تميّزت معركة بريطانيا بأَنّها اكتسبت اسمها الّذي عرفت به قبل اندلاع المعركة حتّى، إِذ إِنَّ اسمها اشتُقّ مِن خطاب ونستون تشرشل الشّهير الّذي أَلقاه في مجلس العُموم في 18 حزيران (يونيو)، قبل أَكثر مِن ثلاثة أَسابيع على بدء المعركة: “ما أَطلق عليه الجنرال ويغان معركة فرنسا قد انتهى. أَتوقّع أَنّ معركة بريطانيا على وشْك أَن تبدأَ. يعتمد بقاء الحضارة المسيحيّة على هذه المعركة. يعتمد الأَمر كلُّه الآن على نمط حياتنا البريطانيّة الخاصّة والاستمراريّة الطّويلة لمُؤَسّساتنا وإِمبراطوريّتنا. يعرف هتلر بأَنّه سيكون عليه أَن يهزمنا في هذه الجزيرة أَو يخسر الحرب. إِذا تمكّنا من الوقوف في وجهه، فقد تكون كُلّ أُوروبا حرّةً وقد يتحرّك العالم إِلى النُّور، ولكن إِذا فشلنا فإِنّ العالم كلّه بما في ذلك الولايات المُتّحدة، وبما في ذلك كُلّ ما عرفناه وحميناه، كُلّ ذلك سيغرق في هاوية عصر الظّلام الجديد الّذي سيُصبح أَكثر شرًّا وأَكثر طولًا. لذلك دعونا نستعدّ لواجباتنا، فإِذا استمرّت الإِمبراطوريّة البريطانيّة والكومنولث لأَلف عامٍ، سيظلّ الرّجال يقولون: كانت هذه أَفضل ساعاتهم”.
وفي المُقابل، أَعرب أدولف هتلر عن “إِعجابه ببريطانيا” مُنذُ بداية صُعوده إِلى السُّلطة، وسعى إِلى الحياد أَو مُعاهدة سلامٍ معها طوال الحرب. لكنّ هتلر حدّد أَهدافه المُتناقضة في مؤتمرٍ سرّيٍ للقيادة النّازيّة في 23 أَيّار (مايو) 1939، بأَنّ الهُجوم على بولندا كان ضروريًّا، ولن ينجح إِلّا إِذا بقيت الدُّول الغربيّة على الحياد، وإِذا كان ذلك مُستحيلًا، فسيكون مِن الأَفضل المُهاجمة غربًا، واستهداف بولندا في الوقت نفسه، وفي شكلٍ مُفاجئٍ. وإِذا نجح احتلال هولندا وبلجيكا وهُزمت فرنسا أَيضًا، فعندها ستتأَمّن الشُّروط الأَساسيّة لحربٍ ناجحةٍ ضدّ إِنكلترا. ويُمكن أَن تُحاصر القُوّات الجويّة الأَلمانيّة إِنكلترا انطلاقًا مِن فرنسا الغربيّة، بينما تُحاصر البحريّة والغوّاصات كُلّ إِنكلترا.
ولم يقتصر ميدان الصّراع بين أَلمانيا وبريطانيا على الجوّ، بل واشتدّ القتال بحرًا أَيضًا، فهاجم الأَلمان السُّفن البريطانيّة، المُحمّلة بالأَغذية والمواد الخامّ اللازمة لحياة الأَهالي ولمجهودهم الحربيّ. وكما استخدم الإِنكليز سلاح الرّادار في دفاعهم، وللمرّة الأُولى في الحرب العالميّة الثّانية، فقد استخدم الأَلمان في المُقابل، وللمرّة الأُولى في أَواخر العام 1939، القنابل المُمغنطة، الّتي أَلقتها الطّائرات الأَلمانيّة على مداخل الموانئ البريطانيّة. وقد تسبّب هذا السّلاح بخسائر فادحة في السُّفن التّجاريّة البريطانيّة. وتزامُنًا فقد عملت البارجة الأَلمانيّة الشّهيرة “جراف شي”، مع بارجةٍ أُخرى هي “دتشلند”، على إِغراق السُّفن البريطانيّة في المُحيط الأَطلنتيكي. غير أَنّ الطرّادات البريطانيّة عثرت عليهما في كانون الأَوّل (ديسمبر) 1939، فأَعطبت البارجة الأُولى، وأَغرقت الثّانية.
وكذلك فقد تمكّنت القُوّات البريطانيّة مِن استباق الأَلمان إِلى احتلال جزيرة “أَيسلند” وجُزر فارو (Faroe).
لقد استعمل الأَلمان في حصارهم البحريّ للجزيرة البريطانيّة أَنواعًا عدّة مِن الأَسلحة، نذكُر مِنها السُّفن الحربيّة التّقليديّة مثل (بسمارك) و(غراف شبي) و(تيربتر)، كما واستخدموا الأَلغام والغوّاصات الّتي بلغ عددها 1944، أَلف غوّاصةٍ، وقد أَلحقت ببريطانيا الأَضرار الآتية:
* في العام 1940، أَغرق الأَلمان سُفنًا بريطانية بلغ مجموع حُمولتها 4 ملايين ونصف المليون مِن الأَطنان.
* في العام 1941، بلغ مجموع حُمولة السّفن البريطانيّة الغارقة، أَربعة ملايين وستمئة وستّةٍ وستّين طنًّا.
* في العام 1942، بلغ مجموع الحُمولات الّتي ابتلعها البحر، ثمانية ملايين طنٍّ تقريبًا.
وعلى رُغم كُلّ ذلك… لم يستطع الأَلمان تحقيق أَهدافهم العسكريّة، وهُنا تظهر في وضوحٍ، كفاية الشّعب البريطانيّ في الّدفاع عن أَرضه، وبعد كُلّ ذلك لا عجب أَن تكون بريطانيا قد ربحت الحرب المفروضة عليها… وللحديث صلة.
رزق الله الحلو – صحافيّ وخبير تربويّ