القراءة الأولية للنشاط الدبلوماسي باتجاه دمشق تعطي صورة أولية لمحاولة رسم الموقع السوري بعد نهاية سلطة البعث، فالمباحثات التي جرت ابتداء منذ زيارة وفد أمريكي وصولا إلى مباحثات الوفد القطري؛ فإن الشكل الأساسي مازال اختبارا للمسارات الإقليمية والدولية ورغم أن تفاصيل اللقاءات لم يتم الكشف عن تفاصيلها إلا أن المسار العام مازال يقف عند الحدود الخاصة بصورة نهاية مرحلة؛ في وقت تبقى سياقات السياسات الجديدة غير واضحة.
تظهر البيانات أن أغلب التحالفات السورية كانت تركز على التعاون العسكري والسياسي، مثل الدفاع المشترك والدعم التقني، ما يعكس الطبيعة الأمنية والسياسية للتحديات التي واجهتها سوريا عبر العقود من جانب آخر فإن التحالفات الاقتصادية والتجارية كانت أقل وبشكل ملحوظ، والرسم البياني التالي يبين أن النسبة الأكبر من العلاقات الإقليمية والدولية كانت باتجاه التعزيز الأمني الإقليمي.
عمليا فإن الاتفاقيات العسكرية والتقنية شكلت الجزء الأكبر من النشاط الدبلوماسي السوري، ويبدو أن الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية كانت تُبرم فقط في حالات الضرورة، مما يشير إلى تركيز سوريا على الجوانب الأمنية، ويعكس هذا الموضوع الهواجس التي تحكم السياسة السورية نتيجة أمرين أساسيين: الأول الخطر “الإسرائيلي”، والثاني طبيعة التوزع الجغرافي حول سوريا الذي يجعلها محاطة بمنظومة إقليمية صلبة.
شهدت العقود 1960 إلى 1980 ذروة النشاط التحالفي، خاصةً مع الاتحاد السوفيتي والدول العربية، وتراجعت لاحقا، تراجعت التحالفات في العقد الأول من الألفية الجديدة، لكنها عادت للارتفاع مع بداية الحرب الأهلية في 2011، بالتعاون مع إيران وروسيا.
التعقيد الذي حكم السياسات السورية إقليميا ودوليا يقدم ثلاث نقاط أساسية:
- الأول مرتبط بالتوازن مع الخطر “الإسرائيلي”، فحتى لحظة سقوط البعث كانت الهواجس الأمنية إقليميا تستند إلى خطورة نشوب حرب.
- الثاني أن سوريا كانت تحاول إيجاد عمق استراتيجي إقليمي، فبالدرجة الأولى كانت مصر ووصل الأمر إلى وحدة إندماجية، وتحالف عسكري استمر حتى اتفاقيات كامب ديفيد، وفي المراحل اللاحقة ظهر في المحور الثلاث: دمشق، القاهرة، الرياض، وبعد عام 2000 اعتمدت دمشق على تركيا، ومنذ 2006 بدت إيران هي التحالف الأساسي.
- النقطة الأخيرة أن سوريا ما بعد سلطة البعث تواجه معضلتين: الأول موقف مصر الذي لا يبدو حذرا فقط بل أيضا مبتعدا عن أي محور يضم سوريا بشكلها، والمعضلة الثانية في التوازن الدولي الذي كان يخفف من حدة الصراع عليها وذلك مع انحسار الدور الروسي.
وفق كافة المعطيات لموقع سوريا الإقليمي فإن مصر هي عامل مرجح في توازن سوريا إقليميا، وفي نفس الوقت فإن الإغراق في العلاقات مع الكتل السياسية الكبرى:(إيران تركيا) كان يؤدي لكسر كافة التوازنات السورية داخليا وخارجيا (نموذج 2011 بعد علاقات عميقة مع إيران وتركيا، و2024 نتيجة التحالف مع إيران)