عَ مدار الساعة


أحمد الشرع في الرياض: تحول التحالفات السورية وسط التنافس السعودي-التركي

        في ثمانينات القرن الماضي ظهر مصطلح (س – س) في السياسة اللبنانية الذي ينسبه البعض إلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، لكنه في الواقع يتجاوز لبنان ليعبر عن قوة إقليمية سورية – سعودية.

        كان معادلة التحالف بين دمشق والرياض قائمة على قاعدة أوسع ظهرت بقوة بعد حرب تحرير الكويت بين سوريا ومصر والسعودية، وسعت إلى سد “الفراغ” الذي خلفته الحرب في العراق على المنطقة، وبدأت هذه القاعدة مباشرة بعد انتهاء حرب تحرير الكويت عام 1991، حيث عُقد مؤتمر في دمشق ضم دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر وسوريا، ونتج عنه “إعلان دمشق” في 6 آذار 1991، وركز على تعزيز التنسيق والتعاون بين هذه الدول في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، وأكد على احترام مبادئ ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة، والعمل على بناء نظام عربي جديد يعزز العمل العربي المشترك.

        تبدلت آلية العلاقة بين دمشق والرياض بعد عام 2000، وتحولات لصراع عميق في رؤية الإقليم، ورغم فترات انفراج محدودة لكنها كانت اشتباكا سياسيا عبرت عنه الأحداث السورية بعد عام 2011، والزيارة الحالية للرئيس الانتقالي أحمد الشرع ربما لن تدخل في الشكل الاستراتيجي للإقليم نظرا لانهيار الدور السوري، لكنها ستبقى ضمن المشهد العام لتاريخ العلاقة بين البلدين.

الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع وصل إلى الرياض اليوم (2 شباط 2025) وهي أول زيارة رسمية له خارج البلاد، حيث استقبله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قصر اليمامة، وينظر البعض لهذه الزيارة كنقطة تحول مهمة في العلاقات بين دمشق والرياض، خاصة في ظل التنافس الإقليمي بين السعودية وتركيا حول الملف السوري.

تحولات في العلاقات السورية-السعودية

شهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية تقلبات عديدة على مر العقود، متأثرة بالأحداث الإقليمية والدولية، منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، دعمت السعودية المعارضة السورية، بينما تحالفت سوريا مع إيران، إلا أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في مايو 2023، وإعادة افتتاح السفارة السورية في الرياض في تشرين الأول من نفس العام، يشير إلى تحسن ملحوظ في العلاقات الثنائية، لكنها في المقابل بقيت علاقة خارج إطار الوظيفة الاستراتيجية التي رسمت لعقدي الثمانينات والتسعينيات شكل شرقي المتوسط.

التنافس السعودي-التركي في سوريا

بعد سقوط السلطة السياسية السوري في الثامن من كانون الأول 2024 برزت سوريا كساحة للتنافس بين القوى الإقليمية، خاصة بين السعودية وتركيا، حي تسعى كل من الرياض وأنقرة إلى تعزيز نفوذهما في سوريا الجديدة، فتركيا، التي كانت لها علاقات وثيقة مع هيئة تحرير الشام والفصائل المعارضة لدمشق، تسعى لتعزيز دورها والتعامل مع سوريا كحديقة خلفية، وأرسلت أنقرة مسؤولين ورجال أعمال إلى دمشق للتعبير عن اهتمامها بالسد الفراغ السياسي الذي خلفة سقوط “دولة البعث” التي حكمن البلاد منذ عام 1963.

من جانبها، تقود السعودية جهود الدول العربية للتواصل مع الحكومة الانتقالية في دمشق، بهدف الحصول على موطئ قدم مبكر في سوريا وعدم ترك الساحة خالية لتركيا وقطر، وأوفد المملكة مساعدات إنسانية ومساعدات طاقة إلى سوريا، وعرضت تدريب وتجهيز الشرطة المدنية السورية، بالإضافة إلى استبدال إمدادات النفط الإيرانية الخاضعة للعقوبات.

عمليا فإن العمق السوري على المستوى الجغرافي هو سعودي بالدرجة الأولى، ورغم أن التاريخ الطويل للسلطنة العثمانية رسم ملامح علاقة حاول حزب العدالة والتنمية التركي استرجاعها مع دمشق، لكن التشكيل الإقليمي يعطي أفضلية سعودية لسببين:

  • الأول طبيعة الأمن الإقليمي الذي سيبقى متحورا حول “إسرائيل” حتى ولو حدث تطبيع بين كافة الدول العربية وتل أبيب، فالموضوع الفلسطيني هو اشتباك جغرافي وثقافي في آن يجعل من السعودية عاملا في رسم ملامح هذا الصراع على الأخص في مرحلة ما بعد حرب غزة.
  • السبب الثاني مرتبط بالنفوذين السياسي والاقتصادي للسعودية، وتأثيرهما على الواقع السورية، فالرياض على خلاف أنقرة ليست عضوا في حلف شمال الأطلسي وهي قادة على رسم تحركاتها باستقلالية نسبية، ولا تملك صراعا عسكريا داخل سوريا، بينما لتركيا تصور عسكري لحدودها الجنوبية عبر إبعاد الأكراد، هذا إضافة للثقل السعودي في إخراج سوريا من أزماتها.

         تسعى السعودية لمواجهة النفوذ التركي المتزايد في سوريا، رغم عدم وجود اشتباك سياسي حتى اللحظة بينهما، وضمان عدم انزلاق البلاد مرة أخرى إلى العنف والاضطرابات الاجتماعية التي تهدد الاستقرار الإقليمي، كما تهدف الرياض إلى قطع تدفق المقاتلين المتطرفين عبر حدود سوريا، وتعزيز دورها كقوة إقليمية مؤثرة في تشكيل مستقبل البلاد.

مع استمرار التنافس بين السعودية وتركيا على النفوذ في سوريا، يبقى مستقبل البلاد مرهونا بقدرة القوى الإقليمية والدولية على التوصل إلى تفاهمات تضمن استقرارها وإعادة إعمارها، زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الرياض يراها بعض المحللين خطوة نحو تعزيز العلاقات العربية-السورية، إلا أن التحديات المتمثلة في التنافس الإقليمي لا تزال قائمة، وهذا الأمر يتطلب جهودا دبلوماسية مكثفة لضمان مستقبل مستقر ومزدهر لسوريا.