أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


من قداسة طفل المغارة، الى نجاسة سكان المغاور … -أمين أبوراشد

نحن من جيل البهجة الميلادية التي سبقت “سانتا كلوز”. شجرة الميلاد في بيوتنا القروية كانت غصناً من زيتونة أو صنوبرة، والزينة كانت على “قد الحال”، واللوحة الأجمل في ذاكرتنا، كانت “كاسات المغلي” التي ترصفها أيادي الأمهات الطاهرات لإستقبال أطهر وأعظم مولود، وفي ما عدا مشهدية المُلتحفين ملابسهم الكانونية تلبية لقرع أجراس قداس منتصف الليل، لا يبقى في البال أعظم من ترتيلة “أرسل الله إبنه الوحيد نوراً للأنام” وبعدها ننام، ولكن، كان نوم الأمل وعدم الخوف من “بكرا”، لأن ساكن المغارة وحده يسكننا، مع اختلاف الطقوس وتفاوت الآمال والطلبات من يسوع الذي كان وحده وسيبقى “سانتا كلوز الكون”…

نحن من جيل لا يستسيغ سماع قهقهة “سانتا كلوز الأرض” يقرع أبواب القادرين المُقتدرين، يوزِّع عليهم هداياه ويدوس في طريقه أحلام المحتاجين، الذين ما عادت أحوالهم ربما، تسمح بأن يفوح عبق يانسون كاسات المغلي ليُعانق عطر المباخر في بيوتهم ليلة نزول الرحمة السماوية وأمل الكرامة الإنسانية، وباتت تُنحَر ليلة كل عيد، مع غياب مجوس المغارة في زمن أنجاس المغاور وتجار الهيكل ولصوص العتمة المشبوهة، الذين يتناسلون على الحرام في بلادنا كما لقطاء الدنس في أوكار العسس، وتتكاثر أكياس الثلاثين من فضة بين أياديهم ويتوارثون ثقافة هيرودوتس ويهوذا.

سرقوا مغارة يسوع من بيوتنا ومن إرث تربيتنا، وبات حكم الأرض لملاعين الأرض من لعنات غضب السماء، وكيمياء التقارب الإنساني معهم مفقودة، لأنهم اختطفوا من وجداننا المغارة والمزود الحقير، الى حيث مغاور السلطة والمفرش الوثير، ولو على حساب من آمنوا بالآدمية نبراساً وبوصايا الله العشر، وبيسوع العظيم الذين على الباطل انتصروا.نعم، مع ميلاده نُعلن انتصارنا، أننا لسنا منهم ولن نكون، وأنهم منذ هيرودتس حتى يهوذا حشرات سوسٍ ونحن الحنطة المباركة، ومهما نخروا الضمائر والقلوب والجيوب، لن تغدو السوسة نحلة تُنتِج عسلاً، ولن يمنع النخر حقول الحنطة أن تغدو سنابلاً، لِتعمُر كواير الخير بكل ما هو حلال وتُغنينا عن الحرام وأبناء الحرام.

وفي زمن ميلادك، نسألك يا طفل المغارة، أن تُبارك أجراسنا، وأن يتردَّد صداها ليس في آذاننا وقلوبنا فقط، بل في ضمائر شركاء لنا، يُدركون قيمة رسالتنا الحضارية، وفي آذان وقلوب من يعتلُون المذابح والمنابر، يُلقون العِظَات في التواضع وهُم علينا مُكابرون، وأمام المغارة نعترف يا سيدي، أننا لا نراهم في عرق لُقمتنا، ولا في صراخ جياعنا، ولا في حبَّة الدواء، لا نراهُم في قلقنا على مستقبل أولادنا، ولا في أحلامهم بعملٍ شريف ولا بسقفٍ يأويهم في أرضهم، ولسنا نُطالب هؤلاء بأن يتبنُّوا أولادنا ولكن، “فِلسُ الأرملة” الذي أضاء فيه المسيحيون شمعة على مذبح مجدِكَ، واعتلت بفضلِه صروح الأديار والكنائس ومراكز الإرساليات والمدارس والمستشفيات وتوسَّعت الأرزاق، آن له أن يُنبِتَ في قلوبهم رسالة يسوع، وأن يلتفتوا الى حامِلِي صليبك بعين رحمتك، وأن يستثمروا بنا وبعرق جبيننا عبر مؤسساتٍ مُنتِجَة، ليبقى في هذا الشرق حَمَلة صُلبان يسيرون على خُطاك ويسلكون دروب بولس، وهذا لن يحصل، ما لم يُولَد في معظمهم يسوع كما وُلِدَ فينا…