كيف خُرِق قرار المجمع المسكوني الأول في نيقية بشأن عيد الفصح عيد الفصح؟
بعدما أقرّ الآباء القديسون في المجمع المسكوني الأول في نيقية سنة 325م القواعد التي يتعيَّن بموجبها أحد الفصح سنوياً، إعتماداً على القاعدة الفلكية المعروفة بإسم (الإبَقطي EPACTE) والتي كان معمولاً بها في كنيسة الإسكندرية منذ القرن الثالث الميلادي، ثم تبنّاها مجمع نيقية، ووافقت عليها جميع الكنائس في الشرق والغرب، ملتزمين بقرار المجمع المسكوني، إستمرّ الإحتفال بالفصح موحّداً بين جميع المسيحيين في كل العالم، حتى بعد الانشقاق الكبير الذي حدث سنة 1054م. فقد ظلَّ البابويون اللاتين يقيمون الفصح لمدة 528 سنة في نفس الموعد الذي يقيمه فيه الشرقيون الأرثوذكس، لغاية أواخر القرن السادس عشر.
ولكن ما قلب الأمور رأساً على عقب، هو أنه في سنة 1582 لاحظ البابا غريغوريوس الثالث عشر، وجود فرق في موعد الأعياد الثابتة، وفي موعد الاعتدال الربيعي عمّا كان عليه في أيام مجمع نيقية، يُقدَّر بعشرة أيام. فالاعتدال الربيعي (حسب زعمه) بعد أن كان يقع في 21 آذار في زمن إنعقاد مجمع نيقية، تقدّم وأصبح يقع في 11 آذار في سنة 1582. عندئذ لجأ البابا غريغوريوس إلى علماء اللاهوت ليعرف منهم السبب المباشر لذلك، فأجابوه بأن ليس لديهم سبب من الناحية اللاهوتية، فأمر بمراجعة علماء الفلك، وأجابه العلماء ولا سيما الفلكيّان ليليوس، Lilius وكلفيوس Calvius بأن السبب مرجعه إلى حساب السنة، إذ وجد هذان العالمان أن الزمن الذي تستغرقه الأرض في دورانها حول الشمس دورة كاملة هو:
365 يوم + 5 ساعات + 48 دقيقة + 46 ثانية
بينما تُحسب هذه المدة في التقويم اليولياني
365 يوم + 6 ساعات
أي بفارق قدره 11 دقيقة و14 ثانية.
وهذه الدقائق والثواني تتجمّع لتكوّن يوماً واحداً كل 128 سنة، وقد تجمّع بسببها منذ مجمع نيقية حتى عهد البابا غريغوريوس الثالث عشر، مدّة مقدارها 10 أيام فرقاً في جميع الأعياد الثابتة، وأصبح هذا الفرق في وقتنا الحاضر 13 يوماً، وسوف يصير الفرق بين التقويمين اليولياني القديم والغريغوري المُستحدث 14 يوم في سنة 2100.
ومن أجل تلافي فرق الأيام العشرة المذكورة، وبأمر من البابا، نام الناس في أنحاء إيطاليا يوم 4 أكتوبر أي ليلة 5 أكتوبر من سنة 1582 واستيقظوا في صباح اليوم التالي باعتباره 15 أكتوبر، وبذلك تلافوا فرق الأيام العشرة التي تجمّعت من أيام مجمع نيقية. كما ننام نحن عند ضبط الساعة الصيفية بتقديم عقارب الساعة إلى الأمام، ثم نعود لنردّها ساعة للوراء عند بدء العمل بالتوقيت الشتوي.
وتدريجياً عمّ التقويم الجديد أنحاء إيطاليا والبلدان الأوروبية، بسبب نفوذ السُلطة البابوية. وعُرِف بإسم “التقويم الغريغوري” نسبةً إلى إسم البابا غريغوريوس الثالث عشر. لكن البروتستانت لم يقبلوا بالتعديل البابوي على التقويم، كما ورفضته الكنيسة الأرثوذكسية (حتى عشرينيات القرن العشرين) وظلّ البروتستانت أنفسهم يعيّدون الفصح أُسوةً بالشرقيين الأرثوذكس حتى عام 1775م حيث اضطّروا بعدها للتخلّي عن التقويم اليولياني القديم، وقبول التقويم الغريغوري المستحدث الذي فرض نفسه في أوروبا.
وِفقاً للتعديل الذي أجراه البابا غريغوريوس على التقويم، أصبح عيد الفصح مناسباً للاعتدال الربيعي فلكيّاً، فصار الفصح عند الغربيين اللاتين يقع في الأحد الأول الواقع مباشرةً بعد اكتمال البدر الذي يلي الاعتدال الربيعي، بغضّ النظر عن الفصح اليهودي الذي قد يأتي أحياناً قبله وأحياناً بعده وأحياناً أخرى متوافقاً معه في نفس اليوم، وهو ما يشكّل خرقاً كبيراً وعلنياً لقرار الآباء القديسين في مجمع نيقية، الذي يعترف به الغربيون اللاتين، فقد اشتركوا فيه عبر نوّاب حضروا مندوبين عن القديس سلفستروس بابا روما.
هكذا إذن، غالباً ما يأتي فصح اللاتين سابقاً لفصح اليهود، مُسقِطين أولاً الإعتبار التاريخي، بما قيامة السيد المسيح حسب الإنجيل المقدس، جاءَت عقب فصح اليهود وليس قبله! ومُسقِطين أيضاً الإعتبار اللاهوتي، لأن ذبيحة الفصح اليهودي كانت رمزاً وإشارة لذبيحة المسيح على الصليب، حيث ينبغي أن يعبر الرمز أولاً (خروف الفصح الناموسي) ليأتي بعده المرموز إليه به (ذبيحة المسيح على الصليب) وليس العكس كما يحصل في سنوات كثيرة عندهم!!
أما الكنيسة الأرثوذكسية فاستمرّت تسير بالحساب اليولياني القديم، الذي يُراعَى فيه باحترامٍ كبير الشروط التي أقرّها الآباء القديسون في مجمع نيقية، بألاّ يأتي الفصح المسيحي قبل الفصح اليهودي، ولا متزامناً معه في نفس الأسبوع، بل بعده. لهذا لا يمكن أن يأتي الفصح عندنا قبل فصح اليهود إطلاقاً كما يحصل عند اللاتين، ولنأخذ بعض الأمثلة للتوضيح:
سنة 2016 جاء فصح اللاتين في 27 آذار بينما جاء فصح اليهود بعدهم في 23 نيسان!!!
سنة 2018 جاء فصح اليهود في 31 آذار بينما جاء فصح اللاتين في 1 نيسان، أي متزامناً معه!!
في هذا العام 2024 سيأتي فصح اللاتين في 31 آذار بينما فصح اليهود بعدهم في 23 نيسان!!
سنة 2027 سيأتي فصح اللاتين في 28 آذار بينما فصح اليهود في 22 نيسان!!
والأمثلة على ذلك كثيرة وتطول….
المراجع:
- موسوعة أقباط مصر.
- موقع “فريق اللاهوت الدفاعي”.
- موقع Holy bible للدكتور غالي.
بقلم: الأب رومانوس الكريتي