامل، تثار مخاوف من أن المؤتمر يمكن أن يتحول إلى أداة لتعزيز هيمنة بعض الأطراف، ما يهدد فرص تحقيق توافق وطني حقيقي.
الخلفية التاريخية للمؤتمرات الوطنية في سوريا
يعود تاريخ المؤتمرات الوطنية في سوريا إلى عام 1920، عندما انعقد “المؤتمر السوري العام” وأعلن استقلال البلاد تحت قيادة الملك فيصل بن الحسين، وكان منصة جامعة للتعبير عن التنوع السياسي والمجتمعي السوري، ما أضفى شرعية على قراراته المصيرية، وعلى مدار العقود، تكررت محاولات تنظيم مؤتمرات وطنية في ظل التحولات السياسية الكبرى، مثلما حدث في خمسينيات القرن الماضي بعد سلسلة الانقلابات العسكرية، لكن الأزمة السورية عام 2011 أنتجت سلسلة من المؤتمرات كانت مسؤولة عن تشويها مفهوم المؤتمرات، ويوضح الجدول التالي تصاعد وتيرة المؤتمرات خلال احتدام المعارك قبل أن تهدأ بشكل كامل مع نهاية الأزمة:
![](https://agoraleaks.com/wp-content/uploads/2025/02/image-31.png)
إشكالية المؤتمر القادم
تعكس تشكيلة اللجنة التحضيرية للمؤتمر مخاوف من سيطرة اتجاهات خاصة على مسار العملية السياسية. فمن بين الأسماء البارزة في اللجنة، هناك شخصيات لها انتماءات سياسية وعسكرية واضحة، مما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرارات التي سيتم اتخاذها، إضافة إلى ذلك، تبرز مشاركة بعض الشخصيات النسائية كخطوة رمزية لإظهار طابع تعددي ومدني للمؤتمر، إلا أن هذه المشاركة لا تعكس بالضرورة توازنا حقيقيا في عملية صنع القرار، بل وسيلة لإضفاء شرعية شكلية على التوجهات المسبقة للمؤتمر.
وهناك مؤشرات أيضا على أن المؤتمر يتم تشكيله بطريقة تمنح السيطرة لاتجاه محدد، وهو ما يعيد إلى الأذهان تجارب سابقة شهدتها سوريا، حيث تم استخدام المؤتمرات كأدوات لإضفاء شرعية على قرارات مسبقة دون إحداث تغيير جوهري في بنية السلطة.
يلعب الإعلام الممول دورا رئيسيا في توجيه الرأي العام والترويج للمؤتمر كفرصة للحوار الوطني، بينما يتم تهميش أو تشويه الأصوات المعارضة، كما أن الدعم اللوجستي والسياسي الذي يوفره التمويل الخارجي يعزز توجهات معينة، مما يجعل المؤتمر أداة لإعادة تشكيل المشهد السياسي بما يخدم جهات محددة دون ضمان مشاركة فعلية لجميع الأطراف.
التداعيات والمخاطر المحتملة
إن تحويل المؤتمر من منصة للحوار إلى وسيلة لتعزيز هيمنة اتجاه واحد سيؤدي إلى مزيد من الاستقطاب السياسي، ويعزز المخاوف من إعادة إنتاج أنماط حكم سلطوية جديدة، كما أن فقدان فرصة بناء توافق وطني حقيقي يعرقل أي جهود دولية لتخفيف العقوبات أو تقديم دعم لإعادة الإعمار، إضافة إلى ذلك، فإن غياب القوى السياسية المستقلة والمعارضة الحقيقية عن المؤتمر سيؤدي إلى إفراغه من مضمونه، ما يجعله مجرد وسيلة لإضفاء شرعية على الوضع القائم بدلاً من أن يكون خطوة نحو حل سياسي مستدام.
عمليا يعكس المؤتمر المزمع عقده نمطاً مشابهاً لتجارب سابقة استخدمت لإضفاء شرعية على توجهات سياسية محددة، وهناك مخاوف من استغلاله لتعزيز هيمنة فصائل بعينها دون إشراك حقيقي لجميع الأطراف، كما أن غياب آليات تضمن مشاركة واسعة وشفافة سيجعل المؤتمر مجرد أداة لإعادة إنتاج الأوضاع القائمة.
يظل عقد مؤتمر وطني خطوة هامة في سياق البحث عن حل للأزمة السورية، إلا أن نجاحه يعتمد على مدى استقلاليته وقدرته على تمثيل جميع القوى السياسية والاجتماعية، بدلا من أن يكون وسيلة لتعزيز سيطرة جهة واحدة على حساب بقية الأطراف.