عَ مدار الساعة


خيارات دمشق… الكردية

        ظهر اتفاق الحكومة الانتقالية في دمشق مع قسد وسط مشهد الدم السوري؛ فتأكيدات الطرفين على ما جرى كان برعاية أمريكية لا يؤشر على طبيعة مراسيم التوقيع ولا بنود الاتفاق التي جاءت كخطوط عريضة وليس برنامجا أوليا على أقل تقدير، فهناك لحظة قررت فيها دمشق إيجاد شريك سياسي لإعادة الصورة التي طرحتها بعد سقوط النظام نهاية العام الماضي.

        بغض النظر التفاصيل فإن ظهور محمد الشرع مع مظلوم عبدي سيغير من المشهد السوري، وسيدفع الرئيس الانتقالي لرسم مسار مختلف عما حدث منذ الثامن من كانون الأول 2024، فهناك خروج عن النمطية السياسية للهيئة التي ينظر الجميع إليها ضمن العباءة التركية، وفي النفس الوقت فإن الجمع بين الراديكالية الإسلامية والطبيعة المعاصر للتشكيلات الكردية سيؤثر بشكل أو بآخر على هوية الدولة السورية التي اتجهت خلال الأشهر الماضية نحو طابعا إسلامي غير مألوف.

الأكراد السوريون ومحور الصراع

رغم البنود العامة للاتفاق إلا أنه يمنح حكومة دمشق دورا جيوسياسيا خطيرا على الساحة الإقليمية، فهو يعيد بالدرجة الأولى كتلة سكانية تقدرها الهيئات الدولية بـ 1.5 إلى 2 مليون نسمة (10% من السكان)، لكن الأهم أن هذه الكتلة تتميز بأمرين:

  • هي الكتلة الأكثر تنظيما على المستوى السياسي في الوقت الراهن على الأقل، وشكلت في الشمال، والشمال الشرقي لسوريا إدارة ذاتية عام 2014، إضافة لقوة عسكرية تحت مسمى قوات سوريا الديمقراطية أو قسد.

        كانت كافة القوى الكردية، وليس قسد على وجه التحديد، الأكثر انضباطا وتنظيما (ولو بشكل نسبي) من أيفصل سوري آخر ظهر خلال الحرب السورية، وهو ما جعل التحالف الدولي الذي فشل في توحيد الفصائل العسكرية السورية ضمن هيئة قادرة على قيادة المرحلة، فالقوة التنظيمية للأحزاب الكردية ستدفع لتحالفات سورية نتيجة التنافس السياسي على الأقل.

  • الأمر الثاني أن الورقة الكردية لها أبعاد إقليمية، وتأثير مباشر حتى على المستوى الدولي، وهي تعني بالدرجة الأولى الذهاب أبعد في نوعية العلاقات مع دول الجوار وخصوصا تركيا التي مازالت تعتبر قسد جزء من حزب العمال الكردستاني.

        مسار الاتفاق كما يوحي من البنود القليلة فيه أن الورقة الكردية لم تعد أداة ضغط في يد الحكومة السورية، بل مشروع شراكة إذا نجح سيشكل استراتيجية إقليمية تعيد إلى نقطة توازن على المستوى الإقليمي، وبغض النظر عن الأبعاد الاقتصادية كون قسد تسيطر على حقول النفط؛ فإن البعد السياسي هو الأهم لأن “غرب آسيا” تتم إعادة تشكيله من جديد.

رهانات متعددة

        السيناريوهات مفتوحة ومتداخلة، لأن حوادث الساحل السوري أنهت مرحلة قصيرة لكنها مليئة بالآمال على مستوى العلاقات الدولية، والمجازر كشفت أن طبيعة الميليشيات التي شكلت قوة هيئة تحرير الشام لا حلها وفق “الأحلام” التي رافقت مرحلة تعيين الشرع كرئيس انتقالي لسوريا، حيث ظهر ومنذ إقرار الشرعية الجديدة أن الوضع لن يكون سلسا خصوصا أن الفصائل التي اجتمعت تشكل حالة استثنائية في سوريا.

        عمليا فإن طرح النموذج الكردي كشريك في حكم سوريا لن يسهل المهمة أمام الرئيس الانتقالي، لكنه سيفتح مساحة سياسية لاحتواء التنوع السوري السياسي والاجتماعي في مواجهة قوة الفصال التي أثبتت خلال مجازر الساحل أنها قوة “قهر” لا يمكن ضبطها، وبالتأكيد فإن الاتجاه الإسلامي الراديكالي الذي ظهرت به السلطة السورية سيواجه حالة مختلفة أمام التشكيلات الكردية التي تملك معيارا عاليا على المستوى السياسي مقابل التطرف الديني على الأقل.

رسم يوضح النزوح الكردي خلال الحرب السورية

        نجاح الاتفاق يعني تمايز سوريا على الساحة العربية، وفي نفس الوقت سيرفع من وتيرة النقاشات حول طبيعة العلاقات السورية الداخلية، ونوعية تعاملها مع المحيط وعلى الأخص “إسرائيل” فهو اختبار أولي لعودة المسارات السياسية بعد أيام من الدم ستبقى رمزا للسوريين خلال السنوات القادمة.