في خميس الأسرار خطب المسيح الكنيسة لنفسه ..
هناك تقليد يهودي قديم في الزواج يزيد عمره عن ألفي عام ومازال معمولاً به حتى يومنا هذا عند بعض المجتمعات اليهودية المحافظة. يُمكننا من خلاله تأمل ما فعله المسيح له المجد في العلّية.
فإذا رأى شاب فتاة ما وأعجبته، كانت ترتيبات الزواج تتم من خلال الآباء. لكن لا يصير الزواج شرعياً، إلّا حين يُحضر الشاب في الاحتفال كأس نبيذ، ويُقدّمه للفتاة قائلاً: “الخمر الذي في الكأس يمثّل دم حياتي، فإذا شربتِ من هذا الخمر تصيرين لي“.
وإذا وافقت الفتاة وشربت من الكأس صارت زوجته الشرعية!
ومعنى هذا التقليد أن الشاب يقول للفتاة: أنه على استعداد للموت عنها وعلى استعداد للتضحية بحياته من أجلها.
المسيح حين قدّم دمه وجسده للتلاميذ، كان يخطب الكنيسة الممثلة فيهم لنفسه “وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا” (مت٢٧:٢٦). وبذلك طلب أن يتّحد بهم وهم فيه “مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ” (يو٥٦:٦). والتلاميذ أدركوا عظمة ما فعله المسيح حين قدم لهم حياته ليتناولوها.
وبالعودة للتقليد اليهودي، كانت الفتاة التي تتم خطبتها بهذه الطريقة لا تنتقل للعيش مباشرة مع الزوج، بل يتبع الحادثة فترة انفصال للتحضير، وهذه الفترة هي فترة خطوبة.
وفترة الخطوبة هذه يمكن أن تستمر لسنة أو اثنتين أو اكثر، فيعود خلالها الشاب الى بيت أبيه، لكي يبني بيتاً أو غرفةً مناسبةً لعروسه، وعندما يكتمل البيت، يقول الأب لإبنه ما فعلته يكفي، يمكن أن تذهب الآن وتُحضر عروسك. وعندما يَحضُر العريس يحتفلون به فوق التلال مع عروسه.
الجميل في هذا التقليد أن العروسين منذ لحظة شربهما للخمر (حين قدمه لها يوم طلبها للزواج)، أنهما لا يعودان يشربانه أبداً ولا في أي مناسبة حتى يجتمعان سوياً في بيت أبيه الذي أعدّه. ذلك لأن الخمر علامة فرح وابتهاج، وفرحهم لا يكتمل إلّا حين يتّحدون مجدداً.
لذلك حين أخذ المسيح الكأس قال: “وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي” (مت٢٩:٢٦).
وقال أيضاً: “فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا” (يو٢:١٤).
في خميس الأسرار المسيح خطب الكنيسة لنفسه، اختارها عروساً له. فيجب أن نُدرك عظمة هذا الأمر وكم يجب أن نتهيأ له جيداً بالطهارة والعفة والرجاء، خاصة في كل شركة في الافخارستية. إلى أن يتم اللقاء في ذلك اليوم، لنشترك في الفرح الأبدي مع المسيح في ملكوت أبيه له المجد والكرامة الى أبد الآبدين.
د.علاء عيد