لا تشك في أن هذا حق، إذ قال بوضوح: “هذا هو جسدي”.. إقْبَل كلمات مُخلّصك بإيمان، هو الحق الذي لا يكذب! (القديس كيرلس الكبير)
ذكرى “اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا” (كو 11: 23)، إنّه “يوم المحبّة” (كما تدعوه القديسة ماريا ماغدالينا من باتسي)، قبل أن يُسلِمَه البشر، أعطى الرَّب يسوع هو ذاته بالكامل في سرّ القربان، غذاءً للكنيسة إلى مُنتهى الدّهور؛ “وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ” (متى 28: 20) ليتّحد أعظم وأكمل اتّحادٍ بكلّ واحدٍ منّا.
“وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى.” (يو 1: 13)
في مثل هذا اليوم، أسَّس الرّب الفادي سِرَّي الكهنوت والإفخارستيّا؛ أي القدّاس الإلهيّ، ليجدّد على الدّوام ذبيحته الدمويّة الوحيدة تجديدًا غير دمويٍّ، إنّما سِريٍّ وحقيقيٍّ في كلّ مرّةٍ يحتفل كهنتهُ بالذبيحة الإلهيّة، إذ هو أمرَ رُسُلَه: “اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي” (لو 22: 19)
كانَ التبريك واقتسام الخبز والخمر جزءً من تقليد العشاء الفصحيّ. غير أنّ العملين يأخذان هنا معنى جديدًا تمامًا. هنا وُلِدت حياةُ الكنيسة. من المؤكّد أنّ ولادتها كجماعةٍ روحيّةٍ ومرئيّةٍ حصلت في العنصرة فقط. لكن هنا، في العشاء السرّي، تمّ تطعيم الفرعُ على أصل الكرمة لتمهيد الطريق أمام حلول الرُّوح. إنّ صلوات التبريك القديمة أصبَحت على لِسان الرّب يسوع المسيح كلمات خالقة للحياة.
كما أصبحت ثمار الأرض جسده ودمه، مُمتلئة من حياته… وتحوّل فصح العهد القديم إلى فصح العهد الجديد.
(القديسة تريزيا بنيديكت للصليب (1891 – 1942)، راهبة كرمليّة وشهيدة وشفيعة أوروبا)
إنجيل القدّيس لوقا .23-1 :22
وقَرُبَ عيد الفطير، الذي يقال له الفصح، وكان رؤساء الكهنة والكتبة يبحثون كيف يقتلونه، لأنّهم خافوا الشعب فدخل الشّيطان في يهوذا الذي يدعى الإسخريوطي، وهو من جُملة الإثني عشر، فمَضى وتكلّم مع رؤساء الكهنة وقُوّاد الجُند كيف يسلّمه إليهم، فَفرِحوا وعَاهدوه أن يُعطوه فضّة. فواعدهم، وكان يطلبُ فرصةً ليسلّمه إليهم بعيدًا عن الجَمع، وجاء يومُ الفطير الذي كان ينبغي أن يُذبح فيه حملُ الفِصح، فأرسل بطرس ويوحنا قائلًا: إذهبا وأعدّا لنا الفِصح لنأكُل فقالا له: أين تريد أن نعدّه ؟ فقال لهما: إذا دخلتما المَدينة يَستقبلُكما إنسانٌ حاملٌ جرّة ماء. اتبعاه إلى البيت حيث يدخل، وقولا لربّ البيت: يقول لكَ المعلّم: أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي ؟ فذاك يُرِيكما عِليّةً كبيرةً مفروشةً. هناك أعِدّاه.
فانطلقا ووَجدا كما قال لهما، فأعدّا الفصحولمّا كانت الساعة اتّكأ والإثنا عشر رسولاً معه وقال لهم: شهوةً اشتهيتُ أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألّم لأنّي أقول لكم: إنّي لا آكل منه بعد حتّى يكمُل في ملكوت الله
ثمّ تناول كأسًا وشكر وقال: خذوا هذه واقتسموها بينكم فإنّي أقول لكم: إنّي لا أشرب من نِتاج الكرمة حتّى يأتي ملكوت الله وأخذ خبزًا وشكر وكسر وأعطاهم قائلا: هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم. إصنعوا هذا لذكري، وكذلك الكأس أيضًا بعد العشاء قائلاً: هذه الكأس هي العهدُ الجديد بِدمي الذي يُسفَك عَنكُم، ولكن هوّذا يدُ الّذي يُسلّمني هي معي على المائدة، وابن الإنسان ماضٍ كما هو مُقَرَّر، ولكن ويلٌ لذلك الإنسان الذي يُسلّمه؟”
ملاحظة هامّة !!
(تعليمٌ الحقّ ضدّ الذين يعلّمون بأن الإفخارستيّا هي مجرّد “ذكرى” والخبز والخمر ليسا جسد ودم يسوع المسيح الحقيقيّين كالبروتستنات وغيرهم من المُنشقّين) :
“الذكرى” هنا في اليونانية “أنامنسيس” لا تعني مجرّد التذكر لأمر نتطلّع إليه غائبًا عنّا، بل تحمل إعادة دعوته أو تمثيله في معنى فعّال. “الأنامنسيس” هنا يعني تذكّر المسيح المصلوب القائم من الأموات، أو تذكر ذبيحته لا كحدثٍ ماضٍ، بل تقديم ذبيحة حقيقية حاضرة وعاملة، أي ذكرى فعّالة!
(وهذا فعلًا ما تعلّمه الكنيسة بكلّ حزم، فإن موت وآلام يسوع المسيح تتجدّد في كل قدّاسٍ إلهي، بشكلٍ غير منظور “أسراري غير دموي”)
المصدر: صفحة قلب مريم المتألم الطاهر