كل حملة إنتخابية في لبنان، تُرافقها محاولات تمزيق صُوَر وشعارات، وما يحصل للوحات الإعلانية التي نشرت عليها “القوات” شعاراتها للإنتخابات النيابية، لا يُوضَع في خانة “التصرفات الولادية”، لأن البداية كانت “ولدنة” في الشكل والمضمون لإعلانات مُضحِكة، وكأننا في لعبة “بيت بيوت” لفريق حزبي اعتدنا على استعراضاته في الشارع، وصولاً الى إعلانه أنه “بدُّو وفيه”، بدءاً من تأمين الكهرباء ووصولاً لتأمين الحدود وضمان السيادة بدون سلاح المقاومة!
تمزيق اللوحات الإعلانية رسالة مُبسَّطة من الشارع، يُستهدف بها أي فريق سياسي من خصومه، وسوف يتكرر هذا الفعل في أكثر من منطقة، لكن مشكلة “القوات”، هي في الإدِّعاء أنها تحمل وكالة خليجية مُعلنة بأنها مدعومة إنتخابياً، لدرجة بلوغها الوصاية على الشارع السُنِّي بعد عزوف الرئيس سعد الحريري، وهذه “الوكالة” بحدّ ذاتها هي التي استفزَّت الشارع الإنتخابي السُنِّي لأكثر من سبب، بحيث باتت بعض اللوائح من طرابلس الى بيروت ووصولاً الى صيدا والبقاع، تتنصَّل من التحالف مع “القوات” تفادياً للمحاسبة الجماهيرية السلبية في صناديق الإقتراع.
ومشكلة الوكالة الخليجية وتحديداً السعودية لحزب “القوات”، أن صلاحيتها مُنتهية، لأن الرهان على المُتغيِّرات الإقليمية الذي تبني عليه بعض القوى السياسية في لبنان – و”القوات” من ضمنها – ليست لصالح جماعة السفارات في لبنان، بدءاً من مسار المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، مروراً بارتدادات الحرب الروسية – الأوكرانية، والفتور الأميركي – السعودي نتيجة رفض المملكة الطلب الأميركي زيادة إنتاجها من النفط لتعويض النقص الناتج عن العقوبات على روسيا، وانتهاءً بالزيارة / الحدث التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد الى الإمارات والتي هي خطوة واسعة نحو عودة سوريا الى الجامعة العربية.
وكي لا يقول قائل، أننا توسَّعنا في تحليل أسباب خيبة “القوات”، فلأنها تتوسَّع عادة في أوهامها الإقليمية، تماماً كما توقَّع سمير جعجع عام 2016، أن الحرب على اليمن سوف يحسمها التحالف السعودي خلال شهرٍ أو شهرين، أو لجهة تنبؤات جعجع المتكررة منذ سنوات بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد حتماً حتماً حتماً، مع ثلاثة طبعاً وثلاثة أكيد!
ونعود الى الداخل اللبناني، لنسأل كل جهابذة السياسة والإعلام، عن سبب إصرارهم أن الإنتصار النيابي في الشمال/ وتحديداً الدائرة الإنتخابية الثالثة من بشري الى البترون، هو الذي يحدِّد هوية الرئيس المقبِل للجمهورية، على أساس أن الصراع على كرسي الرئاسة هو حصراً بين سليمان فرنجية وجبران باسيل وسمير جعجع ولكن، كرسي الرئاسة في لبنان ليس إطلاقاً لفريق سياسي، بل لشخص توافقي، خاصة في العهود الأخيرة، بما فيها عهد الشخصية الشمالية الرئيس الراحل سليمان فرنجية، ومن بعده كرَّت سُبحة التوافقات التي فرضتها الظروف الإقليمية والداخلية في انتقاء الرئيس التوافقي، الذي لا علاقة للإنتصارات النيابية بوصوله، وباستثناء الرئيس ميشال عون الذي وصل بتوافق وطني بعد مرور سنتين ونصف من الفراغ، لم يكُن هناك جليس على كرسي بعبدا يمتلك كتلة نيابية.
ولذلك، يُنصَح فريق “نحنا بدّنا ونحنا فينا” التخفيف من العراضات الإنتخابية، سواء النيابية منها أو الرئاسية، سيما وأن أكبر كتلة نيابية في الشارع المسيحي كائناً ما كان حجمها، ليست كافية لإيصال مُرشَّح مرفوض على المستوى الوطني أن يكون “جنيناتي” في بعبدا..