لم يشهد لبنان إستقراراً فعلياً، منذ إنفراط العقد السوري- السعودي، خصوصاً لناحية تفاهم الطرفيّن على (صيغة الطائف 1989) التي حظيت بالرعاية الأميركية آنذاك، وتقاسم الطرفان (دمشق والرياض) النفوذ في لبنان، من خلال فرض منظومة حكومية فيه، عرفت “بالحريرية السياسية”، تحكمت بمختلف مفاصل الدولة ومرافق لبنان العامة، بالتكافل والتضامن مع “أمراء الحرب اللبنانية”، الذي إنضموا الى “الطائف”.
وإستمر البلد تحت حكم هذه المنظومة منذ العام 1992 حتى العام 2004، من دون أي منازعٍ، ما خلا حقبة (1998- 2000)، غداة إنتخاب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية، حين فضل الرئيس الشهيد رفيق الحريري التفرغ لمعركته الإنتخابية في صيف العام 2000. إثرها تم تكليف الرئيس سليم الحرص بتشكيل حكومة عهد لحود الأولى، وفعلاً تفرغ الشهيد الحريري للإنتخابات، وحاز فيها على كتلة نيابية وازنة، من خلال قانون إنتخاب، طمس الصوت المسيحي، عرف “بقانون غازي كنعان”، ليعود بعدها الحريري الى الحكم على “حصان أبيض”، بحسب ما قال وقتها للرئيس لحود.
ثم وقع الزلزال الكبير، يوم حدثت جريمة إغتيال الرئيس الحريري، وتوترت إثرها العلاقات السورية- السعودية، وبعد ذلك شهد لبنان مسلسل من الإغتيالات والحوادث الأمنية، كان أبرزها “حوادث مخيم نهر البارد” في العام 2007، بالإضافة الى إنعدام الإستقرار السياسي، من خلال حدوث فراغ رئاسي، تبعه وجود حكومة مبتورة، وفاقدة للميثاقية، بعد خروج الوزراء الشيعة والوزير يعقوب الصراف منها.
ثم شهد لبنان مرحلة إستقرار أمني وسياسي إمتدت في الحقبة الزمنية ما بين منتصف العام 2008 الى نهاية العام 2010، بداية إندلاع ما يعرف (بالربيع العربي)، وتخلل تلك الحقبة المذكورة، قدوم الرئيس السوري بشار الأسد والعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله الى بيروت على متن الطائرة الخاصة بالملك، في صيف العام 2010، لعقد قمة ثلاثية لبنانية- سورية- سعودية في بيروت.
ثم توترت العلاقات السورية- السعودية، بعد إستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري دستورياً في كانون الثاني 2011، يومها إعتبرت المملكة والحريري، أن قرار إستقالة الحكومة صدر من الأسد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وإندلعت بعدها الحرب على سورية، التي وصل لظاها الى لبنان، وتحمل اعباءً كبيرةً نتيجة هذه الحرب، أيرز هذه النتائج: إحتلال جرود السلسلة الشرقية من المسلحين التكفيريين، الذين إستهدفوا المناطق الآمنة على إمتداد الأراضي اللبنانية، بالإنتحاريين والسيارات المفخخة. بالإضافة الى المشكلات الإقتصادية والإجتماعية نتيجة عبء النزوح.
كذلك نال الإنتظام العام لدورة المؤسسات نصيبه جراء الحرب على سورية، فقد تم تأجيل الإنتخابات النيابية في العام 2013 الى العام 2018، ثم الإنتخابات الرئاسية في العام 2014 الى العام 2016.
وبعد إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في خريف 2016، قرر أن تكون زيارته الخارجية الأولى الى المملكة السعودية، كأول دولة عربية يزورها، غداة وصوله الى قصر بعبدا. لانه قارئ إستراتيجي، ويعرف التاثير السعودي في المنطقة.
كذلك تجاوز الرئيس عون قضية إحتجاز رئيس حكومة العهد الأولى سعد الحريري في الرياض، وإجباره على الإستقالة. وبعد إستقالة الحريري في العام 2019، لم يوافق على طرح أسم أي مرشح لرئاسة الحكومة مستفزاً للسعودية. كذلك شددت البيانات الوزارية للحكومة المتتالية في عهد الرئيس عون، على ضرورة إقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية. ولكن لم يقابل رئيس الجمهورية المنفتح على محيطه العربي، والمنتهج سياسية مد اليد الى السعودية، بمد يدها نحوه. وجاءت اليوم الأزمة الدبلوماسية بين بيروت والرياض، إثر تصريح لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، قبله توليه الوزارة، عبّر فيه عن رأيه في الحرب على اليمن، فكان الرد السعودي غير متناسب مع كلام قرداحي، الذي أكد التزامه البيان الوزاري للحكومة، خصوصاً لجهة الحفاظ على علاقات لبنان مع محيطه. ومعلوم أن الحكومة هي حكومة توافق بين القوى المكونة للمجلس النيابي، والمتعددة الأراء والتوجهات، غير أن ممثليها في الحكومات يلتزمون البيانات الوزارية، بالتالي لا يمكن محاسبتهم على كلام قالوه قبل دخولهم الوزارة.
المصدر: الثبات