توضح الاعتداءات الإسرائيلية على سورية أن هذا الإجراء العسكري تجاوز منذ بداية العام مسألة “درء المخاطر” وفق التعبير “الإسرائيلي، فبينما كانت الاعتداءات حسب التصريحات الإعلامية “الإسرائيلية” تتحدث عن استهداف التواجد الإيراني أو شحنات الأسلحة لحزب الله، فإن معدل الاعتداء الذي تجاوز عمليا الستين هجوما جويا منذ بداية العام؛ يضع خطر المواجهة بين سورية و “إسرائيل” في موقع جديد.
عمليا فإن “إسرائيل” تقوم بهدة الاعتداءات في وقت تخوض فيه حربا في غزة وعلى الحدود مع لبنان، وحسب التقارير الأمريكية فإن “الجيش الإسرائيلي” منهك بعد قرابة العام على بدء الحرب بعد عملية طوفان الأقصى، لكنه رغم ذلك يراقب مساحة واسعة من سورية ليس كجبهة محتملة فقط، بل أيضا كجزء من معركة مستقبلية و “عدو” يمكن أن يظهر بشكل مفاجئ، وهو ما يدفع “القيادة الإسرائيلية” إلى التعامل مع “أهداف محتملة” تشكل خطرا لا يرتبط بالوقت الحالي فقط، بل يشكل حالة خاصة تهدد التوازن بالنسبة لـ”إسرائيل” على مدى المتوسط.
توضح الرسوم البيانية للاعتداءات الإسرائيلية تكرار الضربات على مناطق معينة، وباستثناء بعض الحوادث الخاصة التي دخلت ضمن إطار الاغتيالات المباشرة، أو حتى الاستهداف الخاص لشخصيات إيرانية في دمشق، فإن بعض الأهداف يتم الاعتداء عليها بشكل متكرر، بما فيها مركز البحوث في حماة الذي كان أيضا هدفا خلال السنوات الماضية، وهذا الأمر يؤشر على أن الأهداف “الإسرائيلية” مرتبطة بالدرجة الأولى بالبنية التحتية العسكرية:
في المقابل فإن دمشق كانت الأكثر استهدافا بسبب عمليات الاغتيال، لكن مناطق في ريفها أو ريفي حماه وحلب تمثل النموذج “الإسرائيلي” في اختيار الأهداف حيث توضح الرسم البيانية أيضا أن تلك المناطق رغم أنها لا تمثل أي خطر مباشر إلى أنها في دمشق هي نقاط دفاع أساسية منذ حرب 1973، بينما في حلب وحماه هي مواقع بنية تحتية للجيش، وهو ما يعني بالدرجة الأولى محاولات إسرائيلية لفرض واقع عسكري يمنع سورية ولو مستقبل من إيجاد إي توازن عسكري مع “إسرائيل”.
رغم أن الاعتداءات “الإسرائيلية” لم تتوقف منذ عام 2011 لكنها تبدلت في نوعية الاستهداف، خصوصا خلال العام الحالي، فهناك تخوف واضح من نهاية الأزمة السورية، ما يعني إعادة تجميع الجيش مرة أخرى في المناطق الساخنة على الحدود مع “إسرائيل” في الجولان المحتل، ورغم أن اتفاقيات عان 1974 لفصل القوات منعت أي حرب مباشرة على تلك الجبهة لكن المعادلات الإقليمية تغيرت، وعودة جبهة الجولان لتصبح “جبهة مرنة” على نفس نموذج الجبهة اللبنانية – “الإسرائيلية” هو أمر يدخل ضمن الحسابات لـ”الجيش الإسرائيلي”
في حسابات الحرب مع “إسرائيل” فإن التوازن العسكري أساسي بالنسبة للقيادات “الإسرائيلية”، وهو معركة خاصة يتم خوضها عبر الاعتداءات على سورية التي مازالت خطرا واقعيا وليس مجرد احتمال، فالعلميات العسكرية “الإسرائيلية” لم تعد مجرد تحييد لخطر محتمل بل معركة لكسب التوازن الإقليمي مع دمشق رغم كافة النتائج التي ترتبت عن الأزمة السورية عسكريا وسياسيا.