طائر نورس حدوده سماء طرابلس لن توصِله الى سماء الوطن (أمين أبوراشد)
طيور النورس التي تُزعِج حركة مطار بيروت، واحتلَّت أخبارها الصدارة في كافة وسائل الإعلام هذا الأسبوع،
مُعضلة لا حلَّ لها حتى الآن، لا بالأجهزة التي لم تنجح في إبعادها، ولا ببنادق الصيادين وهواة “التيرو”، لكن تغريدات السياسيين في كل شأن وطني عبر التويتر وسواه من وسائل التواصل الإجتماعي، إضافة الى إطلالات الشاشات، هي المُعضلة الأكبر التي بلغت أيضاً حدود الإزعاج لِلجوّ الوطني العام، مع وجود قاسم مشترك مع طيور النورس، أن هذه الطيور تشكِّل إزعاجاً لحركة إقلاع وهبوط الطائرات، فيما تغريدات وإطلالات بعض السياسيين تشكِّل الإزعاج نفسه لإقلاع العهد لكنها لن تجبره على الهبوط الإضطراري.
ولسنا نُصَنِّف اللواء أشرف ريفي وحده ضمن فصيلة “نوارس السياسة”، الذين لا نُطالب باستخدام وسائل مكافحة النوارس بحقِّهم، بل بعدم استمرار تحليقهم منفردين في سماوات أخرى، لأن قرار توحيد “السرب الوطني” قد اتُّخِذ، وانفراد أي طائرٍ في التحليق على هواه يتحمَّل وحده مسؤوليته، ويبدو أن اللواء ريفي سواء بخياره أو بعدم وجود مكان له في المعادلة الجديدة قرَّر التحليق وحيداً، ولعل نبرة خطابه الراديكالية، تذكِّرنا بأسلوب بعض الذين قرروا السير الى ما لا نهاية في مواقفهم لسببٍ واحد، أن التراجع عنها نهاية سياسية لهم.
اللواء ريفي شرِبَ الدعم السعودي ترياقاً قبل عودة الرئيس الحريري الى لبنان، ونافس الأقطاب في طرابلس وكَسِب معركتها البلدية، وزايد على الجميع في الساحة السنِّية، لكنه لم يكسب في الشارع السنِّي متراً واحداً خارج طرابلس، فلا بيروت تجاوبت معه عندما أعلنه أنصاره زعيماً لأهل السنَّة في لبنان، ولا تجاوبت صيدا ولا البقاع وبشكلٍ خاص بلدة عرسال، لأن خطاب ريفي بات معزوفة لا جدوى منها، والتصويب على حزب الله لم يعُد يعني أحداً خارج الشارع الطرابلسي، ومعقل جماعة ريفي بعيدٌ عن بيئة حزب الله و”القواص” على الحزب يُشبه إطلاق الخرطوش الفارغ، سيما وأن ريفي لا يمتلك كاريزما الإستقطاب الجماهيري خارج غطاء آل الحريري، بدليل أن معاداة تيار المستقبل عَزَلته، و “المعارضة السورية” التي راهن عليها جَنَت الهزائم لنفسها ولمن راهن عليها في لبنان واللواء ريفي من الطلائع.
عارض ريفي وصول أيٍّ من القُطبين المسيحيين الى بعبدا، العماد عون والنائب فرنجية، وشنَّ أشنع حملة على الرئيس الحريري عندما تبنَّى تأييد عون، وبعدما بات عون فخامة الرئيس وشُكِّلت الحكومة لم يقرأ ريفي رسالة التشكيل جيداً، والتي تبدو في “الجزء الشمالي” منها وكأنها الرسالة الواضحة لـ “نورس طرابلس”، فاختِير النائب محمد كبارة وزيراً للعمل والنائب معين المرعبي وزير دولة لشؤون النازحين السوريين، والرسالة ليست في هويَّة الوزارتين بقدر ما هي بِهويَّة الوزيرين، اللَّذين لا يستطيع ريفي المزايدة عليهما، لا طرابلسياً ولا شمالياً ولا سنِّياً، لأنهما يُزايدان عليه في الحضور الشعبي وفي الخطاب الإسلامي الذي يستخدمه لإستنهاض الهمم المذهبية دعماً لحيثيته السياسية الشخصية. تمَّ منذ أيام تخفيض عديد عناصر حماية ريفي من 60 الى عشرين عنصراً، وسبق عملية التخفيض توقيف أحد مرافقيه لأسباب مسلكية، ونُقِل ضابط كان من عديد العناصر، وصعَّد الأمور لدرجة أنه أطلَّ عبر الشاشات ليتظلَّم أمام اللبنانيين، وهو يُدرِك أن خطابه غير مقبول لدى الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني والغالبية العظمى من السنَّة، وهاجم وزير الداخلية نهاد المشنوق باتهامات عبثية، وجاءه الردّ الحاسم من المشنوق والحازم من الرئيس الحريري.
مشكلة اللواء ريفي بدأت يوم تقاعد كمدير عام لقوى الأمن الداخلي واختار لنفسه شوارع طرابلس لمحاربة باب التبانة، ومشكلته أنه وصل الى وزارة العدل في حكومة الرئيس تمام سلام لأنه محسوبٌ على الرئيس سعد الحريري، وعندما استقال من الوزارة ظنَّ أن هذه الإستقالة سوف يكون لها الصدى الوطني الذي سيجعل منه بطلاً وطنياً، ومشكلته أنه يعيش الماضي الذي مضى ولن يتكرر في طرابلس، ووصول العماد عون الى رئاسة الجمهورية وعودة الرئيس الحريري الى السراي قرارٌ وطني ناتج عن انتصار إقليمي لفريقٍ في لبنان على فريقٍ آخر كان يربِط مصيره بنصرٍ لم يتحقَّق، وإذا كان ريفي راغباً في الترشُّح لمقعدٍ نيابي عن طرابلس في الإنتخابات المقبلة فقد ينجح كما نجح بلدياً، لكنه سيكون في الإنتصار النيابي كما في البلدي، طائر نورس حدوده سماء طرابلس التي لن توصِله الى سماء الوطن، ما لم يتغيَّر خطابه السياسي ويخرج من الزاروب المناطقي المذهبي الى رحاب الوطن…
المصدر: الثبات