1- إنّ الكنيسة تتأمّل في سبت النور بآلام الأم العذراء، إذ إنّه أصعب يومٍ عاشته على الأرض بعيدًا عن ابنها وإلهها، مملوءة بالأحزان والآلام الكبيرة)
انجيل متى البشير 27: 62-66
“وَفِيْ الغَدِ الذي بَعْدَ التَّهْيِئَةِ، إِجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الكهنة والفِرّيسيون إِلَىْ بِيْلاطُسْ قَائِلِيْنَ أَيُّهَا السَّيِّدُ قَدْ تَذَكَّرْنا أَنَّ ذَلِكَ المُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ أَنْ يُضْبَط القَبْرَ إِلَىْ اليَوْمِ الثالِثْ لِئَلاَّ يَأْتِي تَلامِيْذِهِ وَيَسْرُقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلْشَعْبِ، إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأمْوَاتِ، فَتَكونَ الضَّلَالَةِ الأُخِيْرَة شَرّاً مِنَ الأَوْلَى فَقَالَ لَهُمْ بِيْلاطُسْ إِنْ عِنْدَكُمْ حُرَّاساً فَاذْهَبُوا وًاضْبُطُوا كَمَا تَعْلَمُوْنَ. فَمَضُوا وَضَبَطُوا القَبْرَ بِخَتْمِ الحَجَرِ وَإِقَامَةِ الحُرَّاس”.
تأمّل دفن يسوع وآلام مريم
(القديس ألفونس ليغوري، معلّم الكنيسة- كتاب أمجاد مريم)
بعد أن مات الإبن المُعذَّب أُخِذ ليُدفن، وها هي أمّه المحزونة مُلتزمةً بمفارقته، فيا له من ألمٍ شديدٍ يحيط بها حينئذٍ عند تفكيرها بأنّها ما عادت تقدر على مشاهدة ولدها مرةً اخرى! فهذا هو السّيف الأخير من السبعة سهام الحزن التي جازت في نفسها.
مريم تترك في القبر قلبها مدفوناً مع يسوع. لأنّ يسوع هو كنزها الوحيد. كما يقول هو: “حيثما يكون كنزكم فهناك يكون أيضاً قلبكم” (لو 12: 34)
إنّ القديس بوناونتورا يرتأي بأنّ قريبات مريم العذراء قد غطّينها بإزارٍ أسود ورجعن بها من المقبرة. وأنه في مرورهنّ كافةً من عند جبل الجلجلة، حيث كان الصليب بعد مغروساً في الأرض مبتلاً بدم يسوع، فوالدته المتألّمة كانت هي أول من سَجَدَ لهذا العود الخلاصيّ قائلةً: “إنّني أقبّلك أيّها الصليب المقدس وأسجد لك، لأنّك الآن لم تعد خشبة اللّعنة بل عود الحبّ ومذبح الرّحمة المكرّس بدم الحمل الإلهي الذي قُدِّم عليكَ ذبيحةً لأجل خلاص العالم“؟
ثمّ عادت الى منزلها حيثُ أخذت تجول بنظرها فيه ههنا وهناك من دون أن ترى حبيبها يسوع، بل عوضاً عنه كانت تتصوّر أمام عينيها أعمال حياته كلها المملؤة محاسن وقداسة، ومعاً أعمال آلامه جميعها التي احتملها ومات بها. فهناك طفقت تتذكّر المعانقات التي كانت تعانقه بها طفلاً في بيت لحم، والمفاوضات التي خاطبها بها وتكلّمت هي معه مدّة سنين عديدة… وتتفكر بعواطف الحبّ المتبادلة منها إليه ومنه نحوها، وبنظراته ذات المُحِبّة، وبكلمات الحياة التي كانت تخرج من فمه الإلهي. ثمّ تحضر أمام عينيها تلك الأشياء كلها التي شاهدتها في النهار عينه مما يختص بآلامه وموته وتنزيله عن الصليب ودفنه. متأمّلةً في آدوات عذاباته من المسامير وأكليل الشوك والحربة وغيرها. وفي جراحات جسده المتخنة. وفي عظامه المجرّدة وفمه المفتوح وعينيه المعتّمتين …
2- أين نفس يسوع؟
يقول بولس الرسول: ” لِذلِكَ يَقُولُ: «إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا». وَأَمَّا أَنَّهُ «صَعِدَ»، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضًا أَوَّلًا إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى. اَلَّذِي نَزَلَ هُوَ الَّذِي صَعِدَ أَيْضًا فَوْقَ جَمِيعِ السَّمَاوَاتِ، لِكَيْ يَمْلأَ الْكُلَّ.” (أفسس 4: 8-10 )
إنّ “أسافل الأرض” تعني “باطن الأرض” وتسمّى “الجحيم” وهي ليست جهنّم كما يظنّ البعض بل هي تحوي:
1- جَهنّم: حيث الشياطين والنفوس الهالكة والمعذّبة بالنَار والكبريت إلى الأبد.
2- المطهر: حيثُ النفوس البارّة تكفّر عن خطاياها التي ارتكبتها، إذ لم تكفّر عنها كفايةً على الأرض. وبعد انتهاء زمان تطهيرها المؤلم جدًّا تنتقل إلى السّماء. (هي نفوس الموتى المؤمنين التي نصلّي من أجلها).
3- الينبوس أو الشّيول Sheol: حيث انتظرت نفوس الأبرار والصّديقين والشّهداء والأنبياء… موت المسيح وقيامته ليفتح أمامها باب السّماء المُغلَق بالخطايا. ليس فيه ألمٌ ولا فرح، بل هو مكان انتظارٍ.
في الينبوس اليوم نفوس الأطفال التي توفّيت دون نيل سرّ المعموديّة، وتبقى هناك حتّى مجيء المسيح الثاني، ويمكنها الصّعود إلى السّماء إذا ما قام والدَيها برتبة المعموديّة مع الكاهن من أجلها. لكنّ نفوس الأجنّة المُجهَضَة المِسكينة تنتقل مباشرةً إلى السّماء، لكونها شهيدةً قد اعتمدَت بدمها، كما تعلّم الكنيسة.
رغم أنَّ المسيح أمضى بجسده يوم السَّبت في ظلمة القبر، فالكنيسة تدعو هذا اليوم “سبت النور“، لأنّه نزل بروحه إلى الجحيم وأنار على الذين كانوا في الهاوية (أي الينبوس- الشّيول)، ونقلهم إلى فردوس النعيم.
يقول القديس أمبروسيوس (معلّم الكنيسة): “من الواضح أنّ السيد المسيح لم يسقط تحت قوات الظلمة، بل بالحريّ وهو كسر سلطانها كارزًا حتى بين الأموات الذين كانوا في الجحيم لكي يحرّرهم“.
والقديس إيريناوس يقول: “لهذا السبب نزل الرب أيضًا إلى أعماق الأرض مُبَشِّرًا بصعوده مُعلنًا غفران الخطايا لمن آمنوا به. والآن فإن كلّ الذين آمنوا به وترجّوه وأعلنوا مجيئه وخضعوا لبركاته أي الأبرار والأنبيـاء والآباء. غَفَر لهم خطاياهم بنفس الطريقة التي صنعها معنا تمامًا.
والرّب يسوع قد قام من بين الأموات في فجر يوم الأحد، أي أولى ساعات اليوم الأحد؛ اليوم الثالث بعد موته! وليس عند ظهر السّبت!
تأمّلات صفحة قلب مريم المتألم الطاهر