البابا بنديكتسُ 16: القضاءَ على النهرِ الَّذي قذفَهُ التنِّينُ من فَمِهِ سيبتلِعُهُ إيمانُ البُسَطاءِ الَّذين يُمثِّلون الأرضَ الطيِّبة..🛐🙏
البابا يوحنَّا بولسُ الثاني: علينا أن نتحضَّرَ لِمُعاناةِ المحنة الكُبرى الآتية قريبًا.. رسالةَ سيِّدة فاتيما أُموميَّةٌ بٱمتياز، وقويَّةٌ وحاسمةٌ. قد تبدو قاسيةً. إنَّها تبدو كيُوحنَّا المعمدان.. إنَّها تدعو إلى التوبة. إنَّها تُقدِّمُ لنا إنذارًا.
الْمَخاضُ والْمِحنةُ الكُبرى[1]
بعدَ خرابِ هيكلِ أورشليمَ وتَشَتُّتِ اليهودِ في كلِّ الأرضِ سنةَ 70 م، بدأَت حربٌ ضروسٌ مَخفيَّةٌ (أي المخاضُ الخفيُّ) ضدَّ الكنيسةِ والْمُعمَّدينَ بٱسمِ المسيح، وبالأَخَصِّ ضدَّ الأُمَناءِ لِمعموديَّتِهِم والْمُتجذِّرينَ في المسيحِ يسوعَ مُخلِّصِنا.
هذه الحربُ خُطِّطَ لَها منذُ عهدِ سليمانَ الحكيمِ وأحيرامَ مَلِكِ صور، منذُ أَن بُنِيَ هيكلُ سليمان، ونُفِّذَ القِسْمُ الأوَّلُ منها بٱضطهادِ أنبياءِ اللهِ ومن ثَمَّ بٱضطهادِ الربِّ يسوعَ وصَلْبِهِ وعدَمِ الإيمانِ بقيامَتِه، وٱنطلَقَت بِسِرِّيَّةٍ وشراسةٍ سنةَ 70 م. هذه الحربُ السرِّيَّةُ الَّتي تَحوَّلَت علَنيَّةً مَعَ بدايةِ نِهايةِ الأزمنةِ الأخيرة[2] (بولس الرسول: ” إنَّ سِرَّ الاثْمِ قد بدأ يعملُ في الخفاء” 2تس2: 7)، ستنتَهي مَعَ نِهايةِ الأزمنةِ الأخيرةِ الْمُؤَلَّفةِ مِن مرحلَتَين:
- مرحلةِ الْمَخاضِ العَلَنِيِّ
- مرحلةِ المحنةِ الكبرى.
وتاريخُ بَدءِ نِهاية الأزمنةِ الأخيرةِ ٱنطلقَ بوضوحٍ مَعَ وفاةِ الراهبةِ لوسيَّا (13 شباط 2005) رسولةِ ٱنتصارِ قلبِ مريَمَ الطاهرِ وأسرارِها الثلاثة – من فاتيما البرتغال إلى كُلِّ العالَم – ومَعَ وفاةِ البابا الطوباويِّ يوحنَّا بولسَ الثاني (02 نيسان 2005). وكان ذلكَ التاريخُ أيضًا بِمثابةِ بدايةِ الْمَخاضِ العلَنيِّ الَّذي تكلَّمَ عنه الرَبُّ يسوعُ في إنجيلِ متَّى، في الفصل 24، والَّذي أشرَفْنَا على نِهايتِه، وبِخاصَّةٍ أنَّهُ بعدَ تلاوةِ الإنجيلِ الْمُقدَّسِ في رُتبةِ دفنِ البابا الراحلِ يوحنَّا بولسَ الثاني، هبَّتِ الريحُ وأَغلَقَت بلُطفٍ كتابَ الإنجيلِ المقدَّسِ مُعلِنةً ٱنطواءَ مرحلَةِ الحربِ السرِّيَّةِ وبدايةَ مرحلةِ المخاضِ العلَنيِّ.
لقد كشفَ يسوعُ عمَّا يتضمَّنُه هذا المخاضُ العلنيُّ مِن حُروبٍ ووَيْلاتٍ وثَوْراتٍ شعبيَّةٍ وطبيعيَّة، إذ إنَّ الأُمَمَ ستُحارِبُ ذاتَها مِنَ الداخِلِ ومِنَ الخارِج، وتَعُمُّ مَعْمَعَةٌ كونيَّةٌ لَم يَشهَدْها تاريخُ البشريَّةِ أبدًا. أمَّا ثورةُ الطبيعةِ، فستتمثَّلُ بالزلازلِ والبراكينِ والعواصِف. وكلُّ هذا يكونُ أوَّلَ الْمَخاضِ العَلَنِيِّ.
ويُسأَلُ، كيف نعرفُ ذلك؟ الجوابُ هو أنَّ الرَبَّ ٱستخدمَ فعلاً أساسيًّا ومُهِمًّا ومِحْوَرِيًّا في هذا النصِّ من إنجيلِ متَّى (24: 6)، وهو فعلُ “سَمِعَ”[3]. وذلك لأنَّه قبل عشراتِ السنين، وعند حصولِ أيَّةِ كارثةٍ طبيعيَّة (كزلزالَي هاييتي واليابان مثلاً) أو أيَّةِ حروبٍ (كحرب رونده مثلاً)، لَم يكُن من السهلِ وصولُ أخبارِها من أقاصي الأرضِ إلى أقاصيها. بينما في زمننا الحاضِر، فكلُّ حدثٍ يُسمَعُ ويُرى في حينه، كما تنبَّأ بذلك القدِّيس نيلوس (Nylus) المصريُّ من القرنِ الخامس [4]، وهو الَّذي تنبَّأ أيضًا أنَّه في نِهايةِ الأزمنةِ لن يُعرَفَ الرجالُ من النساءِ لكثرةِ التمرُّدِ على الطبيعةِ والفحشِ والفجور.
ويُسأَلُ أيضًا، لِمَاذا يحصلُ كلُّ هذا؟ لقد أجابَ الربُّ تلاميذَه قائلاً: ” سوف تسمعونَ بحروبٍ وبأخبارِ حروب، أُنظروا، لا ترتعبوا! فلا بُدَّ أن يحدُثَ هذا… ومَن يصبِرْ إلى النهايةِ يَخلُصْ” (متَّى24: 6 و13). وشرحَ الربُّ يسوعُ أنَّ البُغضَ والارتدادَ عن الدينِ واللُجوءَ إلى الأنبياءِ الدَجَّالينَ الكذَبةِ والْمُشَعْوِذينَ وٱقترافَ الخطايا والفحشاءَ والعصيانَ والمجاعةَ وٱنعدامَ المحبَّة، كلُّ هذا هو السببُ في كلِّ ما يجري من شرورٍ وويلاتٍ. فإذا تابَتِ البشريَّةُ عن شُرورِها هذه وتَرَكَت عبادتَها لنَزَواتِها وللشرِّير، فستستقيمُ الأُمورَ بالتأكيد ويحلُّ السلامُ الحقيقيُّ. ولكنْ للأسف، لقد ٱنحرَفَتِ البشريَّةُ عن مسارِ السلامِ وغرِقَت في الظلمةِ الْمُهلِكة. أمَّا الَّذي يجري من حولِنا وفي العالَمِ من ثوراتٍ بشريَّةٍ وطبيعيَّة، فهذا كلُّه علاماتٌ لقُرْبِ حُلولِ المحنةِ الكبرى حين سيكونُ “ضيقٌ شديدٌ لَم يحدُثْ مثلُهُ منذ بدايةِ العالَمِ إلى الآن، ولن يحدُثَ” (متَّى24: 21). وفي زمنِ المحنةِ الكبرى، سوف يُقيمُ “الْمُخرِّبُ الشنيعُ” في مَقْدِسِ الربِّ كما تنبَّأَ بذلك دانيَّالُ النبيُّ (9: 27) وكرَّرَهُ الربُّ يسوعُ (متَّى24: 15)، وحدَّدَهُ بولسُ الرسولُ قبل المجيءِ الثاني للربِّ عندما يسودُ الجحودُ ويظهرُ ” إنسانُ الاثم، ٱبنُ الهلاك، المتمرِّدُ الْمُتشامِخُ… الَّذي يجلِسُ في قُدسِ هيكلِ الله، مُظهِرًا نفسَهُ أنَّه الله” (2تس2: 1-4).
أحبَّائي، نشكرُ اللهَ على أنَّه أَوْجَدَ عائقًا صَلْبًا أمامَ هذا الْمُخرِّبِ الشنيعِ وهو البابا الحالِيُّ، بنديكتسُ السادسَ عشرَ كرئيسٍ سابقٍ لمجمعِ العقيدةِ، وكرأسِ الكنيسةِ الكاثوليكيَّةِ الأمين. هذا العائقُ الَّذي سيمنعُ جلوسَ المخرِّبِ في قُدسِ هيكلِ الربِّ إلى زمنِ بدايةِ المحنةِ الكبرى، تنبَّأَ عنه الرسولُ بولسُ قائلاً: ” إنَّ سرَّ الاثمِ قد بدأ يعملُ في الخفاء، إلى أن يُرفَعَ من الوسط ذلك الَّذي يَعُوقُ الآن ظهورَه. وعندئذٍ يَظهرُ الأثيم” (2تس2: 6-8).
ولكنَّ هذا العائقَ ليس وحدَهُ، فمنذ البدء، خلَقَ اللهُ مريَمَ البتولَ لتكونَ قائدةَ هذا البابا، ومنذ أن كوَّنَها في أحشاءِ حنَّة الطاهرةِ مع بزوغِ فجرِ العهدِ الجديد، ثبَّتَها مُلهِمَةً له ورفيقةً حتَّى إزالته، حينما تنتهي أيضًا الظهوراتُ والرسائلُ المريَميَّةُ في العالَمِ مع نِهايةِ المخاضِ العَلَنِيِّ، وذلك بالتزامُنِ مع أَخْذِ التعليمِ الكاذِبِ مكانَ تعليمِ الإنجيلِ المقدَّس وتعليمِ الكنيسةِ الصحيح إنذارًا ببدءِ المحنةِ الكبرى. وهنا يتنبَّأُ المسيحُ يسوعُ عن ظهورِ الْمُسَحاءِ والأنبياءِ الكَذَبةِ الَّذين يصنَعُونَ ” آياتٍ عظيمةً وخوارِقَ، ليُضِلُّوا المختارين أنفُسَهم، لو قَدِرُوا“، وأَنْهى مُنَبِّهًا بكلِّ وضوحٍ: ” ها إنِّي قد أنبأتُكُم!” (متَّى24: 24). ويُثبِّتُ هذه النُبوءةَ الرسولُ بولسُ بقوله: “يكونُ مجيءُ الأثيم، بعملِ الشيطان، مصحوبًا بكلِّ قوَّةٍ، وبآياتٍ ومعجزاتٍ كاذبة، وبكلِّ خِدَعِ الباطلِ للَّذين يَهلِكُون” (2تس2: 9-10). لذا نقول إنَّ هذا الحدَثَ لَم يعُد بعيدًا لأنَّ البطريركَ الراعي تحدَّثَ عن ٱضطهادِ الكنيسةِ الحاصلِ في أيَّامنا من الداخلِ ومن الخارج[5]، كما تحدَّثَ عن ذلك البابا الحاليُّ والسابِقُ، وكذلك لأنَّنا نَعتبرُ أنَّ الكنيسةَ أشرَفَت على إنجازِ مراحِلِ دربِ الصليبِ مُتشَبِّهَةً بعريسِها يسوعَ، وبقيَ أمامَها القليلُ لتَصِلَ كالمسيحِ إلى القيامةِ المجيدة.
لقد بشَّرَنا المسيحُ في إنجيلِ متَّى (24: 22) بأنَّ فترةَ المحنةِ الكبرى سوف تُقصَّرُ مِن أجلِ الأُمَناءِ لكلِمَتِهِ، الَّذين ٱتَّخَذُوهُ مَلِكًا عليهم.. ووَعْدُ الربِّ لنا في سفرِ الرؤيا (20: 1-3) أنَّه في نِهايةِ المحنةِ الكبرى الَّتي سَتَلِي المخاضَ الَّذي نَمُرُّ به، سوف يقبِضُ على إبليس، الحيَّةِ القديمةِ، ويُقيِّدُه ويُلقي به مع كلِّ الأشرارِ في الهاويةِ السحيقةِ لِمُدَّةِ ألفِ سنةٍ رمزيَّة. وتنبَّأَ الرسولُ بولسُ قائلاً إنَّ المسيحَ سيأتي ويُزيلُ إبليسَ المخرِّبِ وذلك “بنفحةِ فمِه، ويُبطِلُهُ بشروقِ مجيئِه” (2تس2: 8).
وفسَّرَ البابا بنديكتسُ السادسَ عشرَ أنَّ القضاءَ على النهرِ الَّذي قذفَهُ التنِّينُ من فَمِهِ سيبتلِعُهُ إيمانُ البُسَطاءِ الَّذين يُمثِّلون الأرضَ الطيِّبة[6]. وهكذا، تنتهي مرحلةُ نِهايةِ الأزمنةِ بتقييدِ الشرِّيرِ وتحريرِ الأرضِ منه ومن عُمَلائِه، ليبدأَ زمنُ السلامِ الحقيقيِّ والنورِ الخلاصيِّ عندما يَملِكُ مع المسيحِ كلُّ الَّذين ثَبُتُوا في كَرْمَتِهِ الخلاصيَّةِ بالرَغم من مُرِّ الآلامِ الَّتي سيُقاسونَها. وثبَّتَ البابا بندكتُسُ السادسَ عشَرَ هذه الحقيقةَ في عِظَتِهِ عن “أبي الكرَّامُ وأنا الكرمةُ وأنتم الأغصانُ”[7]، إذ قال: ” الكنيسةُ هي شركةُ الحياةِ مع المسيحِ ومن أجل بعضنا البعض، المتجذِّرةُ في العمادِ والمعمَّقةُ أكثرَ في سرِّ الإفخارستيَّا“. وتابَعَ، ” الكرَّامُ (الآب) يحملُ السكِّينَ ويقطَعُ الأغصانَ اليابسة، ويُقلِّمُ الأغصانَ الَّتي تُنتِجُ ثَمَرًا لكي تُنتِجَ المزيدَ منه“. ويستشهِدُ بالقدِّيسِ أَغوسطينوسَ الَّذي قال: ” الأغصانُ مُلائمةٌ فقط لأحدِ الأمرَين: إمَّا للكرمةِ وإمَّا للنار“. ثمَّ يقول: “في أزمنةِ المحنةِ هذه، نشعرُ أحيانًا بأنَّنا في المعصرة، كحبَّاتِ العنَبِ المسحوقةِ بالكامل. لكنَّنا نعلَمُ أنَّنا بالاتِّحادِ بالمسيحِ نُصبِحُ خمرةً ناضجة… وهكذا، مع ٱنتهاءِ هذا “الزمَنِ البائس”، كما سَمَّاهُ البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، يحلُّ الزمنُ الحقيقيُّ للسلامِ والنورِ، ويُشرِقُ المسيحُ بِنُورِهِ مُبَشِّرًا ببدايةِ زمنِ مجيئِهِ الثاني، لأنَّه سيُكرَزُ “بإنجيلِ الملكوتِ في المسكونةِ كلِّها شهادةً لجميعِ الأمم، وحينئذٍ، (أي بنهاية زمن السلام والنور)، تأتي النهايةُ” (متَّى24: 14).
إنَّنا نَثِقُ بكلامِ المسيحِ القائل: ” متى رأيتُم هذا كلَّه، فٱعلَمُوا أنَّ ٱبنَ الإنسانِ قريبٌ، على الأبواب” (متَّى24: 33). ولكنْ علينا الانتباه، فهذا كلُّه لن يكونَ نِهايةَ العالَمِ إنَّما سيكونُ نِهايةَ الشرِّ، أي نِهايةَ الأزمنةِ الأخيرة. أمَّا نِهايةُ العالَمِ فهي بعيدةٌ جدًّا، ولا أحدَ يعلَمُ تاريخَها، لا في هذا الزمنِ الصعبِ ولا في زمنِ السلامِ الآتي، لأنَّ تاريخَها محصورٌ في فكرِ اللهِ وجَوْهَرِهِ دون سِواهُ، فَلْنَصبِرْ إلى المنتهى لنخلُصَ بنعمةِ المسيحِ ومحبَّتِهِ ورحمتِه، له المجدُ إلى الأبد، آمين.
أقوالُ البابوات [8]
إعتبَرَ الكاردينال كارول فويتيلا، أي البابا الطوباويُّ يوحنَّا بولس الثاني لاحقًا، أنَّ البشريَّةَ دخَلَت في المعركةِ الأخيرةِ مع عَدُوِّها اللدود، وذلك على أثَرِ زيارتِه للولايات المتَّحدة الأميركيَّة في 9 تشرين الأوَّل سنة 1976.
هذا الكلامُ الإنذار، أعلَنته العذراءُ مريَم إلى لوسيَّا الَّتي نقَلَتْهُ بِدَوْرِها للأب فوينتِس المكسيكيِّ في 26 كانون الأوَّل سنة 1957، إذ قالت له أن يُخبِرَ الآتِيَ: “إنَّ إبليسَ يشنُّ على العذراءِ حربًا حاسمة.. ويسعى جاهدًا لاستمالةِ النفوسِ المكرَّسةِ لله، إذ بذلك، يُشيعُ الحيرةَ واليأسَ في النفوس، ويستولي عليها بِمزيدٍ من اليُسر… قالَت العذراء إنَّ إبليس يشنُّ المعركةَ الحاسمة، وإنَّ اللهَ يَهَبُ العالَمَ العِلاجَين الأقصيَيْن: الورديَّةَ المقدَّسة، وتكريمَ قلبِ مريَمَ الطاهرِ الْمُنَزَّهِ عن كلِّ دنَسٍ… إنَّ الله يُقدِّمُ لنا وسيلةَ الخلاصِ القُصوى: أُمَّهُ الكلِّيَّةَ القداسة…”[9].
قال البابا: ” نقفُ الآنَ بِمواجهَةِ أعظمِ معركةٍ تاريخيَّةٍ تَمُرُّ بِها البشريَّة. لا أعتقِد أنَّ الأكثريَّةَ الساحقةَ من الشعبِ الأميريكيِّ أو الأكثريَّةَ الساحقةَ من المجتَمَعِ المسيحيِّ تُدرِكُ ذلك بالكامل. نحن الآنَ نُواجِهُ المعركةَ الأخيرةَ بين الكنيسةِ الحقيقيَّةِ والكنيسةِ الزائفة، بين الإنجيلِ الحقيقيِّ والإنجيلِ الْمُزَيَّف. تُوضَعُ هذه المعركةُ في تصميمِ العنايةِ الإلهيَّة… إنَّها مِحْنَةٌ على الكنيسةِ أن تتأهَّبَ لِمواجهَتِها… إختبارٌ لألفَي سنةٍ من الثقافة والحضارة المسيحيَّة مع كلِّ نتائجها لأجل كرامةِ الإنسان وحقوقِ الشخصِ البشريِّ وحقوقِ الإنسانِ وحقوقِ الأوطان“[10].
وبِما أنَّهُ سَمِعَ كثيرًا عن الحربِ العالَميَّةِ الأولى وعاصَرَ الحربَ العالَميَّةَ الثانيةَ وٱختبرَ مرارَتَها بإيمانٍ صَلْبٍ مُلتجئًا لعطفِ مريَمَ البريئةِ من الدَنَسِ ولرحمةِ الآبِ السماويِّ ولِمَحبَّةِ ربِّنا يسوعَ المسيحِ ولقوَّةِ الروحِ القدُس، فقد عَلِمَ عِلْمَ اليَقينِ أنَّ علاماتِ الأزمنةِ الأخيرةِ للشرِّيرِ قد بدأَتْ..
لَمَّا أعلَنَ البابا بولسُ السادسُ[11] أنَّ الكُتُبَ الْمُقدَّسةَ تَكشِفُ أنَّه يُوجَدُ رابطٌ ثابتٌ لا يُمكنُ فصلُه بين الحياةِ والْحُبِّ، أو بين الوحدَةِ في الزواج والإنجاب كَوَصيَّةٍ لله الَّذي أوحى بأنَّ الرَجُل وٱمرأَتَهُ يُصبحان جسدًا واحدًا (تك1: 28 و تك2: 23-24)، تعرَّضَ لحملةٍ عدائيَّةٍ ورفضٍ لهذا الإعلان الجريء. جاءَ كلامُ البابا هذا على أثرِ ٱنحلالِ القِيَمِ الأخلاقيَّة وٱنتشارِ الملابسِ الخلاعيَّةِ في العالَم ٱبتداءً من الولاياتِ الْمُتَّحدةِ الأميركيَّة وأوروبَّا.
وفي هذا المجال، وبعدما فَتَحَتِ العذراءُ بِيَدِها الشِمالِ بابَ جهنَّمَ وجعلَتْ رُعاةَ فاتيما الثلاثةَ، لوسيَّا وجاسينتا وفرانشيسكو، يرَوْنَ ما تحتويه جهنَّمُ من نفوسٍ هالكةٍ، والعذابَ الأبديَّ الَّذي تتعذَّبُه، قالَت الطوباويَّةُ جاسينتا مارتو: ” أكثرُ الخطايا الَّتي تأخذُ النفوس إلى جهنَّمَ هي خطايا الجسَد“، أي قلَّةِ الحشمةِ، والزنى والشُذوذِ على أنواعهما.
وتابَعَت جاسينتا: ” سوف تُعرَضُ على العالَم موضةُ ثيابٍ تُسيءُ جدًّا لإلَهِنا… فلا تَبيعوا أنفُسَكم للثيابِ غيرِ الْمُحتَشِمةِ“[12].
كما ردَّدَتْ في ليشبونه قبلَ وفاتِها بقليل:
” الحروبُ هي عِقابُ اللهِ على خطايا العالَم. لَم يَعُد بٱستطاعةِ السيِّدةِ العذراءِ أن تَسندَ يَدَ ٱبنِها الحبيبِ عنِ العالَم… لا بُدَّ من التوبة… إذا لَم يحصلِ الإصلاحُ فالعِقابُ آتٍ“[13]. وبِما أنَّ عالَمَ اليوم، وفي بداية الألفيَّة الثالثة بعد المسيح، قد ٱعتنَقَ حضارةَ التعرِّي الجسديِّ الَّذي هو نتيجةٌ للتعرِّي الباطنيِّ حيثُ طُرِدَ اللهُ ليسكُنَ مكانَه إبليسُ وأرواحُه النَجِسةُ والدَنِسة، فإنَّنا نجدُ أنَّ تحذيرَ جاسينتا كان في مَحَلِّه، لذا لا بُدَّ من أن نأخُذَ مُحتَوى أسرارِ فاتيما الثلاثةِ، وبالأخَصِّ السرُّ الثالثُ، على محملِ الجدِّ…
مع ٱستشراءِ حالةِ الرفضِ لتعليم السُلطةِ في الكنيسةِ المقدَّسة، قال البابا بولسُ السادسُ سنة 1977، أَيْ قبل وَفاتِهِ بسنةٍ واحدة: ” أقرأُ في بعض الأحيان نصوصَ نِهايةِ الأزمنةِ في الإنجيل المقدَّس، وأشهدُ أنَّه في هذا الوقت تظهرُ علاماتُ هذه النهاية“[14].
ولكن، بعدما طلَبَتِ العذارءُ الكشفَ عن السرِّ الثالثِ لظهوراتِ فاتيما-البرتغال بحلول سنة 1961 ولَم يحصَل ذلك، سُئِلَ البابا يوحنَّا بولسُ الثاني، على أثرِ زيارتِه لألمانيا في تشرين الثاني سنةَ 1980، وبالتحديد قبل سنةٍ من تَعَرُّضِه لِمُحاوَلةِ الاغتيال، سُئلَ عمَّا إذا كان هذا السرُّ يحملُ في طيَّاتِه إنذارًا من الله، فأجابَ البابا حرفيًّا بالآتي: “يجب أن يكتفيَ المسيحيُّون بِمعرفة الآتي: إذا كان هنالِكَ رسالةٌ مكتوبٌ فيها أنَّ الْمُحيطاتِ ستَغمرُ بالكاملِ مَناطِقَ مُعيَّنةً من الأرض، مُسَبِّبَةً هلاكَ ملايين من البَشَر أو موتَهم بين لحظةٍ وأُخرى، فإعلانُ رسالةٍ كهذه، في الحقيقة، ليس بِمرغوبٍ بعد ذلك.
وتابع قداسةُ البابا: “فالكثيرون، بسببِ الفُضُولِ، يُريدون إعلانَ هذا السرِّ، أو لأنَّ البعضَ الآخَرَ يتلذَّذُ في إثارةِ المواضيع “الإثاريَّة“[15]، لكنَّهم نَسوا أنَّ المعرفة تتطلَّبُ، ضِمْنًا، تَحَمُّلَ المسؤوليَّة.
إنَّهم يرغبون فقط في إشباعِ فُضُولِهم، وهذا يُشكِّلُ خطرًا إذا كانوا، في الوقت نفسه، لا يَميلُون لفعلِ شيءٍ ومُقتَنِعين بأنَّنا لا نَقدِرُ على أن نفعلَ شيئًا ضدَّ الشرِّ”. وفي هذه اللحظة، رفعَ المسبحة وقال: “هذا هو العِلاجُ ضدَّ هذا الشرِّ! صَلُّوا، صَلُّوا ولا تسألوا عن شيءٍ آخَرَ. سَلِّموا كلَّ شيءٍ لأُمِّ الله“.
وبِما يخصُّ السؤال عمَّا سيحصل للكنيسة، قال البابا يوحنَّا بولسُ الثاني: “يجبُ علينا أن نتحضَّرَ لِمُعاناةِ المحنة الكُبرى الآتية قريبًا، وهذا يتطلَّبُ منَّا أن نتخلَّى عن أمورِ الحياة ونتكرَّسَ كُلِّيًّا للمسيح ولأجله… قد نستطيع بصلاتكم وصلاتي أن نُخفِّفَ عناءَ هذه المحنة، ولكنْ من غيرِ الْمُمكِنِ بعدَ الآنَ تَفاديها، لأنَّه إلى هذا الحدِّ فقط يكون تجديدُ الكنيسة فعليًّا. كم مرَّةٍ كان تجديدُ الكنيسةِ ينفجرُ من الدِماء! هذه المرَّةُ أيضًا، لن تأخذَ شكلاً آخَرَ. يجب أن نكونَ مُستعدِّينَ وأقوياءَ، وواثقين بالمسيحِ وأُمِّه، وأن نكون مُواظبينَ كثيرًا على صلاةِ الورديَّةِ المقدَّسة“[16].
هذا الكلامُ للبابا الطوباويِّ يوحنَّا بولسَ الثاني، الَّذي يُشيرُ إلى عِقابٍ[17] ومِحنةٍ وَشيكَيْنِ ستخضعُ لَهُما البشريَّةُ بسبب ٱنحرافِها وشُرورها، أَكَّدَهُ البابا بنديكتُسُ السادسَ عشَرَ عندما كان كاردينالاً ورئيسَ مجمعِ العقيدة (جوزيف رايتزنجر)، إذْ بعدَ سُؤالٍ من الصِحافِيِّ فيتُّوريو ميسُّوري، لَم يُنكِر أنَّه يوجَدُ نسخاتٌ مُتداولة في العالَم تصفُ محتوى السرِّ الثالثِ بأنَّهُ مُقلِقٌ ورُؤيَويٌّ، وبأنَّه إنذارٌ لِمُعاناةٍ مُرعِبَةٍ، ولكنَّه أرادَ في الْمُقابلِ أن يقولَ: “ العذراءُ لا تقبَلُ بالإثاريَّة، ولَم تخلق الخوف“.
كذلك كشفَ هذا الصِحافِيُّ عن أنَّ البابا بولسَ السادسَ، وخلالَ حَجِّهِ لفاتيما، بدَا وكأنَّه يُلمِّحُ للمَشاهِدِ الرُؤيَوِيَّةِ لِهذا السِرِّ[18]. بالإضافة إلى ذلك، عندما أسلَمَ أُسقُفُ نياغاتا-اليابان تقريرَهُ إلى الكاردينال جوزف رايتزنجر حولَ رسالة العذراءِ مريَمَ في أبرشيَّته، والَّتي تسلَّمَتْها الراهبةُ أنييس ساساغاوا بتاريخ 13 تشرين الأوَّل من سنة 1973، هذا التاريخِ الَّذي يُذكِّرُنا بظهور فاتيما الأخيرِ عندما حدَثَت أُعجوبةُ الشتاءِ الغزيرِ الْمُفاجِئِ والْمَتبوعِ بأُعجوبةِ الشمسِ، لَم يَمنَعِ الكاردينالُ رايتزنجر هذا الأُسقُفَ من نَشْرِ تقريرِهِ. وكان الأُسقُفُ أُتُّو قد أعلَنَ في تقريرِهِ هذا عن صحَّةِ ما ورَدَ في رسالة العذراء، وبأنَّ رسالتها في آكيتَّا-اليابان تحملُ مُحتَوى سرِّ فاتيما الثالثِ نفسَهُ الَّذي لَم يُستَكمَلْ إعلانُهُ[19].
لذلك، فَلِظاهرةِ ماءِ الشتاءِ ونارِ الشمسِ[20] الَّتي حدَثَت في الظهور الأخير في فاتيما، بتاريخ 13 تشرين الأوَّل 1917، رمزيَّةٌ واضحةٌ وعلاقةٌ مُباشِرةٌ مع نبوءةِ العذراءِ في أكيتَّا الَّتي تتحدَّثُ عن أنَّ العِقابَ سيأخذُ شكلَي الفيضانِ والنارِ النازلةِ من السماء.
بعدما تعرَّضَ البابا يوحنَّا بولسُ الثاني لِمُحاوَلةِ ٱغتيالٍ مباشرةٍ وقاتلةٍ في 13 أيَّار سنة 1981، وتدخَّلَتِ العذراءُ مريَمُ في لَحظتِها وغيَّرَت مَرَّتَين مسارَ الرصاصةِ الَّتي دخلَت قلبَهُ، فسَّرَ البابا هذا الحادِثَ الخطيرَ بقوله: “إنَّهُ ٱمتحانٌ إلَهيٌّ كبير“[21]، ثُمَّ صرَّحَ قائلاً: ” بإنقاذها حياتي، ذكَّرَتني العذراءُ مريَمُ برسالةِ فاتيما“. ثُمَّ زار البابا سيِّدة فاتيما-البرتغال في 13 أيَّار سنة 1982 لشُكرِها على إنقاذِ حياته لكي يُتَمِّمَ رسالتَه الحبريَّةَ في إعلانِ سِرِّها الخلاصيِّ لِهذه الأزمنة الأخيرةِ للشرِّيرِ ومَملكتِه المهزومةِ والهالكةِ أبدًا. وأعلَنَ البابا من مزار الحجِّ الأهمِّ في عصرنا، خلال عِظَتِه في القدَّاس الإلَهيِّ قائلاً: “جئتُ إلى هنا (مزار فاتيما) اليومَ، لأنَّه في مِثْلِ هذا اليومِ من السنةِ الفائتة، تعرَّضَ البابا لِمُحاولةِ ٱغتيالٍ في باحةِ القدِّيس بطرسَ في روما، وهذا يُشيرُ إلى حدثٍ أسراريٍّ لِتَزامُنِهِ مع بدايةِ ظهوراتِ فاتيما الَّتي حصلَت في 13 أيَّار سنة 1917. هذا التَزامُنُ في التواريخِ يجعلُني أعترفُ بأنَّني أُعطِيتُ نداءً للمجيءِ إلى هذا المكان. لقد أتيتُ لأَشكُرَ العنايةَ الإلَهيَّةَ في هذا المكان الَّذي ٱختارته أُمُّ اللهِ على وجهٍ خاصٍّ“[22]. ثُمَّ تحدَّثَ البابا الطوباويُّ عن أهميَّة ظهورات العذراءِ في فاتيما وآنيَّة أسرارها الثلاثة الطارئةِ لزمننا الحاضر، فقال: ” أُمومةُ مريَمَ الروحيَّةُ هي شراكةٌ في ‘قوَّةِ الروحِ القدُس‘، في ‘قوَّة واهِبِ الحياة‘…
وتابع البابا: “ما بَرِحَتِ الكنيسةُ تُعَلِّمُ وتستمرُّ في إعلانِ أنَّ الوحيَ الإلهيَّ ٱكتمَلَ في يسوعَ المسيحِ، الَّذي هو كمالُ الوحي، وأنَّ ‘من غيرِ الْمُتَوَقَّعِ إعلانَ وحيٍ عامٍّ جديدٍ قبلَ ظهورِ الربِّ بالمجدِ من جديد (المجيء الثاني)‘ (Dei Verbum, 4). ..إذا كانتِ الكنيسةُ قد قَبِلَت رسالةَ فاتيما، فلأنَّ هذه الرسالةَ تحتوي قبل كلِّ شيءٍ على <حقيقة ونداء> يتضمَّنان في الأساس <الحقيقةَ والنداءَ الْمُنبثقَيْنِ من الإنجيل> نفسِه. ‘توبوا وآمِنوا بالإنجيل‘، (مر1: 15): هذه هي أولى كلماتِ المسيح الَّتي وجَّهَها للبشريَّة. والنواةُ الأساسيَّةُ لرسالةِ فاتيما، هي نداءٌ ‘للاهتداءِ والتوبة‘، على مثالِ الإنجيلِ المقدَّس. هذا النداءُ أُطلِقَ في بدايةِ القرنِ العشرين، وبالتالي، فهو مُوَجَّهٌ بالتحديدِ إلى هذا القرن الحاليِّ. <سيِّدةُ الرسالة> تبدو أنَّها قد قرأت داخليًّا، وبشكلٍ مُمَيَّزٍ، ‘علاماتِ الأزمنة‘، علاماتِ زمنِنا الحاضر. النداءُ إلى التوبةِ هذا، هو نداءٌ أُمُوميٌّ (من الأُمِّ الإلَهيَّة)، وفي الوقت نفسهِ هو قويٌّ وحاسمٌ.. إنَّها الصلاةُ الَّتي تشعرُ مريَمُ من خلالِها بشكلٍ خاصٍّ أنَّها مُتَّحِدةٌ بنا. هي بنفسها تُصلِّي معنا. <صلاةُ الورديَّةِ> تُطَوِّقُ مشاكلَ الكنيسة، كما طوَّقَتْ مشاكِلَ القدِّيسِ بطرسَ، ومشاكِلَ العالَمِ كلِّهِ أيضًا. في صلاةِ الورديَّةِ نتذكَّرُ الخطأةَ الَّذين قد يرتدُّون ويَخلُصون، ونتذكَّرُ أيضًا الأنفُسَ المطهريَّة…”[24].
بعد ذلك، شابَهَ البابا الطوباويُّ يوحنَّا بولسُ الثاني بين براءةِ الرُعاةِ أطفالِ فاتيما وبراءةِ الراعيةِ الطفلةِ برناديت في لورد، وأظهرَ اللغةَ البسيطةَ الَّتي تكلَّمَت بِها مريَمُ البتولُ في ظُهورِها لَهم..
لذلك، قال البابا الطوباويُّ: “…ٱبتداءً من تاريخ 13 أيَّار 1917، لا يُمكنُ أبدًا الفشلُ في الانتباه إلى أيِّ مدًى تغمرُ هذه الأُمُّ بِحُبِّها الخلاصيِّ، وبشكلٍ خاصٍّ، هذه المئويَّةَ من السنين. من النورِ الْمُنبثقِ من حُبِّ هذه الأُمِّ يُمكنُنا أن نفهمَ مُجمَلَ رسالةِ سيِّدة فاتيما. أعظمُ حاجزٍ أمامَ مسيرةِ الإنسانِ تُجاهَ اللهِ هو الخطيئةُ والدَأبُ في فعلها، وأخيرًا، نُكرانُ الله… هل تستطيع الأُمُّ الَّتي فيها كلُّ قوَّةِ الحُبِّ الإلهيِّ، الحُبِّ الَّذي عزَّزَها به الروحُ القدُسُ الراغِبُ في خلاصِ كلِّ إنسانٍ، أن تبقى صامتةً أمام ما يُقوِّضُ أبسطَ قواعِد خلاص النفوس؟ كلاَّ، لا تستطيع. لذا، أقولُها من جديد، بِما أنَّ رسالةَ سيِّدة فاتيما هي رسالةٌ أُموميَّةٌ بٱمتياز، فهي أيضًا رسالةٌ قويَّةٌ وحاسمةٌ. قد تبدو قاسيةً. إنَّها تبدو كيُوحنَّا المعمدان يتكلَّمُ على ضفافِ نَهر الأردنِّ. إنَّها تدعو إلى التوبة. إنَّها تُقدِّمُ لنا إنذارًا. إنَّها تدعونا إلى الصلاة. إنَّها تُوصي بصلاةِ الورديَّة… [25].
يقول البابا يوحنَّا بولسُ الثاني، إنَّه مع الكلمات الَّتي قالَها المسيحُ على الصليب لأُمِّه: “يا ٱمرأةُ، ها هو ٱبنُكِ!”، يكونُ يسوعُ قد ” فتحَ بطريقةٍ مُعيَّنةٍ قلبَ أُمِّه. وبعد ذلك بقليلٍ، الجنديُّ الرومانيُّ ثقبَ بالرُمحِ جنبَ الإله المصلوب. هذا القلبُ المطعونُ أصبحَ علامةً للفداءِ الْمُنجَزِ عبر موتِ حَمَلِ الله. فالقلبُ الطاهرُ لمريَمَ، المفتوحُ بِهذه الكلمات: ‘يا ٱمرأةُ، ها هو ٱبنُكِ!‘، يكونُ بالروحِ مُوَحَّدًا مع قلب ٱبنها المفتوحِ بِحربةِ الجنديِّ… فقلبُ العذراء الأُمِّ يعلَمُ ذلك أكثرَ من أيِّ قلبٍ آخَرَ في كلِّ الكون، الْمَرئِيِّ وغيرِ الْمَرئِيِّ. ولذلك، لقد نادَتْنا هذه الأُمُّ. ولَم تُنادِنا فقط للاهتداء: لقد نادَتنا لقبولِ مُساعدتِها الأموميَّةِ لكي نعودَ إلى النبعِ الَّذي ٱفتدانا“[26].
وفي المقطَع التاسِعِ من هذه العظة، كشفَ البابا يوحنَّا بولسُ الثاني عن أنَّ تكريسَ الأفرادِ والعائلاتِ والمجتمعاتِ والأوطانِ والشعوبِ لقلبِ مريَمَ الطاهر، هو تكريسٌ لقلبِ يسوعَ الأقدَسِ المطعونِ بالحربةِ والَّذي يتدفَّقُ غفرانًا وخلاصًا ونِعَمًا للإنسان وللعالَم كنبعِ رحمةٍ لا يَنضب.. ثُمَّ يشرحُ البابا في المقطَعِ العاشر من عظتِهِ عن كيفيَّةِ تَجذُّرِ رسالةِ فاتيما في الإنجيلِ المقَدَّسِ وفي التقليدِ الكَنَسيِّ[27]
وأوضحَ البابا في المقطَع العاشر أيضًا: ” لقد أجابَتِ الكنيسةُ من خلال خادمِ اللهِ البابا بيُّوسَ الثاني عشر (الَّذي سِيمَ أُسقُفًا بشكلٍ واضحٍ يوم 13 أيَّار سنة 1917)، الَّذي كرَّسَ الجنسَ البشريَّ، وبالأخصِّ الشعوب الروسيَّة، لقلب مريَم الطاهر. أَلَم يكُن هذا التكريسُ جوابًا على البلاغة الإنجيليَّة لنداء فاتيما؟”[28]..
.. “ نعم، – يضيف قداسة البابا متحدِّثًا عن نفسه بصيغة الغائب – لقد قرأَها (أي البابا) ثانيةً بٱرتعاشٍ في قلبه، لأنَّه شاهدَ عددًا كبيرًا من الشعوبِ والمجتمعات – عددًا كبيرًا من المسيحيِّين – قد ذهبَ في الاتِّجاهِ الْمُعاكِسِ لذاكَ الْمُشارِ إليه في رسالةِ فاتيما. الخطيئةُ قد وَجدَت ذاتَها ثابتةً في بيتِها في العالَم، ونُكرانُ اللهِ أصبحَ مُنتشرًا في إيديولوجيَّاتِ الكائناتِ البشريَّةِ وأفكارِها ومُخَطَّطاتِها. ولكنْ لِهذا السببِ الوجيهِ، فالنداءُ الإنجيليُّ للتوبةِ والاهتداءِ الصادرُ عن رسالةِ الأُمِّ، يَبقَى دائمًا وثيقَ الصِلَةِ بِهذا الموضوع. وهذا النداءُ هو مُناسبٌ لظروفِ اليومِ أكثرَ منه منذُ ستٍّ وخمسين سنةً. إنَّه ما زال طارئًا… خليفةُ بطرسَ يُعرِّفُ عن نفسِهِ هنا أيضًا كشاهدٍ على ضخامةِ مُعاناةِ الإنسان، وكشاهدٍ على الأخطارِ الأكثرِ رؤيويَّةً والَّتي تَتَفَحَّصُ (تَتَرَصَّدُ) البلدانَ والجنسَ البشريَّ برُمَّتهِ..
يَحزَنُ قلبي عندما أرى خطيئةَ العالَمِ ومُجمَلَ سلسلةِ الأخطارِ تتجمَّعُ كالغيومِ السوداءِ فوق الجنسِ البشريِّ، ولكنَّني أبتهجُ برجاءٍ كبيرٍ لأنَّني لِمَرَّةٍ ثانيةٍ أفعلُ ما فعلَهُ أسلافي عندما كرَّسوا العالَمَ لقلبِ مريَمَ الطاهر، وعندما كرَّسُوا، بشكلٍ خاصٍّ، لِهذا القلبِ هذه الشعوبَ الَّتي هي بأكثرِ حاجةٍ لِهذا التكريس. إنجازُ هذا التكريس يعني تكريسَ العالَم “له” ذاكَ الْمُطلَقِ القداسةِ (المسيح). وهذه القداسةُ الكُلِّيَّةُ تعني الافتداء..
المقطَعُ الأخيرُ (رقم 12) من عظة البابا يوحنَّا بولسَ الثاني يحملُ عنوان “إيمانُ الكنيسة“. ويبدأُ بنصٍّ من سفرِ الرؤيا (21: 2-3): “والمدينةُ المقدَّسةُ الجديدةُ (أُورشليم الجديدة) رأيتُها نازلةً من السماء، من عندِ الله، مُهيَّأةً كعروسٍ مُزيَّنةٍ لرَجُلِها. وسمعتُ صوتًا عظيمًا من العرشِ يقول: ‘هُوَذا مَسكِنُ اللهِ مع البشر، فهو سيَسكُنُ معهم، وهُم يكونونَ شعوبًا له، واللهُ نفسُهُ يكونُ معهم، إلَهًا لَهم‘. هذا هو الإيمانُ الَّذي به تعيشُ الكنيسةُ. هذا هو الإيمانُ الَّذي به شعبُ اللهِ يصنعُ رحلتَهُ. ‘مَسكِنُ اللهِ مع البشر‘ هو كذلك على الأرضِ الآنَ…
قلبُ العروسِ والأُمِّ الَّذي يَعلَمُ بكلِّ آلامِ الأفراد والْمُجتمعات على الأرض. شعبُ الله هو سائحٌ على طُرُقاتِ هذا العالَم بٱتِّجاهٍ نُهيويٍّ[29]. إنَّه يُوجِّهُ حَجَّهُ نحو أورشليمَ الأبديَّةِ، نحو ‘مَسكِنِ اللهِ معَ البشر‘. اللهُ هناكَ، ‘سيمسَحُ كلَّ دمعةٍ من عيونِهم، والموتُ لن يكونَ من بعدُ..
يا لَعَظَمَةِ وضخامَةِ “النعمةِ” هذه الَّتي كشفَها لنا البابا يوحنَّا بولسُ الثاني الطوباويُّ الاستثنائيُّ الْمُمَهِّدُ مع خَلَفِهِ البابا بنديكتُسَ السادسَ عشَرَ لِمجيءِ المسيحِ الثاني المجيد. حقًّا، لقد بشَّرَنا وقالَ لنا الحقَّ بالروحِ الْمُلهِمِ وبِحضورِ الأُمِّ القادرةِ بنِعمةِ ٱبنها الإلهيِّ وتحت أنظارِ الآبِ السماويِّ، عندما قال: “بدأَتْ تلمعُ في أُفُقِ الإيمانِ في زمننا ‘آيةٌ عظيمةٌ في السماء، ٱمرأةٌ مُوشَّحةٌ بالشمس‘ (رؤ12: 1)”.
وقد صلَّى القدِّيسُ يوحنَّا الدمشقيُّ قائلاً: ” نَقِفُ أمامَكِ أيَّتها الملِكةُ… والدةُ اللهِ العذراءُ: نُعلِّقُ عليكِ رجاءَنا، كما بِمرساةٍ أمينةٍ وراسخة (عب6: 19)، ونُكرِّسُ لكِ عقلنا ونفسَنا وجسدَنا، كلٌّ منَّا بِجُمْلَتِه“[30]…
إذا كان البابا يوحنَّا بولسُ الثاني قد صرَّحَ عَلَنًا: ” لقد وصَلْنا إلى لحظةٍ فاصلةٍ (حاسمة) من حياةِ الكنيسة وحياةِ هذا الجيل“[31]، فهو قد صرَّحَ أيضًا من حاضرةِ الفاتيكان في 30 أيلول سنة 2001 بعد أحداثِ الحاديَ عشرَ من أيلولَ من السنةِ عينِها، ما يلي: ” في الوَضعِ العالَميِّ الحاليِّ، أدعو كلَّ مسيحيٍّ – الأشخاصَ والعائلاتِ والجماعاتِ – لتلاوَةِ مسبحة الورديَّة المقدَّسةِ يوميًّا إذا أمكَنَ، وذلك من أجلِ السلام، ولِيُحفَظَ العالَمُ من كارثةٍ إرهابيَّةٍ ظالِمةٍ… لِمُواجَهةِ هذا الشرِّ، الكنيسةُ مَدعُوَّةٌ لتكونَ مُخلِصةً لِمَوهِبَتِها النبويَّة،..
..واللهُ يَحرصُ على مَنحِ الْمُخلِصينَ في الكنيسةِ أن يكونوا في مُقدَّمةِ الَّذين يَبحَثُون عن العدالة، لكي يُبعِدُوا العنفَ ولكي يكونوا صانعي السلام. نُصلِّي للعذراءِ مريَمَ، ملكةِ السلام، كي تتشفَّعَ للبشريَّة جمعاءَ، حتَّى لا تكون الكلمةُ الأخيرةُ للكراهيةِ والموت!”[32]. وفي هذا المجال، كانَ البابا بيُّوسُ الثاني عشرَ قد شدَّدَ في “براءة رسوليَّة” في 15 أيلول سنة 1951 على تلاوةِ مسبحةِ الورديَّةِ قائلاً: ” لا نتردَّدْ بِوَضْعِ ثِقَتِنا في المسبحةِ الورديَّةِ تكرارًا لِمُعالَجَةِ الشُرورِ الَّتي تُصيبُ عصرَنا هذا. فليسَ بقوَّةِ السلاحِ ولا بالقدرةِ البشريَّة، ولكنْ بالمعونةِ الإلَهيَّةِ الَّتي نَحصلُ عليها بفضلِ هذه الصلاةِ، تكونُ الكنيسةُ قويَّةً مِثْلَمَا غَلَبَ داودُ، فقط بِمقلاعِهِ، مَكَايِدَ العَدُوِّ الجهنَّميِّ“[33].
[1] الخوري غسَّان رعيدي، العظة رقم 76/2011، سيِّدة المعونات – زوق مكايل، الأحد 25/09/2011 – صليب أ 2 المخاض والمحنة الكبرى (متَّى24: 1-14).
[2] الأزمنةُ الأخيرةُ أو الزَمَنُ الأخير، هي الزَمَنُ الأخيرُ للشِرِّير، وقد بدأ مع سرِّ المسيحِ إلهنا في التَاريخِ ويَنتهي مع بدايةِ المجيءِ الثَاني له والَّذي أصبح على الأبواب. أمَّا نِهايةُ الأزمنةِ الأخيرةِ فبدأت منذ عشراتِ السِنين، في حين أنَّ بدايتَها بشكلٍ علَنيٍّ وواضِحِ الْمَعالِمِ فكانَ مع وفاةِ لوسيَّا والبابا يوحنَّا بولسَ الثاني كما هو مَلْحُوظ.
[3] فِعْلُ “سَمِعَ” في هذا النَصِّ من إنجيل متَّى الرَسولِ بدأ يَفعَلُ فِعلَهُ في فكري وروحي منذ زمن الصَليب عام 2009، وٱتَّضَحَ مع زلزالِ هاييتي المُدَمِّر يوم الثلاثاء في 12 كانون الأوَّل عام 2010. وأَخَذْتُ بنعمةِ اللهِ أتكَلَّمُ عنه كثيرًا شارحًا أهمِّيَّةَ هذه العلامةِ في إرشادِ المؤمنينَ وتعليمهم، وأيضًا أمامَ جماعة القدِّيسة فيرونِكا جولياني وأمامَ أعضاءِ الحركةِ الكهنوتيَّةِ المريَميَّةِ خلالَ رياضتِها الرُوحيَّة في 07 و08 تشرين الثاني 2011 ثمَّ في 10 و11 نيسان 2012 عندما قدَّمتُ نُسخةً من هذا المقطَع لكاهنٍ ينتمي إلى هذه الحركةِ. ولَمَّا قرأها ٱنذهَلَ وأبدى ٱندهاشًا كبيرًا، وقامَ لاحقًا بذكرِ هذه العلامةِ في كتابٍ أصدَرَه في الوقت الَّذي كان فيه كتابي هذا قيدَ الطبع.
[4] راجِع المُلحَق 2 في القسم الثالث من الكتاب، نبوءة القدِّيس نيلوس.
[5] البطريرك مار بشاره بطرس الرَاعي، برنامج بُشرى الرَاعي، الأحد 25/09/2011، تيلي لوميير، 2011.
[6] راجِع المُلحَق 3 في القسم الثالث من الكتاب، التَأمُّلُ النَبويُّ للبابا بنديكتس السَادس عشر (صباح 12 تشرين الأوَّل 2010، بداية سينودس الشَرق الأوسط).
[7] البابا بنديكتس السَادس عشر، ” أنا الكرمة وأنتم الأغصان“، عظة ألقاها في الملعب الأولمبيِّ في برلين، الخميس 22 أيلول 2011، www.zenit.org.
[8] ترجمةُ أقوالِ البابواتِ وكلُّ التَرجماتِ الوارِدَةِ في هذا المقطع، وكلُّ التَرجماتِ الأُخرى الَّتي لا يُلحَظُ فيها ٱسم المُتَرجِم، هي من ترجمة كاتب هذا الكتاب.
[9] أديب مصلح، ظهورات فاتيما، سلسلة ظهورات 2، منشورات المكتبة البولسيَّة، طبعة أولى، جونيه، 2011، ص225-231.
[10] Cardinal Karol Wojtyla, Notable & Quotable, Wall Street Journal, 9 Nov. 1978
http://groups.yahoo.com/group/era-of-peace/message/307 & By Wayne Madsen, www.counterpunch.org
www.catholicmessagesusa.com/ABOUT-CONTACT.html
[11] Paul VI, Encyclical Letter: Humanae Vitae No.8-12, 25 July 1968
[12] Don Sharkey, The Woman shall conquer, Bruce Publishing Co., Milwaukee, 1952, p.141 &
J. Robert Fox, Fatima Today, Christendom Pub., Front Royal Virginia, 1983, p.100
[13] الأب فرناندو ليتي اليسوعيُّ، إذا فعلتم ما أقوله لكم يكون السَلام. أضواء على رسالة فاتيما، ترجمة الأب بولس فهد المريَميِّ، لبنان، 2008، ص32.
[14] Paul VI, (by Jean Guitton), the Secret Paul VI, Desclee De Brouwer, 1980, p.152-153
[15] المقصود بالإثاريَّة هو تلذُّذ الأشخاص الفضوليِّين بإثارة الأمور الفائقة الطبيعة وعشقُهم لإثارة مشاعر الآخرين بِمثلها.
[16] & John Paul II, Interview with Catholics, Magazine: Stimme des Glaubens, Fulda Germany, Oct. 1981
Daniel J. Lynch, The Call to Total Consecration to the Immaculate Heart of Mary, Missions of the Sorrowful and
Immaculate Heart of Mary, St. Albans Vermont, 1991, p.50-51. & www.fatima.org/thirdsecret/fulda.asp
[17] خطيئة الإنسان وٱنجرافه نحو الشَرِّ هما اللذان يجلبان له العقاب، فالله حدَّد لنا طريق الملكوت، وكلُّ مَن يسير خارجه يكون قد جلبَ العقاب لنفسه بنفسه. أمَّا الَّذي يسير درب الملكوت فيكون قد حدَّد لنفسه مصير الخلاص والفرح والسَلام الَّذي لا نِهاية له…
[18] Cardinal Joseph Ratzinger, The Ratzinger Report –An Exclusive Interview on the State of the Church, Journalist
Vittorio Messori, Ignatius Press, San Francisco U.S.A., 1985, p.109-110
[19] المَرجِع نفسه، ص109، …Cardinal Joseph Ratzinger, The Ratzinger Report
راجِع أيضًا المُلحَق 7 في القسم الثالث من الكتاب، مقتطفات من رسائل السَيِّدة العذراء: آكيتَّا – اليابان.
[20] رسالة العذراء مريَم إلى الأب ستيفانو دون غوبي الإيطاليّ: “إنَّ أُعجوبةَ الشَمس الَّتي حدَثَت في فاتيما أثناء ظهوراتي، تدلُّكم على أنَّكم دخلتُم الآن في الأزمنة الَّتي فيها ستَتِمُّ الأحداثُ الَّتي تؤهِّبُكم لرجوع يسوع بالمجد. ‘حينئذٍ ترون في السَماء علامة ٱبن الإنسان. جميع قبائل الأرض تنوح، ويرى الناس ٱبن الإنسان آتيًا على سُحُب السَماء بقوَّةٍ ومجدٍ عظيم‘” (متَّى24: 30). راجع: الحركة الكهنوتيَّة المريَميَّة، إلى الكهنة أبناء العذراء الأحبَّاء، الطبعة العربيَّة الثَالثة، 2002، رسالة رقم 485، 13/12/1992.
[21] مجمع العقيدة والإيمان، رسالة فاتيما، ترجمة المركز الكاثوليكيِّ للإعلام – لبنان، حاضرة الفاتيكان 2000، الحاشية رقم 2، ص6؛ أو راجِع: البابا يوحنَّا بولس الثاني، تعاليم يوحنَّا بولس الثاني 2.4.2، حاضرة الفاتيكان، 14/10/1981، ص 409-412.
[22] Pope John Paul II, Homely at Mass in Fatima 13 May 1982, Osservatore Romano,
Weely Edition in English, 17 May 1982, #4
m/library/PAPALDOC/jp820513.htmwww.ewtn.co &
[23] المَرجِع نفسُه، المقطع 5، Pope John Paul II, Homely at Mass in Fatima…
[24] المَرجِع نفسُه، المقطَع 6.
[25] المَرجِع نفسُه، المقطع 7.
[26] المَرجِع نفسُه، المقطع 8.
[27] التَقليدُ هو النَقلُ الشَفويُّ عن حياةِ المسيحِ وتعليمِهِ الَّذي تَمَّ على أَلْسِنَةِ الرُسُلِ الأطهار. ويَتَضَمَّنُ التَقليدُ أيضًا، حياةَ العذراءِ مريَمَ والرُسُلِ والتَلاميذِ وسلوكَ الجماعةِ المسيحيَّةِ الأولى. وكانتِ الأجيالُ تتناقَلُ هذه الأمورَ الحقيقيَّةَ التَاريخيَّةَ من جيلٍ إلى جيل، حتَّى وَثَّقَتْها الكنيسة…
[28] أشارَتِ الأختُ لوسيَّا أمامَ البابا أثناءَ هذه الزِيارة إلى عَدَمِ مُوافقةِ العذراء مريَم على هذا التَكريس، لأنَّ التَكريسَ الحقيقيَّ يتطلَّبُ حضورَ جميع الأساقفةِ في مكانٍ ما للاحتفالِ علَنًا بِهذا التَكريس. ولأنَّ لوسيَّا أصرَّت على ذلك، قام البابا يوحنَّا بولس الثاني بتكريس روسيَّا والعالَم لقلب مريَم الطَاهر في 25 آذار 1984 في ساحة الفاتيكان، ذاكرًا: “من الحرب النَوَويَّة، ومن الإفناء الذَاتيِّ اللامحدود، ومن كلِّ صنوف الحروب، أنقذينا…”. راجع: أديب مصلح، ظهورات فاتيما، سلسلة ظهورات2، منشورات المكتبة البولسيَّة، طبعة أولى، جونيه، 2011، ص209-223.
[29] نُهيَويٌّ: كلمةٌ تَعنِي “ما ورائيّ”، أي عالَم ما بعد الأرض وما بعد الموت.
[30] القدِّيس يوحنَّا الدِمَشقيُّ، العظة الأولى عن الانتقال رقم 14، المطران بطرس الجميِّل، صلاة المؤمن، الجزء الثالث، 2006، ص543.
[31] John Paul II, I have arrived in Fatima, a pilgrim in spirit of prayer and penance, Osservatore Romano, Weekly Edition in English, 31 May 1982
[32] Jean-Paul II, Appel de Jean-Paul II à la Prière, La Source de Marie #289, (Osservatore Romano-langue franҫaise- 2 Oct. 2001) Oct. 2001, p.49
[33] الأب فرناندو ليتي اليسوعيُّ، إذا فعلتم ما أقوله لكم يكون السَلام. أضواء على رسالة فاتيما، ترجمة الأب بولس فهد المريَميِّ، لبنان، 2008، ص18.
المصدر: انتصار قلب مريم الطاهر – نهاية الأزمنة وجلجلة الكنيسة 2012 ص: 25—–>36
يمكنك تنزيل الكتاب Intisar_Qalb_Mariam
الوكيلُ الأمينُ والوكيلُ الخائن (الجزء 1)
نهاية الأزمنة.. وتحدّيات “الوكيل الأمين”.. “لا تُطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوءات وٱمتحِنُوا كلَّ شيءٍ”.. (الأب غسان رعيدي)
“أيّها المُراؤون، تعرفون أن تُميّزوا وجه الأرض والسماء أمَّا هذا الزمانُ فكيف لا تميّزونه؟” (الجزء 2)
يُوبِّخُ عَ كيفيَّة قراءةِ علاماتِ الطقس في الطبيعة وعدمِ قراءةِ علاماتِ مجيئِهِ الثاني (الأب غسان رعيدي)
الإمتحان الكبير ونهاية الأزمنة وعلاماتها.. 🔥(الجزء 3)
لَم يَعُد يُنظَرُ إلى الخطيئةِ اليومَ على أنَّها شرٌّ 🌷♰🌷
عبادةَ العالَمِ المادِّيِّ مغلَّف بالأَنْسَنَةِ والدفاعِ عن حُقوقِ الإنسان ومُبطَّنة بالْمَكْرِ ومُمَثِّلةً بالمسيحَ الدجَّالَ (لويس دو بوديكور، الأمينُ العامُّ لجمعيَّةِ القدِّيسِ بولسَ – 01 آب 1882)
الرحمة الإلَهيَّة علامةُ نِهاية الأزمنة💔 ودور العذراء 🙏 (الجزء 4 الأب غسان رعيدي) 🌷♰🌷
العذراء مريم تعلّم القدِّيسةُ فوستين تحضيرِ العالَمِ لِمَجيءِ الثاني للمسيحِ. في الرقم 625.. والمسيح يقول لها: لا تتعبي من إعلانِ رحمتي لا أُريدُ أن أُعاقِبَ بشريَّةً مُتألِّمةً بل أُريدُ أن أَشفِيَها… ولا أستعمِلُ القصاصَ إلاَّ ساعةَ يُجبرونَني عليه. أستَبِقُ يومَ الدينونةِ بيومِ الرحمة”.
المؤمن تَحوَّل من معرفةِ المسيحِ معرفةً بشريَّةً إلى معرفتِهِ بمعرفةَ بِرٍّ وقداسة..
عن كتاب انتصار قلب مريم الطاهر – نهاية الأزمنة وجلجلة الكنيسة للأب غسان رعيدي (4)
“طُوبى للَّذي يَقرَأُ كَلِماتِ هذه النُبوءَة،
ولِلَّذينَ يَسمعونَها ويَحفظونَ ما هو مَكتوبٌ فيها،
لأنَّ الوقتَ قَريبٌ!” (رؤ1: 3)
“ها هو يأتي على السُحُب،
وسَتَراهُ كلُّ عَين،
وأيضًا الَّذينَ طَعَنوه،
فتَنتَحِبُ عليه قبائلُ الأرضِ كلُّها.
أجل! آمين.
أنا هو الأَلِفُ والياء،
يقولُ الرَبُّ الإله،
الكائن، والَّذي كان، والآتي،
الضابطُ الكُلَّ” (رؤ1: 7 – 8)