رندلى جبور – “صوت المدى”
ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بات بحكم المنجز، ليكون الانجاز الكبير في عهد الرئيس ميشال عون، الذي بدأ بمراسيم النفط وينتهي بالترسيم، مع ما يعني ذلك من تحوّل استراتيجي يطاول إيجاباً مسائل الأمن والاقتصاد والسياسة والسيادة في لبنان.
إنه إنجاز تاريخي لأنه حصّل للبنان أكثر بكثير مما كان مطروحاً طوال السنوات الإحدى عشرة الماضية، وبدلاً من 55% من منطقة صوّروها كمتنازع عليها، ومن خطوط هوف وطول وعرض لا تتناسب مع خط وطننا، أخذ لبنان 100% من حدوده الرسمية وحقوقه وحبّة مسك هي حقل قانا، وبدأت شركة توتال اجتماعاتها قبل التوقيع النهائي في الناقورة حتى. هذا عدا عن عدم خضوع لبنان، الذي حافظ على لاءاته وحماها في المسودّة النهائية المطروحة: لا تطبيع، لا تقاسم، لا صناديق مشتركة، لا دفع تعويضات، ولا تنازل عن أي نقطة مياه أو غاز أو كرامة، مع تثبيت لمعادلة جبران باسيل: قانا مقابل كاريش.
والمهم في الاتفاق أيضا، ضمان الاستقرار الامني وانتزاع حقوق لبنان كاملة والعائد الاقتصادي المنتظَر في بلد يعاني بسبب تجّاره الذين يحملون كل الصفات والألقاب.
وخلف هذا الإنجاز التاريخي ثلاثة:
أولاً الرئيس ميشال عون الذي وضع ملف النفط والغاز أولوية ووقف كرئيس للمفاوضات لبنانياً، مرتكزاً على قوة لبنان لاستخدامها في التفاوض، من دون فائض يأخذنا إلى خسارة كل شيء. فجعل لبنان يحاور من الند للند، معادلاً بين عدم الذهاب إلى الحرب وبين الحرص على توقيع لا يمكن أن يأخذوه إلا على ورقة تحفظ السيادة وتضمن الحقوق وتؤمّن مصلحة لبنان. وتكمن قوة ميشال عون في هذا الملف في أنه لم ينجرّ إلى أيّ من الحملات التي كان يمكن أن تأخذنا إلى أمكنة إما خطيرة وإما تحرمنا من ثرواتنا، وإذا لم يفعل شيئاً مع أنه فعل الكثير، يكفي أنه عرّاب لبنان النفطي.
ثانياً المقاومة التي عرفت أن توصل الرسائل إلى العدوّ الإسرائيلي، فمنعته من أن يتوهّم بأن قوة لبنان لا تزال في ضعفه وأنه يستطيع أن يفرض ما يشاء من شروط، وقالت له بوضوح ومستندة إلى وسائل عملية: لا غاز عندك قبل الغاز عندنا ولن يكون الترسيم على هواك أنت، باعثة بمسيّراتها لتحمي المفاوضات، وواقفة خلف الرئيس عون والدولة اللبنانية بموقفها الموحّد الذي ساهم في الوصول إلى النهاية السعيدة.
وثالثاً دينامو المفاوضات الياس بو صعب الذي وظّف علاقاته الدولية، وقدراته على التنقّل بين الجهات الداخلية المتناقضة أحياناً، ومهاراته الدبلوماسية التي على رغم كل المطبات، لم يفرط ما كنا وصلنا إليه، ولم يفرّط بما هو حق للبنان وكان حاملاً أميناً له، فكان صبره الاستراتيجي والدبلوماسي وتنسيقه المستمر بأمانة مع المعنيين، ركناً أساسياً على طريق الاتفاق.
هذا الاتفاق انتصار، ولو أن بعض التافهين والمعقّدين يرجمونه بالحجارة أو ينكرونه، لأنهم يفضّلون البقاء في الهوّة الاقتصادية وحرمان اللبنانيين من ثرواتهم النفطية، تماماً كما فعلوا في الكثير من الملفات، لئلا يُسجّل إنجاز لميشال عون. ولكن ميشال عون، مهما قالوا، دخل التاريخ، منذ النضال الاول والتحرير وصولاً إلى الترسيم والتحرر سيأتي.
والذي أبعِد في تشرين التسعين، أدخل لبنان إلى الدول النفطية في تشرين 2022.