لن نتحدث في السياسة ولا في الإنتخابات، لكننا وسط الجنون الذي يسوُد بعضاً من “الشارع الثوري”، عبر غوغائيين قد يرتكبون حماقات أمنية تمنع حصول الإنتخابات النيابية حتى قبل ليلة واحدة من موعدها، طالما أنهم على مدى سنتين ونصف، كانوا الأدوات التي استخدمتها السفارات لتقويض الأمن وتدمير الإقتصاد وإفقار الناس، ثُمّ عندما جاء دورهم للتغيير عبر الوسائل الديمقراطية، لم نجِد أنهُم توحَّدوا ضمن لوائح إنتخابية، أو على الأقل قدَّموا لنا شخصيات جديرة بالفوز واستلام السلطة، ونحن لسنا أمام “ثورة” بقدر ما أننا أمام مجموعات لم تقرأ ربما ثبات الفكر الثوري العالمي، وقُدسية المسؤولية عن شعبٍ لم يعُد قادراً في لبنان أن يكون وقوداً للفوضى المجانية.
لا نعتقد أن أي مرشَّح للإنتخابات النيابية في لبنان، أهم من المرشحة الرئاسية الفرنسية مارين لوبان، التي حاولت خلال المُناظرة الحاسمة منذ أيام أمام خصمها الرئيس إيمانويل ماكرون، أن تكون أكثر هدوءأً واعتدالاً وأقل إنفعالاً وتطرفاً في مواقفها من الرموز الدينية وموضوع المهاجرين وإنغلاق فرنسا على نفسها، ومع ذلك، استطاع ماكرون في مقاربته للعلمانية مع احترام الدين، أن يُقنع الجمهور الفرنسي أن وصول لوبان الى الرئاسة قد يتسبب بما يشبه الحرب الأهلية نتيجة طروحاتها المتطرفة. ونحن لا نُقارن ديمقراطيتنا بفرنسا ولكن، نحن على الأقل علينا الإحتكام الى صناديق الإقتراع في 15 أيار لنغادر شارع الثائرين التدميريين الى ساحة الوطن كما تأتي نتائج الإنتخابات، كي نتجنَّب تمادي الخارجين على القانون تحت مسمَّى “ثوار” في اقتيادنا الى حربٍ أهلية.
وقد تكون الحادثة الأخيرة في محاولة اعتراض سيارة نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي، نموذجاً يُعتمد في مقاربتنا لواقع الصراع بين منطق المُناقشات التشريعية تحت قبَّة البرلمان لإقرار قانون الكابيتال كونترول، وبين مَن سبق لهم أن حطموا وأحرقوا واجهات مصارف وماكينات صرف آلي في معاركهم “الدونكيشوطية” مع المصارف دون أية نتيجة، لتقوم ثائرتهم على مجموعة من النواب ومن ضمنهم الرئيس فرزلي، تهدف الى حفظ حقوق المودعين في هذا القانون، ومَن لديه بعد أي شك بسلامة المقصد، فليدخل الى أي محرِّك بحث ويجد كل التصريحات التي أدلى بها فرزلي وسواه من النواب بخصوص حفظ حقوق المودعين.
المسألة ليست هنا في نقدنا لأداء هؤلاء “الثوار”، بل لأنهم يعرفون مَن نهَب الأموال ومَن هرَّب ومَن بيَّض، ولا جرأة لديهم لمواجهة الحيتان الذين تحميهم الحراسات والمواكب من جهة، ولا لديهم منطق التمييز بين من شرَّع لنفسه سرقة بلدٍ بكامله وبين مُشرِّعٍ يحاول عبر القانون استعادة ما سُرِق وما نُهِب، وليس بحاجة لحراساتٍ ومواكب.
نحن لا نتحدث في مواضيع إنتخابية، ولا نشتغل في الدعاية لأحد، وها هي صناديق الإقتراع أمام اللبنانيين للإدلاء بخياراتهم الحُرَّة خلف الستارة ولكن، حادثة محاولة اعتراض سيارة الرئيس فرزلي الذي يدخل الى كل قرية وقاعة مسجد وخلوة وكنيسة بلا مواكبة ولا استعراضات، ذكرتنا بحادثة النائب الآدمي سليم سعادة، الذي كما الفرزلي لا يستخدم المواكب، ونرفض للمرة الألف المنطق الأعوج في التصنيف على قاعدة “كلُّن يعني كلُّن”، ونأسف على مجلسٍ هو قيد التكوين في 15 أيار، لم نجِد بين المُرشَّحين المحسوبين على المجموعات الثورية الكثير ممَن عليهم القدر والقيمة على المستوى التشريعي لدخوله، ونقل هؤلاء الثوار من منطق الشوارع الى ساحة الوطن…