عون مفتتحاً المؤتمر الدولي عن “المساواة في الديمقراطية” في جبيل: مبدأ المساواة لا يمكن أن يطبق في لبنان طالما ان نظامنا طائفي…
***
نموذج الديمقراطية اللبنانية قادر على تحقيق تطلعات الشعب في حال تعزز نظام المحاسبة وتراجعت الطائفية السياسية..
– غياب المحاسبة في لبنان أدى الى استشراء الفساد واهتراء مؤسسات الدولة وتشويه نظامنا الديمقراطي..
– مبدأ المساواة لا يمكن أن يطبق في لبنان طالما ان نظامنا طائفي
شدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على ضرورة “التربية على الديمقراطية” إن كان في المنزل أو في المؤسسات التعليمية والشركات والمؤسسات العامة والجمعيات والأندية والمنظمات والنقابات، وذلك لاكتساب فكر وسلوكيات ديمقراطية، معتبراً أن هذه التربية ترسّخ القيم الديمقراطية في المجتمع وترتقي بالعلاقات الاجتماعية والمستوى الحضاري للعملية الديمقراطية.
ولفت الرئيس عون إلى خصوصية النظام الديمقراطي في لبنان، المرتكز على التوافق بين مكونات شعبه، وليس على حكم الغالبية بشكل مطلق. ورأى أنه في حال تعزز نظام المحاسبة ونجح في مكافحة الفساد، وتراجعت الطائفية السياسية على حساب النظام العلماني، فإن نموذج الديمقراطية اللبنانية قادر على تحقيق تطلعات الشعب اللبناني، والمساواة في الحقوق والواجبات والازدهار الاجتماعي والاقتصادي. وقادر في النهاية على تحقيق رسالة لبنان في التعايش والسلام، وجعلها رسالة ونموذجاً للعالم أجمع.
وإذ اعتبر أن لا ديمقراطية دون محاسبة، لفت الى ان غياب المحاسبة في لبنان على مر السنوات والعقود والحكومات المتعاقبة، هو الذي أدى الى استشراء الفساد، واهتراء مؤسسات الدولة، وتفكك البنية الاجتماعية الطبيعية لبلدنا، وتشويه نظامنا الديمقراطي.
وأضاف:” كلما تشدَّدت المحاسبة، وتعزز دور مجلس النواب على هذا الصعيد، وتصلب القضاء في أحكامه على الفاسدين، كلما اقتربنا من نموذج النظام الديمقراطي المرتجى، وحققنا العدالة الاجتماعية. ولهذا السبب، دعوت، وما زلت، إلى الفصل بين العمل النيابي والوزاري في لبنان بحيث لا يكون من أوكل اليه محاسبة الحكومة اذا أخطأت، هو نفسه عضواً في هذه الحكومة”.
وفي محاضرة ألقاها رئيس الجمهورية عند الخامسة من بعد ظهر اليوم بعد افتتاحه مؤتمراً دولياً تحت عنوان “المساواة في الديمقراطية” ينظمه المركز الدولي لعلوم الانسان بالشراكة مع جامعة البلمند في قاعة المؤتمرات التابعة لأنطش مار يوحنا مرقس في جبيل، أكد أن مبدأ المساواة لا يمكن أن يطبق في لبنان بشكل صحيح ومرضٍ، “طالما أن نظامنا الطائفي هو الذي يحدد هوية الأشخاص في مواقع ومراكز معينة، ولا يتيح المساواة في تنافس الكفاءات. ولا مناص في النهاية” اضاف الرئيس عون “اذا أردنا تحقيق المساواة والاقتراب من مفهوم الديمقراطية الحقيقي، من الوصول الى الدولة العلمانية في لبنان”.
واعتبر أن روح الديمقراطية هي روح واحدة لا تتجزأ، والبعد عن تحقيق المثال الديمقراطي، يعود بشكل أساسي إلى “تطويع” هذه الروح بحسب مصالح الدول الكبرى وتفريغها من مضمونها الحقيقي، وأحياناً كثيرة تحت ذريعة “نشر الديمقراطية”، مشيراً إلى أنه من التناقضات المريرة في عالمنا، ضعف العدالة والمساواة والاحترام المتبادل بين الدول، في حين ينادي معظمها بالتزام الديمقراطية. وقال :” لقد دمرت نزعة التوسع والسيطرة لدى الدول الكبرى والقوى العالمية، روح الديمقراطية. فكيف يمكن لدولة تمارس النظام الديمقراطي مع شعبها، بما يشتمل عليه من قيم، أن تمارس سياسات هدامة وظالمة وانتهازية، ومجرّدة من القيم تجاه دول وشعوب العالم؟”
وكان حضر حفل افتتاح المؤتمر وزير الثقافة الدكتور غطاس خوري، ونواب منطقة جبيل سيمون ابي رميا، وليد خوري وعباس هاشم، وراعي ابرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون، الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الاباتي نعمة الله الهاشم، إمام مدينة جبيل الشيخ غسان اللقيس، المفتي الجعفري في جبيل الشيخ عبد الامير شمس الدين، وعدد من الوزراء والنواب السابقين إضافة الى قائمقام جبيل السيدة نتالي مرعي الخوري وعدد من رؤساء الجامعات والشخصيات الاكاديمية والثقافية وابناء المنطقة.
محاضرة رئيس الجمهورية
ثم ألقى الرئيس عون محاضرة الافتتاح، وهنا نصها:
“يغطي مفهوم الديمقراطية مروحة واسعة من القيم والمبادىء والحقوق الانسانية، كالمساواة والعدالة والحرية، بحيث بات هناك تلازم بينها يوحي لنا بأن وجود الواحد منها يحتم وجود الآخر بشكل كامل وجوهري. لكن دعوني أبدأ بالقول ان لا شيء أكثر خداعاً من الشعور بترابط هذه المفاهيم، على الأقل على المستوى العملي، أي على المستوى التطبيقي لمفهوم الحكم الديمقراطي.
قبل أن نصل الى هذه النتيجة، لا بد من السؤال اولاً: ما هي الديمقراطية؟
للوهلة الاولى نعتقد أننا نملك جواباً سهلاً ومباشراً على هذا السؤال، مستنداً في ذهننا الى التعريفات المتداولة المدرَّسة والمنتشرة في المعاجم والمراجع المختصة، وإلى ما تمارسه أنظمة الدول الديمقراطية في العالم، ولكن في هذه النقطة أيضاً، الايحاء بمعرفتنا لجوهر الديمقراطية مخادع بدوره.
ألا نعتقد أننا بمجرد وصف الحكم في أحد البلدان بالديمقراطي، يتبادر إلى ذهننا فوراً أن هناك فعلاً نظاماً ديمقراطياً، مهما كان شكله، يمارَس بشكل مطابق لمفهوم الديمقراطية؟
لو كان ذلك صحيحاً، لانتفت المشاكل الاجتماعية، والأزمات الداخلية، والصراعات السياسية، طالما أن الديمقراطية هي الضامن للعدالة والحرية والمساواة وحقوق الانسان.
جواباً على السؤال حول ما هي الديمقراطية، أبدأ بالتعريف المتداول:
الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم يمارس فيه المواطنون السلطة مباشرة أو ينتخبون ممثلين عنهم لتشكيل هيئة حكم، مثل البرلمان. ويشار إلى الديمقراطية أحيانا باسم “حكم الأغلبية” ، وعادة ما يكون ذلك عن طريق نظام للتصويت والتمثيل النيابي.
ينص تعريف الأمم المتحدة على أن “الديمقراطية هي إحدى المثل العليا المعترف بها عالميا”. هنا لم تعد الديمقراطية مجرد نظام حكم، بل باتت مثالاً أعلى، اي مبدأ أشبه بالتعاليم الدينية. والمعروف أن أي مبدأ أو مثال أعلى هو بالنسبة إلى البشر حالة يتوقون الى الوصول اليها، ولا يمكن اشباع الرغبة بتحقيقها بشكل كامل، لأننا عادة نظل عاجزين عن ذلك، وان كان بالامكان تحقيقها بنسب متفاوتة.
مكوِّنات الديمقراطية
تشتمل مكونات الديمقراطية بشكل اساسي على ضمان حقوق الانسان ومجموعة من الحقوق والمبادىء نذكر منها:
– الحق في الانتخاب واختيار نظام الحكم، حيث جاء في المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجرى على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع، أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت”.
– حرية التعبير والرأي
– إيجاد نظام لتعددية الأحزاب السياسية والمنظمات
– الحق في التجمع السلمي
– الحق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين
– مساواة جميع المواطنين أمام القانون
– توفير الشفافية والمساءلة في الإدارة العامة
– مبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء، وهو المبدأ الذي يتيح المحاسبة، ومكافحة الفساد، وتأمين مصالح الشعب.
وُجدت الديمقراطية بشكل اساسي لتنظيم طريقة حكم المجتمعات والمدن والبلدان، والأهم طريقة ممارسة السلطة. من نزعات البشر الأساسية، المثبتة بالتجربة وعلم الاجتماع وعلم السياسة، أن يحولوا السلطة التي بين أيديهم إلى قوة مطلقة لفرض الرأي والأحكام وصولاً إلى القمع، وذلك على أي مستوى كان. الأهل لديهم هذه النزعة، والزوج على زوجته، أو العكس أحياناً، والمدير على موظفيه، وصولاً إلى الحاكم على شعبه.
يكفينا أن مفهوم الديمقراطية يحاول أن يحدد ضوابط السلطة، ويمنع الانسان من اشباع غريزته الاساسية بجعل السلطة أداة قمعية ولو بطرق غير مرئية وواضحة أحياناً، عبر تأكيده على مجموعة الحقوق والمبادىء المذكورة. أي أن الديمقراطية برأيي، جاءت لتحمي الانسان من نفسه بالدرجة الأولى.
ولا نظن ان الدرب معبدة أمام تحقيق هذا الهدف. فارتباطاً بعنوان هذا المؤتمر “الديمقراطية والمساواة”، يمكن ايراد المساواة بين الجنسين نموذجاً لممانعة البشر قدر الامكان لتطبيق المفهوم الكامل للديمقراطية.
المساواة تعريفاً هي “التمتع بجميع الحقوق السياسية والإقتصادية والإجتماعية دون التمييز بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس أو الرأي السياسي أو المستوى الإجتماعي”. وتنص المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه من دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعًا الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا.”
وبرغم تبني هذا الاعلان من قبل الجمعية لعامة للأمم المتحدة في العام 1948، إلا أن المرأة ظلت عاجزة عن نيل حقوقها السياسية، ومنها حق الاقتراع. وهذا يدفعنا إلى الشعور الحقيقي بالهوة الموجودة بين المثل التي تمثلها الديمقراطية، وبين ما تطبقه الأنظمة الديمقراطية على أرض الواقع. وقبل أن أعرض بعض الخطوات التي من شأنها ردم هذه الهوة، أشير إلى أن مبدأ المساواة، مع الأسف، لا يمكن أن يطبق في لبنان بشكل صحيح ومرضٍ، طالما أن نظامنا الطائفي هو الذي يحدد هوية الأشخاص في مواقع ومراكز معينة، ولا يتيح المساواة في تنافس الكفاءات. ولا مناص في النهاية، اذا أردنا تحقيق المساواة والاقتراب من مفهوم الديمقراطية الحقيقي، من الوصول الى الدولة العلمانية في لبنان.
ردم الهوة بين المثال والتطبيق
في خلال اعدادي هذه الورقة البحثية، فكرت ملياً في مكونات الديمقراطية التي تجعل كل انسان حر، مفعماً بالثقة بأن غده سيكون افضل من حاضره، لأن من شأن السير على درب الديمقراطية أن يولِّد عالماً أكثر أمناً وسلاماً، ومجتمعات أكثر رفاهية وعدالة، وعلاقات دولية أكثر انفتاحاً وتناغماً. وتساءلت بألم، ما الذي يحدث لعالمنا اليوم الذي أشهر الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والمتفاخرة دوله بتمسكها بالديمقراطية؟
هناك الكثير من الجمعيات والمنظمات العالمية التي وضعت مؤشرات تقيِّم من خلالها درجة ممارسة الديمقراطية والحريات في بلدان العالم، بالاستناد الى ما نص عليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان. وقد تخرج الولايات المتحدة مثلاً وفقاً لواحد من مؤشرات التقييم في المرتبة العشرين، وفرنسا في المرتبة السابعة والعشرين، ولبنان في المرتبة الثامنة والتسعين ( The Economist Intelligence Unit`s index of democracy – UK, 2015 ).
ككل الأنظمة الديمقراطية في العالم، هناك هوة ايضاً في لبنان بين المبادىء والواقع على صعيد الحكم الديمقراطي. لن أخصص كلامي هنا لتحليل هذا الواقع، بل لأضع بعض الأفكار والخطوات التي أراها جوهرية لردم ما أمكن من الفجوة الكامنة بين معياري المبدأ والتطبيق.
1- الوعي:
يقول جان-جاك روسو Jean- Jacques Rousseau إن “رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس فقط في صناديق الاقتراع، بل أيضاً في وعي الناس”. أضع في المرتبة الأولى عملية رفع درجة وعي المواطنين لمفهوم الديمقراطية، وبالتالي لحقوقهم الاساسية ومبادىء الحكم. وهذا الوعي يتطلب أولاً ما أسميه “التربية على الديمقراطية”. في المنزل وعلى صعيد العلاقات بين أفراد الأسرة، في المؤسسات التعليمية، في الشركات والمؤسسات العامة، وفي الجميعات والأندية والمنظمات والنقابات، يجب أن تسود قيم الديمقراطية لاكتساب سلوكيات واعية لهذه القيم، وفكر ديمقراطي يقود تلقائياً إلى الشعور بأهمية المساواة، والعدل، والحرية، وصولاً الى ممارستها على قدر ما تتيحه لنا بشريتنا.وفي هذا التلقين المتواصل، فكراً وممارسةً، تترسخ القيم الديموقراطية في المجتمع وتنمو وتتطور، وبذلك يتحول ما تعلمه الانسان في البيت والمدرسة إلى مبادئ اساسية في الحياة الاجتماعية والسياسية، وترتقي العلاقات الاجتماعية والمستوى الحضاري للعملية الديموقراطية.
2- العدالة الاجتماعية:
هل تقود الديمقراطية تلقائياً إلى انتشار العدالة الاجتماعية، أم العكس؟ أي ان انتشار العدالة الاجتماعية هو الذي يؤسس لسيادة الديمقراطية ويثبت أسسها؟ لن أخوض في هذه الجدلية، إنما سأكتفي بملاحظة، أصيغها في سؤال: لماذا تتسع الهوة بين الطبقات في أكثر البلدان ديمقراطية في العالم؟ لماذا هناك نحو 2200 شخص فقط، يملكون أكثر من 9 تريليون دولار أميركي؟ ( قائمة فوربس 2018).
لا بد أن نستنتج أن الديمقراطية لم تحقق واقعياً العدالة الاجتماعية بشكل مقنع، ولا أريد أن أقول بشكل كامل لأن هناك استحالة في تحقيق هذا الكمال. وبالتالي ان ردم الهوة بين المثال الديمقراطي والواقع يستلزم العمل اكثر على تحقيق هذه العدالة.
ج – المجتمع المدني:
غالباً ما ينتهي دور الناخب عند صناديق الاقتراع. يدلي بصوته، ويستكمل سير حياته الطبيعي دون أن يلتفت الى عمل من اقترع من أجله. ولكن طالما أننا، تعريفاً، قلنا ان الديمقراطية هي حكم الشعب لنفسه بواسطة ممثلين عنه في السلطة الحاكمة والتشريعية التي اختارها، فإن نجاح هذا الحكم يستلزم شراكة حقيقية بين الشعب وممثليه. ويحصل ذلك بداية، كما ذكرت، عبر رفع وعي الانسان لمسؤولياته، ومن ثم عبر جمعيات المجتمع المدني، التي يجب أن تمثل شريكاً حقيقيا لأهل السلطة.
د- المحاسبة:
“لا ديمقراطية دون محاسبة، المحاسبة هي ضمانة العمل الديمقراطي، والمعبر الأساسي لحماية الشعب من ممثليه، في حال أساؤا الأمانة وأخطأوا المسار. ولا بد لي من الاعتراف بواقع لبنان المؤلم في هذا المجال. فغياب المحاسبة على مر السنوات والعقود والحكومات المتعاقبة، هو الذي أدى الى استشراء الفساد، واهتراء مؤسسات الدولة، وتفكك البنية الاجتماعية الطبيعية لبلدنا، وتشويه نظامنا الديمقراطي.
كلما تشدَّدت المحاسبة، وتعزز دور مجلس النواب على هذا الصعيد، وتصلب القضاء في أحكامه على الفاسدين، كلما اقتربنا من نموذج النظام الديمقراطي المرتجى، وحققنا العدالة الاجتماعية. ولهذا السبب، دعوت، وما زلت، إلى الفصل بين العمل النيابي والوزاري في لبنان بحيث لا يكون من أوكل اليه محاسبة الحكومة اذا أخطأت، هو نفسه عضواً في هذه الحكومة.
هـ – العدالة الدولية:
من التناقضات المريرة في عالمنا، ضعف العدالة والمساواة والاحترام المتبادل بين الدول، في حين ينادي معظمها بالتزام الديمقراطية. لقد دمرت نزعة التوسع والسيطرة لدى الدول الكبرى والقوى العالمية، روح الديمقراطية. فكيف يمكن لدولة تمارس النظام الديمقراطي مع شعبها، بما يشتمل عليه من قيم، أن تمارس سياسات هدامة، وظالمة، وانتهازية، ومجردة من القيم تجاه دول وشعوب العالم؟
إن الروح التي تدفعنا إلى تبني الديمقراطية كقيمة ونظام حكم، هي نفسها التي يجب أن تدفعنا إلى احترام حقوق الشعوب وسيادة الدول. ويمكنني أن أتوقع في هذا السياق، بأن هذه السياسات الدولية الخالية من مقياس العدالة، والشبيهة بسياسات الغاب حيث الحكم للأقوى، والتي تكيل بمكيالين، ستؤدي في النهاية إلى خراب صانعيها، والتشكيك بالديمقراطية نفسها، وازدياد بؤر التوتر في العالم والنزعات العنفية، وصولاً الى انتشار التطرف والارهاب الذي أخذ بالتمدد بشكل مخيف في السنوات الأخيرة.
روح الديمقراطية هي روح واحدة لا تتجزأ، والبعد عن تحقيق المثال الديمقراطي، يعود بشكل أساسي إلى “تطويع” هذه الروح بحسب مصالح الدول الكبرى، وتفريغها من مضمونها الحقيقي، وأحياناً كثيرة تحت ذريعة ” نشر الديمقراطية”.
سأكتفي بهذا القدر من الأفكار حول سبل الاقتراب من المثال الديمقراطي، وهناك غيرها الكثير طبعاً، لأشير إلى أن الديمقراطية تحولت مع الوقت والممارسة، من مفهوم سياسي للحكم ومشاركة الشعب في تقرير مصيره، واكتسابه حق التقرير ضمن المجتمع والمشاركة في تدبير شؤونه، إلى ثقافة تكتسب وتُعاش في مختلف جوانب الحياة، مرتكزة على أسس ثلاثة، هي:
– احترام المعتقد للآخر.
– الحق بالاختلاف.
– والحق بالتعبير عن الرأي بحرية.
وهذه الأسس الثلاثة تلخصها قاعدة واحدة أساسية تقوم على احترام المبادئ الانسانية، إن كان على المستوى الفردي، أو على مستوى العائلة، وصولاً إلى المجتمع بأسره وعلاقات الدول بعضها بالبعض الآخر.
وسأختم بذكر خصوصية النظام الديمقراطي في لبنان، المرتكز على التوافق بين مكونات شعبه، وليس على حكم الغالبية بشكل مطلق. ليس هناك نموذج واحد طبعاً للحكم الديمقراطي، ولا نموذج أمثل، لذا لا يمكنني اعتبار النموذج اللبناني أفضل أو أسوأ من غيره، وإنما هو النموذج الذي توافقت عليه مكونات الشعب. وهو، اذا تعزز نظام المحاسبة ونجح في مكافحة الفساد، وتراجعت الطائفية السياسية على حساب النظام العلماني، قادر على تحقيق تطلعات الشعب اللبناني، والمساواة في الحقوق والواجبات، والازدهار الاجتماعي والاقتصادي. وقادر في النهاية على تحقيق رسالة لبنان في التعايش والسلام، وجعلها رسالة ونموذجاً للعالم أجمع.
درع تكريمي
وفي الختام قدّم الدكتور ايلي سالم باسم المركز الدولي لعلوم الانسان وجامعة البلمند درعا تكريميًا لرئيس الجمهورية عربون شكر وتقدير، كما قدم الدكتور العكره درعاً تكريميًا للوزير خوري.
ويُذكر أن مواكب سيّارة وتجمعات شعبية رحّبت بالرئيس عون في جبيل حيث رفعت صور رئيس الجمهورية ولافتات الترحيب ومنها” أرض الشرفاء تعتزّ باستقبال أشرف الرؤساء“.