– الله يتخطّى طلبات أبنائه عندما يتحلّون بالإيمان به…
***
167- يسوع يشفي الوَلَد المولود أعمى في صيدون ، الجزء السابع / القسم الأول (15/08/1944)
أرى يسوع يَخرُج مِن المعبد مُحاطَاً بِرُسُله وحَشد مِن الناس. أُدرِك أنّه معبد لأنّني أرى عبر الباب المفتوح على مصراعيه الأثاث ذاته الذي رأيتُه في معبد الناصرة، في إحدى رؤى الاستعداد للفصح.
المعبد في الساحة الرئيسيّة للقرية. ساحة جرداء، مُحاطة فقط بمنازل، مع حَوض في الوسط يغذّيه ينبوع يصبّ ماء عذباً وجميلاً مِن فتحة حجريّة كأنّها قطعة قرميد مُجوّفة…
في الساحة بعض المرضى ينتظرون يسوع. إنّما لا أرى أيّة معجزة فيما بينهم. يسوع يمرّ، ينحني فوقهم، يباركهم ويعزّيهم، إنّما لا يشفيهم، أقلّه في الوقت الراهن. هناك أيضاً نساء مع أطفال ورجال مِن كلّ الأعمار. يبدو أنّهم مَعروفون مِن قِبَل المخلّص، ذلك أنّه يحيّيهم بأسمائهم، وهم يتجمهرون حوله بألفة. يسوع يُداعِب الأطفال منحنياً فوقهم بمودّة.
في زاوية مِن الساحة هناك امرأة مع طفل صغير أو طفلة (جميعهم يرتدون نفس القمصان القصيرة الفاتحة). لا تبدو أنّها مِن المنطقة. أظنُّ أنّها مِن طبقة اجتماعيّة أَرفَع مِن الآخرين…
تُمسِك المرأة بيد الطفل الصغير أو الطفلة الصغيرة كما أشرتُ سابقاً. طفل جميل في حوالي السابعة مِن العمر. إنّه حتّى متين البُنية، إنّما دون أيّة حيويّة. يَمكث هادئاً، مَحنيّ الرأس، ممسكاً بيد أُمّه، غير مبالٍ بما يحدث.
المرأة تنظر لكنّها لا تجرؤ على الاقتراب مِن الحشد الذي تَجَمَّع حول يسوع. تبدو متردّدة، متسائلة إذا ما كانت ستمضي إليه، إلّا أنّها خائفة مِن الـمُضيّ قُدُماً. ومِن ثمّ تُقرّر تَبَنّي حلاًّ وسطاً: أن تلفت انتباه يسوع. إنّها ترى أنّه يأخذ بين ذراعيه رضيعاً مُرَبرِباً وَرديّاً ومبتسماً كانت أُمّ قد قَدَّمَته له، وهو يُهَدهِد له ضامّاً إيّاه إلى صدره فيما يتحدّث إلى رجل عجوز صغير القدّ. إنّها تنحني فوق طفلها وتقول له شيئاً ما.
الطفل يرفع رأسه. أرى الآن وجهاً صغيراً حزيناً، بعينين مغمضتين. إنّه أعمى. يقول: «ارحمني يا يسوع!»
الصوت الطفوليّ الناعم يشقّ فضاء الساحة الساكن ويَصِل بنبرته الـمُتوسِّلة إلى المجموعة.
يسوع يلتفت ويراه. إنّه يتحرّك على الفور بحرص مُحِبّ. إنّه حتّى لا يُعيد الطفل الذي يحمله بين ذراعيه إلى أُمّه. ويمضي، بقامته الممشوقة ووسامته، نحو الطفل الأعمى، والذي بعدما صاح، عاد ليَخفض رأسه مجدّداً، وعبثاً تحثّه أُمّه على تِكرار الصّيحة.
يسوع أَصبَحَ قُبالَة المرأة. يَنظُر إليها. هي أيضاً تَنظُر إليه، ثمّ تخفض عينيها بخجل. يسوع يساعدها. لقد أعاد الطفل الذي كان بين ذراعيه للمرأة التي أعطته إيّاه.
«يا امرأة، أهو ابنكِ؟»
«نعم يا معلّم، إنّه ابني البِكر.»
يسوع يُداعِب رأسه المنحني. يبدو أنّ يسوع لم يُلاحِظ عَمَى الصغير. لكنّني أظنُّ بأنّه تَعَمَّدَ فِعل ذلك لإفساح المجال للأُمّ كي تصيغ الطلب.
«إذن فالعليّ قد بارَكَ منزلكِ بالعديد مِن الأولاد، مانحاً إيّاكِ أولاً الابن المكرّس للربّ.»
«لي فقط صبيّ واحد، هو هذا، وثلاث بنات. ولن أُنجِب بعد…» إنّها تنتحب.
«لماذا تبكين يا امرأة؟»
«لأنّ ابني أعمى يا معلّم!»
«وتُريدينه أن يرى. أيمكنكِ أن تؤمني؟»
«إنّني أؤمن يا معلّم. لقد قيل لي أنّكَ فَتَحتَ عيوناً كانت مُغلَقة. لكنّ طفلي وُلِد بعينين جافّتين، انظر إليه يا يسوع. لا يوجد شيء تحت جفنيه…»
يسوع يرفع نحوه الوجه الصغير ذي الصرامة المبكّرة، وينظر إليه رافعاً الجفنين بالإبهام. هناك فراغ تحتهما. يُعاوِد الكلام فيما هو ممسك بيده الوجه الصغير المرفوع نحوه.
«لماذا أتيتِ، إذن، يا امرأة؟»
«لأنّ… أَعلَم أنّ الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لِوَلَدي… إنّما إذا كان صحيحاً أنّكَ الـمُنتَظَر. فبإمكانك أن تفعل ذلك. إنّ أباكَ قد خَلَقَ العوالِـم… أفلن يكون بإمكانكَ عَمَل حَدَقَتين لِوَلَدي؟»
«أتؤمنين بأنّني قد أتيتُ مِن الآب، الربّ العلي؟»
«أؤمن بذلك، وأؤمن بأنّكَ قادر على كلّ شيء.»
يسوع ينظر إليها كما لتقدير الإيمان الذي لديها ومدى نقائه. يبتسم. ثمّ يقول: «أيّها الطفل، تعال إليَّ» ويقوده مِن يده إلى جدار واطئ، ارتفاعه حوالي النصف متر، مبنيّ عند الطريق أمام منزل، هو نوع مِن حاجز لحمايته مِن الطريق، الذي ينعطف تماماً في ذلك الموضع.
حينما يستقرّ الطفل بثبات فوق الجدار، يغدو يسوع مَهيباً وجليلاً. يتزاحم الحشد حوله هو والطفل والأُمّ القَلِقة. إنّني أرى يسوع مِن جهة واحدة، بشكل جانبيّ. إنّه متدثّر كلّيّاً بمعطفه الأزرق الغامق جدّاً، فوق ثوب أقلّ غماقة بقليل. وجهه مُلهَم. يبدو أطول وحتّى أكثر قوّة، كما هو في العادة حينما تنطلق منه القُدرة المعجزّية. إنّما هو يبدو هذه المرة أكثر مَهابة. يضع يديه بشكل مُنبَسِط على رأس الصبي، ويضع إبهاميه على الـمَحجَرَين (تجويفَيّ العينين) الفارغين. يرفع رأسه ويصلّي بحرارة، إنّما دون أن يحرّك شفتيه: إنّه يُحاوِر أباه. ومِن ثمّ يقول: «أَبصِر! أشاء ذلك! وسَبِّح الربّ!» وللمرأة: «ليُكافأ إيمانكِ. هوذا ابنكِ الذي سيكون شرفكِ وسلامكِ. أريه لزوجكِ. وسيُعاوِد محبّتكِ مِن جديد، ومنزلكِ سيعرف أيّام سعادة مِن جديد.»
أَطلَقَت المرأة صَيحة فرح حادّة، عندما، لدى رفع الإبهامين الإلهيّين، وفي مكان الـمَحجَرَين الفارغين وَجَدَت عينين زرقاوين غامقتين رائعتين، مِثل عينيّ المعلّم، تنظران إليها بدهشة وسرور، تحت أطراف شعر أسود داكن، وتُطلِق صيحة ثانية، وفيما تضمّ ابنها إلى صدرها، تركع عند قدميّ يسوع قائلة: «أَتَعلَم بذلك أيضاً؟ آه! إنّكَ حقّاً ابن الله.» وتُقبّل رداءه ونَعليه، ومِن ثمّ تنهض وقد غيَّرَ الفرح مظهرها، وتقول: «اسمعوا، كلّكم. إنّني آتية مِن أرض صيدون البعيدة. لقد أتيتُ لأنّ أُمّاً أخرى قد حَدَّثَتني عن رابي الناصرة. إنّ زوجي تاجر يهوديّ، ويملك متاجر في تلك المدينة لغرض التجارة مع روما. إنّه غنيّ ومُخلِص للشريعة، وقد توقّف عن حبّي، بعدما أنجَبتُ له ابناً معاقاً، ثمّ أنجَبتُ ثلاث بنات ومِن ثمّ غَدَوتُ عاقراً. لقد هَجَرَ المنزل، وعلى الرغم مِن أنّني لم أكن مُطَلَّقة، فقد كنتُ أعيش تلك الحالة، وقد كنتُ أعرف أنّه كان يريد التخلّص منّي كي يحظى مِن امرأة أخرى بِوَريث قادر على مواصلة تجارته والتمتّع بثروته الأبويّة. وقبل أن أمضي قَصَدتُ زوجي وقُلتُ له: “انتظر يا سيّدي، انتظر حتّى أعود. وإذا عدتُ وابني ما يزال أعمى، طلّقني. وفي تلك الأثناء لا تُحطّم قلبي ولا تَحرم أطفالك مِن الأب.” وهو قد أَقسَمَ لي: “بمجد الربّ، يا امرأة، أُقسِم لكِ بأنّكِ لو أَعَدتِ ابني سليماً -لا أَعلَم كيف سيكون بمقدوركِ فعل ذلك بما أنّ أحشاءك لم تكن قادرة على منحه عينين- فسوف أعود إليكِ كما في أيّام حُبّنا الأوّل.” إنّ المعلّم لم يكن يَعلَم عن معاناتي كزوجة، ومع ذلك فقد قام بتعزيتي حتّى بهذا الصدد. المجد لله ولكَ أيّها المعلّم والـمَلِك.» المرأة تركع مجدّداً وتبكي مِن الفرح.
«اذهبي. قولي لدانيال، زوجكِ، أنّ مَن خَلَقَ العالم، قد مَنَحَ نجمتين لامعتين كعينين للصغير المكرّس للربّ. لأنّ الله وفيّ لوعوده، وهو قد أَقسَمَ بأنّ مَن يؤمن به سوف يرى عجائب مِن كلّ الأنواع. فليبرّ الآن بِقَسَمه ولا يرتكب خطيئة زنا. قولي هذا لدانيال. اذهبي. كوني سعيدة. أبارككِ أنتِ وهذا الطفل، ومعكِ أبارك كلّ مَن هو عزيز عليكِ.»
الجمع يَستحيل جَوقة تسابيح وتهانٍ، ويَدخُل يسوع إلى منزل قريب كي يرتاح.
الرؤيا تنتهي هكذا. وأؤكّد لكم بأنّني قد تأثّرتُ بها بشدّة.
***
168- العِبرة مِن الرؤيا تَكمن في الوفاء للقَرين الجزء السابع ، القسم الأول (15/08/1944)
يقول يسوع:
«إنّ الله يتخطّى طلبات أبنائه على الدوام، عندما يتحلّون بالإيمان به، ويعطيهم أكثر بعد. آمِني بذلك وآمِنوا به جميعكم. فالمرأة التي أتت إليَّ مِن صيدون مع سَيفَين يَختَرِقان مَكامِن قلبها، لم تتجرّأ على أن تُفصِح إلاّ عن أحدهما، لأنّ الكشف عن بعض المآسي الخاصّة هو أشدّ وَطأة مِن القول: “أنا مريضة”. ولكنّني مَنَحتُها أيضاً المعجزة الثانية.
وفقاً لنَظَر العالم كان سيبدو، وسيبدو أنّ إعادة الوئام بين زوج وزوجة قد انفصلا لسبب قد تمّ تجاوزه عن قناعة، هو أمر أكثر سهولة مِن منح عينين لشخص قد وُلِد دونهما. لكنّ الأمر ليس كذلك. فإنّ خَلْق عينين بالنسبة للربّ والخالق هو أمر في غاية البساطة، إنّه تماماً ببساطة إعادة نَفَس الحياة لجثّة. إنّ سيّد الحياة والموت، وسيّد كلّ ما هو مخلوق، لا يفتقر حتماً لنفخة الحياة كي يَبثّها في الأجساد المائتة، أو لِنُقطَتيّ خَلْط رَطْب لعين جافّة. يكفي أن يشاء حتّى يمكنه ذلك. لأنّ ذلك يعتمد بشكل حصريّ على مشيئته. لكن عندما تكون المسألة مسألة تَصالُح بين البشر، فإنّ “إرادة” البشر تكون واجِبة إلى جانب رغبة الله. إنّ الله نادراً ما يُمارِس الإكراه على حرّيّة البشر. وفي الغالب يترككم أحراراً لتتصرّفوا كما تشاؤون.
تلك المرأة، التي عاشت في بلد للوثنيّين، والتي بَقِيَت، كما زوجها، وفيّة لإله آبائها، كانت قد استحقّت عطف الله. وقد استحقّت معجزة مُزدَوَجة، لأنّها دَفَعَت بإيمانها إلى حدود تتخطّى المقدرة البشريّة، وتَغَلَّبَت على شكوك وإنكارات أكثر اليهود إيماناً، وذلك يُثبِته ما قالَته لزوجها: “انتظر حتّى أعود”، حيث أنّها كانت واثقة مِن العودة مع ابنها وقد شُفِيَ. وقد استَحَقَّت كذلك المعجزة الأصعب، التي هي فتح عينيّ روح زوجها، اللتين حُجِبَت عنهما رؤية المحبّة ورؤية ألمها، في حين وَضَعَتا اللّوم عليها، وهي لم تكن مُلامَة.
أريد كذلك مِن الزوجات على وجه الخصوص، أن يتأمّلن التَّواضُع المتّسم بالاحترام الذي لأختهنّ.
“قَصَدتُ زوجي وقُلتُ له: ‘انتظر يا سيّدي’.” لقد كان الحقّ إلى جانبها، فإلقاء اللوم على أُمّ لإنجابها معاقاً لهو حَماقة وقَسوة. إنّ قلبها كان بالأساس ممزّقاً برؤيتها ابنها التعيس. إنّ الحقّ إلى جانبها بشكل مُضاعَف، في تخلّي زوجها عنها مُذ صارت عاقِراً، وعِلمها بعزمه على تطليقها، ومع ذلك فقد بَقِيَت “الزوجة”: أي، القرينة الوفيّة، الخاضعة لقرينها، كما أراد الله وكما تُعلّم الكتابات المقدّسة. إنّها لم تتبنَّ أفكار تمرُّد ولا تَعَطُّش لانتقام أو نيّة لإيجاد رجل آخر كي لا تكون “المرأة الوحيدة”. “إن لم أَعُد مع الصبيّ وقد شُفي، فَلَكَ أن تطلّقني. وفي خلاف ذلك لا تُحطّم قلبي حتّى الموت ولا تَحرم أطفالك مِن الأب.” ألا يبدو لكم أنّكم تَستَمِعون إلى سارة والنساء العبرانيّات القديمات يتكلّمن؟
كَم هي مختلفة، لغتكنّ الحاليّة، أيّتها الزوجات! وكم هو مختلف، أيضاً، ما تنلنه مِن الله ومِن أزواجكنّ. والعائلات تُدمَّر أكثر فأكثر.
وكما هي العادة، أثناء اجتراح المعجزة، كان عليَّ أن أؤيدّها بعلامة كي أجعلها أكثر قطعيّة. كان عليَّ إقناع عالَم مُطوَّق بحواجز أساليب التفكير العتيق، ومُقاد مِن قِبَل جماعات معادية لي. ومِن هنا تأتّت الضرورة لجعل قُدرتي الفائقة الطبيعة تسطع بوضوح. إنّما ما تُعلّمه الرؤيا لا يرتكز على هذا. بل يرتكز على الإيمان، التَّواضُع، الوفاء للقرين، الطريق الصحيحة الواجبة السلوك. أيا أيّتها الزوجات والأُمّهات، اللواتي وَجَدتنّ أشواكاً حيث توقعتنّ أن تَجِدنَ وروداً، وفي سبيل رؤية أغصان جديدة مُزهِرة تنمو فوق الأشواك التي تخزكنّ، توجّهن نحو الربّ إلهكنّ، الذي خَلَقَ الزواج كي لا يكون الرجل والمرأة وَحيدَين، وكي يتحابّا فيما بينهما، مُكَوِّنَين جسداً واحداً غير مُنفَصِم، طالما بقيا متّحدان معاً، والذي منحكم السرّ كي تحلّ بركاته على زيجاتكم. ومِن خلال استحقاقاتي تنالون ما تحتاجون إليه في حياتكم الجديدة كشركاء ومُشارِكي الخالق. وفي سبيل أن تتوجّهن إليه بوجوه ونفوس واثقة، كنّ شريفات، صالحات، متّسمات بالاحترام، مُخلِصات، رفيقات حقيقيّات للزوج، لا مجرّد ضيفات في بيته، أو أسوأ مِن ذلك: مجرّد غريبَين قد جمعتهما الصدفة تحت سقف واحد، كمسافِرَين قد جمعتهما الصُّدفة في نَزْل.
هذا ما يحدث في أغلب الأحيان هذه الأيّام. هل يخلّ الرجل في واجبه؟ إنّه مخطئ. إنّما ذلك لا يبرّر سلوك الكثير مِن الزوجات. وهذا أقلّ تبريراً بعد عندما لا تعرفن تقديم الصّلاح مقابل الصّلاح والمحبّة مقابل المحبّة لقرين طيّب. ولن أتوقّف عند الحالة الشائعة جدّاً لخياناتكنّ الجسديّة التي تجعلكنّ غير مختلفات عن البغايا، مع ظرف مُشَدِّد الذي هو الخُبث النِّفاقيّ، وتلويث مَذبَح العائلة، الذي تحيط به النفوس الملائكيّة لأطفالكنّ الأبرياء. ولكنّني أنوّه إلى خياناتكنّ الأخلاقيّة لميثاق المحبّة الذي أقسمتنّ عليه أمام مَذبحي.
إذاً: لقد قُلتُ: “مَن يَنظُر إلى امرأة برغبة شهوانيّة يرتكب الزنا في قلبه.”، وقُلتُ: “مَن يَصرف زوجته مع كتاب طلاق، يُعرّضها للزنى.” إنّما الآن حيث الكثير مِن الزوجات هنّ غريبات عن أزواجهنّ، أقول: “أولئك اللواتي لا يحببن القَرين بنفوسهنّ وعقولهنّ وأجسادهنّ، يدفعنه للزنا، وإذا ما سألتُ هكذا أزواج عن سبب ارتكابهم للخطيئة، فسوف أسأل زوجاتهم ذات السؤال، لأنّه وإن كنّ لم يرتكبنه، فقد تسبّبن بارتكابه.” إنّه لَمِن الضروريّ فهم شريعة الله بكامل اتّساعها وعمقها، ومِن الضروريّ عَيشها بكامل حقيقتها.
ابقي مع سلامي، ما سَبَقَ لا ينطبق عليكِ، واحفظي قلبكِ ثابتاً فيَّ.»
***
169- أثناء العودة من التخوم السورية الفينيقيّة ، الجزء السابع / القسم الأول (15/08/1964)
الرُّسُل، وكما يَفعَلون في كثير مِن الأحيان أثناء المسير، ربّما للتخفيف مِن رَتابة السفر الـمُتواصِل بهذه التسلية، فهم يتحدّثون مع بعضهم البعض، مُستَذكِرين ومُعَلِّقين على الأحداث الأخيرة. سائِلين مِن حين لآخر المعلّم، الذي بشكل عام يتكلّم قليلاً جدّاً، مُوفّراً التعب، فقط حينما يتعلّق الأمر بتعليم الحشد أو رُسُله، مُصحّحاً الأفكار الخاطئة، مُعزّياً التُّعساء.
يسوع كان «الكلمة»، إنّما بالتأكيد لم يكن «الثرثرة»! إنّه طويل الأناة ولطيف كما لا أحد آخر، أبداً لم يَبدُ عليه الضجر مِن وجوب تكرار فكرة لمرّة، لمرّتين، لعشر مرّات، لمائة مرّة، كي يجعلها تَدخُل في الرؤوس التي صَلَّبَتها الشرائع الفرّيسيّة والحاخاميّة، غير مُكتَرِث لتعبه، الذي هو في بعض الأحيان مُرهِق لدرجة الألم، في سبيل تخفيف المعاناة المعنويّة أو الجسديّة لشخص ما. إنّما مِن الواضح أنه يُفضّل الصمت، أن ينعزل في تأمُّل صامت قد يستمرّ لساعات عدّة، إذا لم تتمّ مقاطعته مِن قِبَل أحد ما يتوجّه إليه بسؤال. إنّه بشكل عام يسير أمام رُسُله، رأسه منحنٍ بعض الشيء، رافعاً إيّاه مِن حين لآخر كي يَنظُر إلى السماء، إلى الريف، إلى الناس، إلى الحيوانات. لقد قُلتُ “يَنظُر”. إنّما هذا خطأ. يتوجّب عليَّ قول: “يحبّ”. لأنّها ابتسامة، ابتسامة مِن الله تَنسَكِب بغزارة مِن عينيه كي تُداعِب العالم والمخلوقات: ابتسامة مَحبّة. لأنّها المحبّة التي تشفّ، تنتشر، تبارك وتنقّي نور عينيه، الساطع جدّاً، الأكثر سطوعاً، عندما يَخرُج مِن تأمّله العميق.
كيف يمكن أن تكون تأمّلاته؟ -أُفكّر وأنا متأكّدة مِن أنّني لستُ مخطئة، لأنّه يكفي النَّظَر إلى ملامح وجهه لمعرفة ماهيّتها- أظنُّ أنّها تفوق كثيراً نشواتنا التي لمخلوق بشريّ هو الآن يحيا في السماء. إنّها «الاتّحاد المحسوس لله مع الله». إنّ الألوهة كانت دوماً حاضرة ومتّحدة مع المسيح، الذي كان الله كما الآب. على الأرض كما في السماء، الآب في الابن والابن في الآب، اللذين يتحابّان فيما بينهما، وبتبادلهما المحبّة فإنّهما يَلِدان الأقنوم الثالث. إنّ قُدرة الآب هي ولادة الابن، وفِعلا الإيلاد والولادة يَخلقان النار، أي، روح روح الله. القُدرة تتوجّه نحو الحكمة التي وَلَدَتها، وهذه تتوجّه نحو القُدرة، في غِبطة كونها الواحد للآخر، وفي معرفتهما الواحد للآخر لما هما عليه. وبما أنّ كلّ معرفة تبادليّة صالحة تُولّد المحبّة -حتّى معارفنا القاصرة- هذا هو الروح القدس… إنّه الذي، إذا ما كان ممكناً إضافة كمال إلى الكمالات الإلهيّة، فيتوجّب أن يُدعَى كمال الكمال. الروح القدس! حيث تفكير بسيط فيه يملأ بالنور، بفرح، وبالسلام…
في نشوات المسيح، عندما كان السرّ غير الـمُدرَك لوحدانيّة وثالوثيّة الله يتجدّد في قلب يسوع الأقدس، أيّ نِتاج محبّة شاملة، كاملة، ساطعة، مقدِّسة، مُفرحة، سلاميّة، لم يكن عليه أن يَتَوالد، وينتشر مثل الوهج الـمُنبَعِث مِن أتون مُضطَرِم، مثل البخور مِن مَبخَرة مُتّقدة، كي يُقبّل مع قُبلة الله الأشياء التي خَلَقَها الآب، المصنوعة بواسطة الابن-الكلمة، المصنوعة لأجل المحبّة، مِن أجل المحبّة الوحيدة، لأنّ كلّ أعمال الله هي محبّة؟
وتلك هي نظرة الإنسان-الله حينما -كإنسان وكإله- يرفع عينيه، اللتين عاينتا في ذاته الآب، ذاته والمحبّة، كي يَنظُر إلى الكون، مُعجَباً بقُدرة الله الخَلَّاقة، كإنسان في غبطة إمكانيّة تخليصه في المخلوقات الـمَلَكيّة لهكذا خَلق: البشر، مثل الله.
آه! لا يمكن، لن يكون أحد قادراً، لا شاعر ولا فنّان ولا رسّام، أن يُجسّد للجموع نظرة يسوع تلك، عندما يَخرُج مِن العِناق، مِن الاتّحاد المحسوس بالألوهة، المتّحدة دوماً أقنوميّاً بالإنسان، إنّما غير المحسوس دوماً بشكل عميق للإنسان، الذي كان الفادي، والذي كان عليه بالتالي، أن يضيف إلى آلامه الكثيرة، إلى انسحاقاته الكثيرة، أن يضيف هذا أيضاً، هذا الألم العظيم جدّاً، الذي هو ألّا يكون قادراً على أن يكون دوماً في الآب، في الدوّامة العظيمة للمحبّة، كما كان عليه في السماء: كلّي القُدرة… حرّاً… مُغتَبِطاً. رائعة جدّاً هي قُوّة نَظرته عند اجتراحه للمعجزات، غاية في الوَداعة تعبير نظرته كإنسان، شديد الحزن نور الألم في ساعات الألم… لكنّها تظلّ نظرة بشريّة، رغم الكمال في التعبير. هذه النَّظرة لله، الذي تَأمَّلَ وأَحَبَّ ذاته في الوحدانيّة الثالوثيّة، هي خارج حدود المقارنة، ليس هناك مِن وصف لها…
وهكذا فإنّ أحاديث الرسل عن حَدَث جيسكالا، عن معجزة الصبيّ الأعمى، عن بطولمايس التي يُوَجِّهون خطواتهم نحوها، عن الطريق المنحوتة دَرَجاته في الصخر، التي صَعَدوها كي يَصِلوا إلى القرية الأخيرة عند الحدود بين سوريا-الفينيقيّة والجليل -لا بدّ أنّها تلك التي رأيتُها عندما ذَهَبوا إلى (Alexandroscene)- عن جملائيل وما إلى ذلك، قد انتهت الآن. أو بالأحرى، حسبما أحسَستُه، لقد بقي في قلبي ذاك القَدر الذي سَمِعتُه منهم.
أقول فقط أنّني أريد قول هذا: إنّ الرُّسُل، الذين كانوا في الفترات الأولى، عندما كانوا أقلّ كمالاً على الصعيد الروحيّ، كانوا يُزعِجون المعلّم لأتفه الأسباب، هم الآن، وقد تطوّروا روحيّاً أكثر، يَحتَرِمون عزلته، ويُفضّلون التحدّث فيما بينهم، خلفه بمترين أو ثلاثة. وفقط عندما يكونون بحاجة لمعلومة منه، أو لمشورته، أو عندما تستحثّهم محبّتهم لمعلّمهم، فإنّهم يدنون منه.
لقراءة ماريا فالتورتا الأجزاء المعربّة حتى الآن (إضغط هنا)
ترجمه إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح، شكر خاص، ونذكّركم مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعطُوا (متى10/8)