في مشهد مأساوي يعكس استمرار النزيف الإنساني في سوريا، شهدت محافظة حمص وريفها يوم السبت 22 شباط 2025، جرائم جديدة تنذر بتصاعد العنف الذي طالما أثقل كاهل المدنيين، وفي الوقت الذي تتزايد فيه هذه الجرائم، يبدو أن السلطات المحلية والمجتمع الدولي لا يزالان يتفرجان دون اتخاذ خطوات جدية لإيقاف هذا النزيف.
في مساء ذلك اليوم، دخلت سيارتان، إحداهما جيب سوداء والأخرى تاكسي بيضاء، إلى قرية عين الدنانير الواقعة بمحيط المشرفة في الريف الشمالي الشرقي لحمص، كانت وجهتهما منزل الشاب “مهند الصالح”، أحد سكان القرية، وترجل من السيارتين سبعة أشخاص يرتدون زيّ الهيئة، وقاموا بتطويق المنزل قبل أن يدخلوه بالقوة، ليخرجوا بعد دقائق ومعهم مهند وسط سباب وشتائم.
الأمر الأكثر إيلاماً هو المشهد الذي رآه الجميع: زوجة مهند وابنه يصرخان ويتوسلان للقتلة أن يتركوه، لكن دون جدوى، ولم يمضِ وقت طويل حتى ذهب أهل مهند إلى قائد القطاع المحلي ومخفر المشرفة ليسألوا عن مصيره، إلا أن الإجابة كانت صادمة: “لا نعلم عنه شيئاً”.
والغريب أن مقر القطاع كان على بعد 100 متر فقط من مكان الحادث، بل إن السيارات التي خطفت مهند دخلت من أمامهم دون أي اعتراض!
مقتل “حمزة باسم عوض” في مزرعة العوصية
وفي حادث آخر، دخلت دراجة نارية قادمة من منطقة الحولة إلى مزرعة العوصية القريبة من قرية القبو في ريف حمص الغربي، وبينما كانت الكلاب تنبح تحذيرا، خرج الشاب “حمزة باسم عوض” (23 عاماً) من منزله لاستكشاف الأمر، ولم تمضِ لحظات حتى سمع صوت إطلاق نار، وسقط حمزة على باب منزله.
هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها في تلك المنطقة؛ حيث حاول المسلحون مرارا السيطرة على هذه المزارع وطرد سكانها، وبالفعل، هُجر معظم السكان، بينما بقيت عائلتان فقط تتمسكان بأرضهما رغم التهديدات المستمرة، ومنذ فترة، أصبح الخروج من المنازل بعد الساعة السادسة مساء أمراً ممنوعاً، وأي شخص يخالف هذا القانون يصبح هدفاً محتملاً.
دمشق: مقتل صائغ الذهب في العفيف
وفي العاصمة دمشق، تحديداً في منطقة العفيف، شهدت الأحداث جريمة أخرى تمثلت في مقتل صائغ ذهب على يد مجهولين، والحادثة جاءت لتؤكد أن العنف لم يعد مقتصراً على المناطق الريفية، بل امتد إلى قلب المدينة، حيث يعيش الناس حالة من الخوف والقلق المستمرين.
كل هذه الجرائم تكشف عن نمط متكرر يستهدف المدنيين بشكل مباشر، سواء عبر الاختطاف أو القتل أو التهجير القسري، واللافت للانتباه هو أن القتلة يتحركون بحرية تامة، وكأنهم يرسلون رسالة واضحة: “لا أحد يستطيع إيقافنا”.
لكن الأسوأ هو الصمت المطبق الذي يلف السلطات المحلية والمجتمع الدولي، فالنزيف مستمر، والضحايا يتزايدون، ولا يبدو أن هناك نهاية قريبة لهذا الكابوس الذي يعيشه السوريون يومياً.
بينما تستمر السلطة والعالم بالتفرج، تبقى الأسئلة الكبرى بلا إجابة: إلى متى سيظل المدنيون ضحايا لهذا العنف الممنهج؟ وهل ستتحرك الضمائر الدولية يوما ما لوضع حد لهذه المأساة؟
سوريا اليوم ليست سوى قصة مؤلمة عن معاناة شعب يبحث عن الأمان في وطن يرفض أن يكون ملاذا له.