🌷🌿🌷
تفسير مُعمَّق من الآباء والقديسين لِ {شهادة خدام الهيكل ليسوع – رفض يسوع}
(يوحنا ٧: ٤٠-٥٢)
“فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا:
هذا بالحقيقة هو النبي”. (40)
قال البعض إنه النبي العظيم الذي تحدث عنه موسى النبي (تث ١٨: ١٥)، لكن للأسف لم يكونوا قادرين على إدراك أن النبي هنا يقصد به المسيا مخلص العالم. وقال آخرون أنه المسيح.
“آخرون قالوا: هذا هو المسيح،
وآخرون قالوا:
ألعل المسيح من الجليل يأتي؟” (41)
إذ تنبأ العهد القديم بأن المسيح قادم من سبط يهوذا من بيت داود تشكك البعض في أمره، هؤلاء الذين لم يعرفوا أنه وُلد في بيت لحم وظنوا أنه وُلد في الجليل.
يقول القديس كيرلس الكبير أن الجموع كما الفريسيين كانوا يفتقدون الدقة في هذا الأمر، حيث ظنوا أن ما وعد الله به موسى بأنه سيقيم نبيًا من وسط شعبه مثله (تث ١٨: ١٨) شخص آخر غير المسيح. وبسبب عدم الدقة ظن الفريسيون أن ثلاثة يظهرون، إذ قالوا للقديس يوحنا المعمدان: “ما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي؟” (يو ١: ٢٥).
“ألم يقل الكتاب أنه من نسل داود،
ومن بيت لحم، القرية التي كان داود فيها يأتي المسيح؟” (42)
لقد عرف اليهود أن السيد المسيح يأتي من نسل داود (مز ١٣٢: ١١)، وأنه يولد في بيت لحم (مي ٥: ٢) لكن كما يقول القديس كيرلس الكبير إذ أُشيع عن يسوع أنه تربى في ناصرة الجليل (يو ٤: ١٦) سقطوا عن الحق وأعوزهم التفكير السليم.
“فحدث انشقاق في الجمع لسببه”. (43)
بسبب انشقاقهم لم يعرفوا المسيح ولا فهموا دقة الكتاب المقدس، لأنهم لو آمنوا أن يسوع هو نبي الناموس، لما سقطوا في هذا الجدل غير اللائق. (القديس كيرلس الكبير)
“وكان قوم منهم يريدون أن يمسكوه،
ولكن لم يلقِ أحد عليه الأيادي”. (44)
نتيجة هذا المقال حدث انشقاق في الجمع بسببه إلى أربعة فرق:
– فريق حسبه النبي وليس المسيح،
– وفريق حسبه المسيح،
– والثالث رأى فيه علامات المسيح لكنهم تعثروا بسبب ظنهم أنه من الجليل،
– أما الفريق الرابع فهو الذي تبع الرؤساء وأرادوا القبض عليه ولم يستطيعوا.
لم يلق أحد عليه الأيادي، ليس توقيرًا له، بل لأن قدرته وحدها أوقفتهم. (القديس كيرلس الكبير)
“فجاء الخدام إلى رؤساء الكهنة والفريسيين،
فقال هؤلاء لهم:
لماذا لم تأتوا به”. (45)
إذ كان اليوم الأخير العظيم من العيد لم يكن ممكنًا أن يصبغ عليهم روح الفرح والبهجة، لأنهم حرموا أنفسهم من السيد المسيح ينبوع الفرح.
بينما مارس رئيس الكهنة طقس العيد، لكن كل ما كان يشغله هو والكهنة والفريسيون لا أن يتمتع الشعب بحب الله ويتعرفوا على سرّ العيد، إنما أن ينشغل الشعب بالمظاهر، بينما يخطط الرؤساء مكيدة. في نظرهم السياسات الكنسية أهم من كل عملٍ روحي. جلسوا في حجرة الجلسات الخاصة مترقبين مجيء خدام الهيكل موثقين يسوع كسجين.
إذ بعثوا بالخدام (جند الهيكل) للقبض عليه أصابهم الخوف حين رأوهم قادمين بدونه. دُهشوا حين وجدوا الخدام قد حضروا دونه، ولعلهم ظنوا أنه كعادته في هذه الأحوال كان يختفي منهم حتى تحين الساعة.
“أجاب الخدام:
لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان”. (46)
لم يكونوا يتوقعون أن خدام الهيكل أنفسهم ينجذبوا إليه، ويشهدوا له في جرأة قائلين أمام المجمع: “لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان”. ربما تبع الخدام السيد منذ فترة مجيئه في وسط العيد، وقدر ما أنصتوا إليه لكي يجدوا علة يمسكونه بها اقتنعوا بالأكثر أنه بار مملوء حكمة سماوية.
قيل لهم من الرؤساء أنه نبي كاذب ومضل، لكنهم إذ سمعوه تعلقوا به، وأدركوا أنه يعلم بالحق، وكل الحق، وليس شيئًا سوى الحق.
يمكننا أن نفترض أن كلمات الخدام كانت ذاخرة بالتعقل هكذا: إن كنا نرضي أنفسنا بتعليم الكتب المقدسة، وإن كنا نفتخر أننا تهذبنا بالنواميس الإلهية، وإن كنا نتعجب للحكمة كخيرٍ غير أرضي، لماذا في شرٍ نطرد من له هذه الحكمة، ونُوصم بخطأ ليس بقليل ذاك الذي ينبغي ألا نتهمه، بل بالأحرى نحن مدينون له بمحبة خاصة؟ أجل ونحن نخضع لمخاطر الناموس متعطشين أن نقتل بريئًا بارًا (خر ٢٣: ٧) بدون سبب.
أعتقد أن بالنسبة للعبارة: “لم يتكلم قط إنسان هكذا” يمكن للمرء أن يقول شيئًا ما أقرب إلى الموضوع، لأنهم يقولون تقريبًا هكذا: ليس من المعقول أن تلومونا نحن الذين لم نأتِ إليكم الآن بمن تطلبونه. لأنه كيف يمكن لإنسانٍ أن يقاوم، حتى ولو ضد إرادته، إنسان هو بحسب كلماته إله؟
لأنه لم يتكلم كإنسانٍ، ولا كانت كلماته كلمات إنسانٍ، بل هي بصواب تخص ذاك الذي هو بالطبيعة الله.
فليقل أي أحد إن كان أحد الأنبياء القديسين يقدر أن يسمي نفسه نهرًا أو يجرؤ على القول: إن عطش أحد فليأتِ ويشرب منه؟ متى قال لنا القدير موسى: “من آمن بي، تخرج من بطنه أنهار ماء حي”؟… كيف لنا أن نمسكه ضد مشيئته، هذا الذي أعلى منا بما لا يقاس، كإله فوق الإنسان؟
هكذا قدم الخدام برهانًا واضحًا على أن الرب هو الله بالطبيعة… وهكذا سددوا ضربة من كل جانب إلى مقاومي الله. (القديس كيرلس الكبير)
ها هم رؤساء الكهنة والفريسيون الذين كانوا يظنون أنهم أحكم من غيرهم، وقد حضروا عند المسيح وأبصروا عجائبه، وقرأوا الكتب ولم يفيدهم ذلك نفعًا، بل أصابهم ضرر.
أما خدامهم فقد اصطادهم خطاب واحد من السيد المسيح، سمعوه مع الجمع، وكانوا قد ذهبوا إليه لكي يقبضوا عليه، فعادوا من عنده مربوطين متعجبين منه.
ليس لنا أن نمدح فهمهم فقط، لأنهم لم يحتاجوا إلى آيات، لكن تعليمه وحده اقتنصهم. لأنهم لم يقولوا أنه لم يفعل إنسان في وقت من الأوقات عجائب مثل هذا، لكنهم قالوا “لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان“، فلا ينبغي إذًا أن نتعجب من فهمهم فحسب، لكن سبيلنا مع ذلك أن نتعجب من مجاهرتهم، لأنهم قالوا هذه الأقوال للفريسيين الذين أرسلوهم.
كلماتهم ليست كلمات أناسٍ معجبين به فحسب، بل من يلومون أيضًا سادتهم، لأنهم يقاومون دون أن يسمعوا. مع أنهم لم يسمعوا عظة بل حديثًا مقتضبًا، فإنه في العظة الطويلة يأخذ العقل قراره بلا تحيز فلا تكون حاجة إلى حوارات طويلة. (القديس يوحنا الذهبي الفم)
“فأجابهم الفريسيون:
ألعلكم أنتم أيضًا قد ضللتم”. (47)
لا عجب إن كانت المسيحية منذ نشأتها الأولى وإلى الآن يظن البعض أنها تضلل، من يقبلها قد ضل.
تأملوا كيف أن هذا القول مفعم بنوعٍ من اليأس من أي رجاء فيما يخص الشعب… ما الذي أبعدكم عن محبتكم لنا بالرغم من أنكم قد نشأتم في نفس عدم الإيمان معنا؟ (القديس كيرلس الكبير)
“ألعل أحدًا من الرؤساء أو من الفريسيين آمن به؟” (48)
مقياس الحق عندهم هو قبول عدد كبير من الرؤساء له، فإذ لم يؤمن به إلاَّ قلة قليلة منهم، مع إيمان الكثيرين من عامة الشعب فهذا في نظرهم دليل على أنه مضل وليس فيه الحق.
يتعجب القديس يوحنا الذهبي الفم كيف حسبوا هذا اتهامًا ضد المسيح وليس ضد رفض الرؤساء والفريسيين الإيمان به.
شهادة خدام الهيكل له
“ولكن هذا الشعب الذي لا يفهم الناموس هو ملعون”. (49)
كان الفريسيون يحتقرون الشعب، لذا إيمانهم بالسيد المسيح لا يُعتد به، وحسبوهم غير فاهمين للناموس وملعونين.
كانت القيادات الدينية في ذلك الحين حتى مع وجود تعارض في الفكر، وصراع داخلي فيما بينهم إلا انهم يتفقون معًا في نظرتهم إلي الشعب غير المتعلم باستخفافٍ شديدٍ واحتقارٍ. عوض أن يلوموا أنفسهم أنهم أهملوا في رعايتهم وتعليمهم يحسبون الشعب ملعونًا. يلقوا باللوم علي الشعب في جهله عوض اللوم علي أنفسهم في تخليهم عن عملهم التعليمي.
سقط (الفريسيون) في تفاخرهم المعتاد، ملقين بتهمة الجهل على الذين تعجبوا من يسوع كصانع عجائب، وكآت بأمورٍ إلهية، ومتوجين هامتهم وحدهم بالخدمة حسب الناموس ومعرفة الكتب المقدسة… يتباهون كثيرًا بأنفسهم، وقد طاشت عقولهم، ولخفتهم الشديدة يوصمون الجميع بالجهل هكذا بسهولة. (القديس كيرلس الكبير)
أيها الفريسيون، إن هذا لوم عظيم لكم، إذ آمن الجمع بالسيد المسيح، وأنتم أنكرتموه. لقد مارسوا أفعال من يعرفون الشريعة فكيف يكونون ملعونين؟ بالحقيقة أنتم الملعونون لأنكم لم تحفظوا الشريعة. (القديس يوحنا الذهبي الفم)
“قال لهم نيقوديموس:
الذي جاء إليه ليلاً وهو واحد منهم”. (50)
“ألعل ناموسنا يدين إنسانًا لم يُسمع منه أولاً،
ويعرف ماذا فعل؟” (51)
كان نيقوديموس فريسيًا وأحد رؤساء اليهود. هكذا لم يترك الله نفسه بلا شاهد حتى وسط فساد مجمع السنهدرين؛ وفي قصر نبوخذنصر وُجد دانيال النبي؛ وفي قصر ارتحشستا وُجد نحميا. وجد أيضًا حوشاي بين مشيري أبشالوم الأشرار كأداة تحول مشوراتهم الشريرة إلى غباوة.
احتج نيقوديموس على بطلان الإجراءات التي اُتخذت ضد يسوع، إذ هي مخالفة للناموس.
أظهرهم نيقوديموس أنهم لا يعرفون الشريعة ولا يعملون بها، لأن الشريعة لم تأمر بقتل إنسانٍ لم يكن قضاتها قد سمعوا كلامه أولاً، وهؤلاء قد نهضوا إلى القتل قبل استماع الكلام، فلذلك هم عاصون للشريعة. (القديس يوحنا الذهبي الفم)
انزعج بعض الشيء إذ حُسب ملعونًا معهم، لأن الضمير يسرع بألا يبقى صامتًا حيال الأمور المضادة له… عاد عليهم بالإهانة نفسها ليس صراحة، بل راح يخاطبهم معترضًا بكلماتٍ تستمد قوتها من الناموس، وليس بشكلٍ علنيٍ مكشوفٍ. (القديس كيرلس الكبير)
“أجابوا وقالوا له:
ألعلك أنت أيضًا من الجليل؟
فتش وانظر، إنه لم يقم نبي من الجليل”. (52)
مع أن نيقوديموس لم يترك عضويته في مجمع السنهدرين ليتبع السيد المسيح كتلميذٍ له، إلاَّ أنه شهد له في وسط المجمع في أحلك اللحظات.
قام حوارهم على أخطاء كثيرة بجانب حسدهم وشرهم. فحسبوا يسوع من الجليل مع أنه مولود في بيت لحم من بيت داود. وظنوا أن أغلب التلاميذ جليليون مع أنه كان له تلاميذ كثيرون في اليهودية. أيضًا ادعوا أنه لم يقم نبي من الجليل غير أن إيليا النبي كان من جلعاد.
باطلاً يقول الفريسيون عن المسيح مخلصنا “إنه لم يقم نبي من الجليل”، لأنه كان الأحرى بهم أن يستفسروا كيف وهو الذي جاء من أبوين يهوديين (يو ٦: ٤٢) أن يكون جليليًا، وأن يأخذوا في الاعتبار أخيرًا أنه تربى في الناصرة، ولا يضلون عن الإيمان به لهذا السبب. (القديس كيرلس الكبير)
وَالمَجْد لِيَسُوعَ الۤمَسِيح… دَائِماً لِيَسُوعَ المَسِيح
📖 كلمات من نور🕯 {رفض يسوع}
“فحدث شقاق في المجمع بسببه”. (يو ٧ : ٤٢).
- قسّى الفريسيين والأحبار قلوبهم، ورفضوا الدخول في علاقة مع يسوع تؤدي إلى إعلان إيمانهم به. تمسّكوا بشريعة الحرف حتى ضرب العمى الروحي عمق بصيرتهم.
- حتى الذين لم يرفضوا يسوع بالمطلق، بل اعترفوا أنه نبي، رفضوا رأيهم، وحصل بينهم شقاق. فتم كلام سمعان الشيخ لمريم: “سيكون سبب سقوط الكثيرين، وآية للخصام في إسرائيل”.
المجد والحمد والتسبيح والشكران، لك أيها الربّ يسوع المسيح. لأنك جئت إلى العالم نورًا، ففضّل أهل العالم الظلمة على النور. وجئتَ إلى بيتك، فما قبِلَك أهل بيتك. المجد لك، لأنك بحبّك خلَقتنا، حتى لو بدون إرادتنا، لكنّك تحترم إلى أقصى الحدود حرّيتنا، ولا تخلّصنا بدون [نَعَم] نقولها لك بملء حريتنا، ومن كل قلوبنا. الحمد والمجد والشكر لك.
👈 يقول الربّ: من لا يجمع معي فهو يبدّد. الإيمان يجمع، والعناد يبدد. وأنا هل أجمع أو ابدّد❓
👈 صلاة القلب ❤
يا ربّ وإلهي يسوع المسيح، أنرني بروحك 🔥 لأعرفك وأُعلن إيماني بك.
يا ربّ وإلهي يسوع المسيح، نوّر بصري وبصيرتي، لأراك بعين الروح 🔥 واعترف بحقيقتك.
يا ربّ وإلهي يسوع المسيح، زدني إيمانًا بك، وأعن ضعف إيماني.
👈 نيّة اليوم: نصلّي، من أجل المسيحيين، خصوصاً رؤساء الكنائس. لكي يستلهِموا الروح القدس 🔥 بخدمتهم، ليقودوا قطيع المسيح إلى إفخارستيا واحدة، تحت راية صليب المسيح، الذي به جَمَعنا وجعلنا أسرة واحدة.
يا يسوع نوّرني بنور دنحك. 🕯