عَ مدار الساعة


جلسة خاصة مع السيد هاشم صفي الدين: سنبقى متواضعين في الداخل، وحلفاؤنا هم حلفاؤنا، والانتخابات ليست محطة التغيير

رندلى جبور

جلسة خاصة امتدّت لساعات بين مجموعة من الاعلاميين والمثقفين والاكاديميين، وبين رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين، في منزل مسؤول العلاقات الاعلامية في الحزب الحاج محمد عفيف، وبمبادرة من اللقاء الاعلامي الوطني.

جلسة بنقاش مفتوح، بلا كفوف أو مجاملات، بعيداً من الاعلام ولو أن الحضور بجلّه إعلامي. الجميع أدلى بدلوِهِ سؤالاً أو اقتراحاً أو تعقيباً أو فكرة. وكان السيد صفي الدين يستمع بانتباه ويجيب بهدوء ووضوح على كل الاسئلة والمداخلات مع ابتسامة خفيفة، وبنبرة صوت تحافظ طيلة الوقت على مستوى معيّن.

أما البداية فكانت من قراءة موجزة وشاملة للوضع في لبنان انطلاقاً من التاريخ والجغرافيا والسياستين الداخلية والخارجية، افتتحها السيد هاشم صفي الدين بقول الإمام علي: “إذا ازدحم الجواب، خفيَ الصواب”.

ونسجّل بعض الجمل والمواقف التي أطلقها مَن يسمّيه البعض “رئيس حكومة حزب الله” كالتالي:

– الولايات المتحدة أوجدت في المنطقة ثقوباً سوداء، وبعض الدول العربية من هذه الثقوب.

– أرض المقاومة هي لبنان ولديهم فيها أطماع ومصالح ولذلك يريدون هزّها.

– المنظومة السياسية التي بناها الاميركيون في لبنان انقلبوا عليها وبدأوا بالتجهيز لما بعد المنظومة، والقسم الخاص بالثورات الملّونة في الخارجية الاميركية له يد في ما يحصل في لبنان.

– يريدون تدفيع لبنان ثمن أخطاء ارتكبتها أميركا وخيارات خاطئة اتخذتها، ويريدون اختراع طبقة سياسية جديدة، وهناك دائماً جهات جاهزة في بلدنا لتلبية الخارج وهذا نقطة ضعف أساسية في البنيان الداخلي الذي يعيش على هذا التقليد منذ ما قبل لبنان الكبير. فلا يبني وطناً مَن مصلحته معلّقة في الخارج، ولا يريد وطناً من لا يريد الاستقلال الحقيقي له. ويريدون أيضاً، وفق السيد هاشم صفي الدين، إعادة لبنان إلى الصفر والبناء من جديد حسب فهمهم.

وعلى رغم الاعتراف بقوة الولايات المتحدة واستمرارية مشروعها وحضورها، إلا أن رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله يعتبر أن خياراتها هي خيارات المضطر لا المختار، ويضيف: لو فكّرت الولايات المتحدة أن تنسحب من كل المنطقة، ستكون آخر دولة تنسحب منها هي لبنان، وخصوصاً مع مجاورتها للعدو الاسرائيلي، والقلاقل ستستمر، وإذا فشل خيار ستلجأ الدولة الكبرى إلى خيار آخر ولديها بدائل كثيرة لمشروع واحد.

وإذ تحدث بصراحة عن أن لا إمكان لأي حل اقتصادي ومالي في لبنان من دون خيارات سياسية صحيحة، اعتبر أن الانتخابات مهمة ولكنها لا تحسم الامور ولا تقودنا إلى التغيير، لان الوضع في بلدنا أبعد بكثير من محطة انتخابات نيابية أو رئاسية.

ولكن هل حزب الله جاهز لخوضها؟ نعم يجيب السيد صفي الدين، مؤكداً أن المعالم الاساسية للتحالفات شبه منتهية و”حلفاؤنا هم حلفاؤنا” ونكمل التفاهم مع البعض منهم على بعض الامور. وحزب الله لا يزال يحمل شعار “نحمي ونبني” وقد وضع خطة وبرنامج عمل لمحطة يرغب في أن تعيد الأكثرية إلى من يؤيدون نهج المقاومة ولو كانوا يختلفون في الكثير في السياسة الداخلية وتفاصيلها ومفاصلها.

ويعيد صفي الدين طمأنة الخائفين: حزب الله لا يريد لبنان جمهورية إسلامية ولا ولاية الفقيه ونحن مع ما يريده اللبنانيون، ويبقى الحزب ميّالاً لسياسة التوافق إلا إذا قرر الشعب عكس ذلك فعندها منفتحون للنقاش. ولذلك يرفض السيد مطالبة الحزب من جمهوره أحياناً بالاستثمار بنجاحاته وقوته. ويرد بالقول: في لبنان الحسابات تختلف عن أي جغرافيا في المنطقة. في لبنان يجب أن نتواضع ولو حققنا معجزات في المنطقة. ويعطي مثالاً من حرب تموز حيث قدّمت المقاومة أهم إنجاز وانتصار للبنان ولم تستثمره في الداخل. ويضيف: خصوصية لبنان لا يمكن تجاوزها، والخروج من التوافق يعني الذهاب إلى الوحل، الذي يغرق به العملاق كما القزم. لن نتجاوز الخصوصية اللبنانية، يكرّر، وإذا اللبنانيون توافقوا على إلغاء الخصوصيات، نناقش.

ومن الطبيعي ان لا تمرّ جلسة مع أبرز قيادات حزب الله من دون سؤاله عن التيار الوطني الحر. لا يستفيض ولكنه يؤكد من جديد الحرص على التحالف والتواصل المستمر. وإذ يرفض الدخول في الدينامية داخل التيار لناحية الاختلاف في النظرة والسقف عند التياريين تجاه حزب الله، يقول بما يشبه كلام السيد حسن نصرالله: نحن لا نترك حلفاءنا وأصحابنا مهما كلّف الامر، ولكن يعقّب بابتسامة أوسع من التي رافقت الجلسة عموماً، أن على الحلفاء والاصحاب عدم التخلي كذلك.
السيد صفي الدين يعتبر أن كل التحليلات التي تربط قرار العودة إلى الحكومة بتطورات الخارج هي محض خيال، فالقصة وما فيها مرتبطة بالوضع الداخلي وصرخة الناس وجاء القرار بمثابة “تضحية” بعد أسابيع من النقاش الداخلي. لماذا تضحية؟ لأن حزب الله وحركة أمل عادوا من دون أن يحققوا مطلبهم في قضية القاضي طارق البيطار.

كثيرون من اللبنانيين يسألون عن وجود حزب الله في ميادين غير لبنانية. على هذا الرأي يرد صفي الدين بالقول: هل نقاتل عدوّنا في الضاحية فقط؟ وهل يمكن أن تكون المقاومة قوية إذا لم تحمِ ظهرها جيداً من كل الجهات والويلات؟ وصحيح أن هناك ألف سبب للحرب المباشرة مع إسرائيل، ولكن هل إطلاقها جيد ومفيد للبنان؟ وعن الضغط في شأن ترسيم الحدود، يأسف المسؤول في الحزب لغياب الاجماع حول هذا الموضوع، ويقول بابتسامة متهكمة هذه المرة: تخايلوا عم نضغط لتحصيل جزء من حقل كاريش مثلاً، ويطلع طرف لبناني يقلنا شو إلكن بكاريش؟

وللحديث تتمة عن ما بعد الحدود اللبنانية، التي تطرق إليها السيد صفي الدين أيضاً.