في ظلال جبال الحولة الموشومة بجراح الحرب، تتناثر قصص لا تُكتب في التقارير الرسمية، بل تهمس بها الجدران المُتشققة، وتنقلها الألسنة بحذرٍ بين الأزقة. هنا، حيث تختلط رائحة البارود بدخان مواقد البيوت، تُحاك حكايات ثلاث قرى: مريمين، القبو وفاحل مع دوريات الأمن التي تحرس “السلام” بطبول الرعب أحيانا، وتفكّكها قبضات المجتمع أحيانًا أخرى.
مريمين: “سيارة التكسي التي لم تصل”
صباح الخامس والعشرين من شباط، وقبل أن يذوب صقيع الشتاء من على أسطح مريمين، خرق دوي الرصاص صمت القرية، حيث سيارة تكسي قادمة من المجهول لاحَقتْها عيونُ الأمن، ففرَّ سائقها مذعورا، لكن الرصاص التحذيري كان أسرع، فاصطدمت العربة الهاربة بسيارة شابين محليين، وانقلبت كجسد مكسور، بينما هرعت الدورية نفسها لإنقاذ الجريحين.. غادروا كالظلّ، لكنهم عادوا في الصباح مع “المختار” ومعهم اعتذار يترنح بين الرسمي والعفوي. السؤال بقي معلقًا: أيّ أمن هذا الذي يطلق النار قبل السؤال؟
القبو: “حظر التجول.. ومحركٌ يصرخ في الليل”
في قرية القبو، حيث تنام البيوتُ مبكّرة وسط برد الشتاء وأقسى منه، كان لقاءُ منتصف الليل بين دراجة نارية ودورية أمنٍ أشبه بشرارة أشعلت سلسلة من القيود، فرصاصة أصابت سائقَ دراجة نارية، وحظر تجول مفاجئ من الظهيرة حتى الفجر، وكأن القرية كلها تعاقب على هروبِ شاب. لكنّ الصباح التالي جاء بلا ضجيج، وبقي فقط أثر إطارات سيارات الأمن المنسحبة.. سؤالٌ آخر: لماذا تُختَزل حمايةُ الأوطان في “منع التجول”؟
فاحل: “الفيلد العسكري.. والاعتقال الذي لم يكتمل”
أما في فاحل، فالحكاية أكثر حِدة… شاب يرتدي “فيلد” شتويا (سترة عسكرية) يثير شكوك نقطة أمنية متوترة.. رفض الدخول إلى المبنى موضحا أنه لم يكن يوما عسكريا، فهو هاجر لدفع بدل الجيش؛ فإذا به يُصرع أرضا، ولم تكتمل اللعبة هذه المرة؛ فصرخات رفيقه استنهضت الجيران، فحاصروا البلدية مطالبين بالإفراج عنه: “أنتم رهائن حتى يعود!”. الأمن أطلقوا رصاص الهواء، لكن الزحف الشعبي كان أقوى، فعاد الشاب إلى بيته، تاركا سؤالا عن معنى “الخدمة الوطنية” لرجل دفعَ بدلَها سنوات هجرة قاسية.
“ملاحظات على هامش الرصاص”
وراء كل رصاصة مطلَقة، ثمة وجوه شابة خلف الزي الرسمي (متوسط أعمارهم 23 عاما)، ربما يحملون خوفَهم قبل بنادقهم، أما القرى، فجل ما تريده هو عيش يُبنى بالحجارة لا بالرصاص، وأمن يزرع ثقة لا رهبة. كما في الماضي، حين كان باعةُ الحولة يجوبون قرى الجبل بالبضاعة والأمان، يبقى الأمل بتلاق يُطفئ نارَ الحوادث العابرة.