عَ مدار الساعة

اقتصاد سوريا

العقوبات على سوريا: تحولات السياسة الدولية واستراتيجيات الهيمنة

سوريا، بلد ذو موقع استراتيجي وتاريخ سياسي معقد، وأصبحت على مدار العقود الماضية محورا لصراع القوة في الساحة الدولية، وتشكل العقوبات المفروضة عليها ليست مجرد تدابير اقتصادية أو سياسية، بل تعكس توازنات قوى وتحولات في النظام العالمي، حيث تلعب الجغرافيا السياسية والمصالح الكبرى دورا أساسيا.

تهم الإرهاب والردود العقابية

مسألة العقوبات على سوريا شكلت صورة البلد، وهي بدأت مبكرا في ستينيات القرن الماضي، لكنها اتخذت سيناريوهات تحدد سياقا عندما تم ربط حادثة عام 1986 في مطار هيثرو بلندن، والتي اكتُشفت فيها متفجرات في حقيبة آن ميرفي، بالحكومة السورية، ورغم كل الشكوك التي أحاطت بهذه العملية لكنها أدت إلى طرد السفير السوري من بريطانيا، وشكلت مرحلة جديدة من التوترات والعقوبات، تبعها انضمام الولايات المتحدة إلى هذا المسار، بعد تصنيفها سوريا كدولة داعمة للإرهاب في السبعينيات، نتيجة دعمها لجماعات فلسطينية ومعارضتها للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

        بقيت العقوبات رغم التحولات الإقليمية بعد احتلال العراق للكويت، ودخول سوريا كجزء من التحالف الدولي، فحدث انفراج في علاقات دمشق مع واشنطن وشاركت سوريا في عملية السلام التي انطلقت في مدريد، لكن العقوبات استمرت دون أن يؤثر ذلك على السياسات السورية داخليا وإقليميا.

اغتيال الحريري: نقطة تحول في العزلة الدولية

بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق وقبلها تولي الرئيس السابق بشار الأسد السلطة تغيرت السياسات الغربية عموما، وكانت الأولوية هو لتقليص الدور السوري إقليميا، ومثلت حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005 منعطفا في التصعيد ضد دمشق، ووجهت الاتهامات الدولية نحو سوريا، ما أدى إلى توسيع دائرة العقوبات الأوروبية والدولية، وهذه الخطوة كانت بمثابة إعلان صريح عن دخول سوريا في عزلة متزايدة على خلفية ملفات أمنية وسياسية حساسة.

بعد حرب 2006 في لبنان بدأت عزلة سوريا بالانحسار لكنها بقيت ضمن إطار المحور المعادي للغرب، على الأخص مع تعزيز دمشق لعلاقاتها مع طهران، وكان اللقاء الذي جمع في دمشق كل بشار الأسد وأحمدي نجاد وحسن نصر الله صورة لصراع جديد بدأ في سوريا عام 2011، فتصاعدت العقوبات على سوريا لتشمل قطاعات رئيسية كالنقل، النفط، والغاز، ما فاقم من معاناة الاقتصاد السوري وأثّر بشكل مباشر على حياة المواطنين، وهذا التصعيد كشف عن استراتيجية دولية مزدوجة الأهداف: الضغط على النظام السوري وفي ذات الوقت تحجيم النفوذ الإقليمي لسوريا.

قانون قيصر: أداة العزلة الشاملة

شهد عام 2019 مرحلة جديدة من العقوبات مع إقرار “قانون قيصر” في الكونغرس الأمريكي، هذا القانون لم يقتصر على استهداف الحكومة السورية، بل امتد ليشمل الدول والشركات التي تتعامل معها، وشكل أداة لفرض عزلة اقتصادية صارمة زادت من تعقيد مساعي إعادة الإعمار، وأثارت تساؤلات حول فعالية مثل هذه التدابير في تحقيق الاستقرار السياسي.

رغم سقوط السياسي السوري مع نهاية عام 2023 لم تُرفع العقوبات نتيجة تعقيدات قانونية وتشريعية، ما يُظهر التداخل بين الأهداف السياسية طويلة الأمد والمصالح الاقتصادية الدولية، الوضع الحالي يثير نقاشا دوليًا حول جدوى العقوبات في تغيير سلوك الأنظمة المستهدفة مقابل الأضرار الإنسانية والاقتصادية التي تطال الشعوب.

السياسة العقابية وأثرها الجيوسياسي

تعكس العقوبات المفروضة على سوريا مدى تشابك السياسة الدولية مع القضايا الداخلية للدول، فهي أداة للهيمنة تعيد تشكيل النظام العالمي لكنها تطرح تحديات أخلاقية وقانونية، خصوصا فيما يتعلق بتأثيراتها على الشعوب، مع استمرار هذه الإجراءات، يبدو أن المستقبل يحمل مزيدا من التساؤلات حول قدرة العالم على التوفيق بين الضغط السياسي ومتطلبات الاستقرار والتنمية.