عَ مدار الساعة


ما بين “الزكاة” والضرائب: سوريا على شفا أزمة مالية عميقة

كشف وزير المالية السوري، محمد أبازيد، عن خطط لإعادة هيكلة النظام الضريبي في البلاد بشكل جذري، وخلال اجتماع حضره محافظ حلب، المهندس عزام الغريب، ومدير الهيئة العامة للضرائب والرسوم، الدكتور ناصر العبد الله، أكد الوزير أن الهدف من هذه الخطوة هو تحقيق “نظام ضريبي عادل وملبي”، مع التركيز على تخفيض الضرائب وإلغاء العديد منها، بما في ذلك ضرائب الرواتب والأجور، ورسم إعادة الإعمار، والمجهود الحربي. وأشار إلى أن النظام الجديد سيقتصر على فرض ضريبة أو اثنتين فقط، بشرط أن تكون معدلاتها قريبة من نسبة الزكاة (2.5%) وأن تُفرض فقط على القادرين.

على الرغم من أن هذا التصريح يبدو مشجعًا للقطاع الخاص والمستثمرين، إلا أنه يثير تساؤلات جدية حول قدرة الحكومة السورية على إدارة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. فهل يمكن لسوريا أن تعتمد على الزكاة وحدها لتغطية نفقاتها؟ وهل ستؤدي هذه السياسة إلى تحويل البلاد إلى “جنة ضريبية” على حساب الاستقرار المالي؟

واقع مالي قاتم

تواجه الحكومة السورية تحديات مالية غير مسبوقة، ففي الموازنة العامة لعام 2024، بلغت النفقات حوالي 35,500 مليار ليرة سورية، بينما لم تتجاوز الإيرادات 26,096 مليار ليرة، ما أدى إلى عجز قدره 9,404 مليارات ليرة، أي ما يعادل 26.4% من إجمالي الموازنة. ومع إلغاء أو تقليص بعض المصادر الرئيسية للإيرادات، مثل الجمارك ورسوم الهواتف الجوالة وبدل الخدمة العسكرية، من المتوقع أن يقفز العجز إلى مستويات خطيرة تصل إلى 40%-50%.

لم تقدم الحكومة حتى الآن أي خطة واضحة لمعالجة هذا العجز المتزايد. وبدلا من ذلك تعتمد على تصريحات غامضة حول استخدام احتياطي المصرف المركزي، الخصخصة، والانتظار لوصول المساعدات الدولية، وهذه الحلول ليست مستدامة، خاصة إذا استمرت الإيرادات في الانخفاض بسبب تخفيض الضرائب.

مقارنة مع السعودية: لماذا الزكاة ليست كافية

للتأكيد على استحالة الاعتماد على الزكاة وحدها، يمكن النظر إلى التجربة السعودية، ففي عام 2024، بلغ حجم الاقتصاد السعودي حوالي 1,140 مليار دولار، ومع ذلك تتوقع المملكة أن تحقق من الزكاة نحو 9.6 مليار دولار فقط، وهو ما يشكل أقل من 10% من إجمالي الإيرادات الضريبية. وعلى الرغم من ثروتها النفطية الهائلة، تسعى السعودية إلى زيادة الضرائب لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.

أما بالنسبة لسوريا، التي يبلغ حجم اقتصادها حوالي 8 مليارات دولار فقط، فإن الاعتماد على الزكاة يعني أن حجم الاقتصاد يجب أن يصل إلى 45 مليار دولار على الأقل لتغطية نصف النفقات الحكومية، و90 مليار دولار لتغطية جميع النفقات، هذا السيناريو يبدو بعيد المنال في ظل الوضع الاقتصادي الحالي.

مخاطر على الصعيد الدولي

يثير هذا النهج تساؤلات حول مدى استعداد الدول العربية والدولية لتقديم مساعدات مالية لسوريا. فكيف يمكن لدولة مثل السعودية، التي تعمل على توسيع قاعدة إيراداتها الضريبية، أن تقبل بتقديم دعم مالي لدولة تسعى لإلغاء معظم ضرائبها؟ ومن الواضح أن هذه السياسة تؤدي إلى عزل سوريا اقتصاديا، خاصة إذا تم تفسيرها على أنها محاولة لإنشاء “جنة ضريبية” لجذب الاستثمارات على حساب الاستقرار المالي.

في ظل هذه التحديات، يبدو أن الحكومة السورية تسير على حافة الهاوية، فبينما يظهر تخفيض الضرائب خطوة جذابة لبعض القطاعات الاقتصادية، إلا أنها تأتي بتكاليف باهظة على المدى الطويل، والأزمة المالية الحالية، التي تعكس نفسها في تأخر دفع رواتب الموظفين وتراجع قيمة العملة الوطنية، تحتاج إلى حلول أكثر جذرية واستدامة.

يبقى السؤال: هل ستتمكن الحكومة السورية من تحقيق التوازن بين تخفيف الأعباء الضريبية وتأمين الموارد اللازمة لاستعادة الاستقرار الاقتصادي؟ أم أن هذه السياسة ستؤدي إلى تفاقم الأزمة وتعقيد الجهود الرامية لإعادة بناء البلاد؟