يُؤرّخ البريطانيُّون رسميًّا مُدّة الحملة الألمانيّة على لندن مِن 10 تمّوز إِلى 31 تشرين الأَوّل 1940، والّتي تتداخل مع فترة الهجمات الليليّة الواسعة النّطاق المعروفة باسم "قصف لندن" (The blitz)، والّتي استمرّت من 7 أَيلول 1940 إِلى 11 أَيّار 1941، في حين أَنّ المُؤَرّخين الأَلمان لا يُوافقون على هذا التّقسيم، وقد اعتبروا أَنّ الحملة كانت مُستمرّةً مِن تمّوز 1940 إِلى حزيران 1941، بما في ذلك قصف لندن.
ولقد كان الهدف الرّئيسيّ للقُوّات الأَلمانيّة النّازيّة هو إِجبار بريطانيا على المُوافقة على تسويةٍ سلميّةٍ عن طريق التّفاوض.
وفي تمّوز 1940، بدأَ الحصار الجويّ والبحريّ، حيث استهدف سلاح الجوّ الأَلمانيّ في شكلٍ أَساسيٍّ قوافل الشّحن البحريّ والموانئ ومراكز الشّحن. وفي 1 آب وُجِّهَ سلاح الجوّ الأَلمانيّ لتحقيق التفوّق والتّقدُّم الجويّ على سلاح الجوّ الملكيّ البريطانيّ بهدف تعطيل قيادته. وبعد 12 يومًا، حُوِّلَت الهجمات إِلى المطارات والبُنى التّحتيّة التّابعة لسلاح الجوّ الملكيّ البريطانيّ. ومع تقدُّم المعركة، استهدف الـ “لوفتواف” أَيضًا المصانع المُشاركة في إِنتاج الطّائرات والبُنية التّحتيّة الاستراتيجيّة. وفي نهاية المطاف استُخدمت تفجيراتٌ إِرهابيّةٌ في مناطق ذات أَهميّةٍ سياسيّةٍ وكذلك على المدنيّين.
سرعان ما سيطر الأَلمان على البُلدان القاريّة، وبدا أَنّ بريطانيا تُواجه تهديدًا بالغَزُو عن طريق البحر، ولكنّ القيادة الأَلمانيّة العُليا كانت تُدرك صعوبات الهُجوم البحريّ غير المسبوق والجديد، وفهمت عدم فعاليّته، في وقتٍ كانت البحريّة الملكيّة تُهيمن في البحار.
في 16 تمّوز أَمر هتلر بإِعداد “عمليّة أَسد البحر” كهُجومٍ برمائيٍّ وجويٍّ مُحتملٍ على بريطانيا، حيث يبدأ بعد سيطرة “اللوفتوافه” على سلاح الجوّ الملكيّ. وفي أيلول نفّذ سلاح الجوّ الملكيّ البريطانيّ غاراتٍ ليلة عُطّلت الإِعدادات الأَلمانيّة مِن البارجات، وفشل “اللوفوتواف” في أَن يُسيطر ويغلب سلاح الجوّ الملكيّ، فأُجبر أَدولف هتلر على تأجيل العمليّة وإِلغائها في نهاية المطاف.
لقد أَثبتت أَلمانيا النّازيّة أَنّها غير قادرة على الحفاظ على غارات النّهار، غير أَنّ عمليّات القصف الليليّ استمرّت على بريطانيا، وقد أَصبحت تُعرف باسم “ذو بليتز”.
لقد اعتبر بعض الخُبراء العسكريّين أَنّ الفشل الأَلمانيّ في تدمير الدّفاعات الجويّة البريطانيّة لإِجبارها على الهدنة أَو حتّى الاستسلام الصّريح، كان أَوّل هزيمةٍ كُبرى لأَلمانيا النّازيّة في الحرب العالميّة الثّانية، ونقطة تحوُّلٍ حاسمةً في الصّراع. وبالتّالي لم يُجدِ نفعًا مع الأَلمان، المبدأُ المركزيّ لنظريّة “اللوفتواف” القائمة على “إِعطاء الأَهميّة القُصوى لتدمير القوّات المُسلّحة للعدوّ”.
لقد شهدت المراحل الأُولى مِن الحرب العالميّة الثّانية غزواتٍ أَلمانيّةً ناجحةً ضمن القارّة الأُوروبيّة، مدعومةً مِن القُوّات الجويّة الأَلمانيّة الّتي أَدّت دورًا حاسمًا في نجاح هذه الغزوات، إِذ إِنّ التّفوُّق الجويّ التّكتيكيّ لأَلمانيا كان كبيرًا. وقد خلقت السّرعة الّتي هزمت بها القُوّات الأَلمانيّة مُعظم الجُيوش الدّفاعيّة المُتجمعة في النّرويج في أوائل العام 1940، أَزمةً سياسيّةً كبيرةً في بريطانيا. ففي أَوائل أَيّار 1940 حدث جدلٌ سياسيٌّ واسعٌ في شأن صلاحيّات رئيس الوزراء البريطانيّ نيفيل تشامبرلين، وفي 10 أَيّار، وفور وصول ونستون تشرشل إِلى رئاسة الوزراء، بدأَ الأَلمان معركة فرنسا بغزوٍ سريعٍ ومُفاجئٍ للأَراضي الفرنسيّة. وكان سلاح الجوّ الملكيّ يفتقر بشدّة إِلى الطيّارين المُدرّبين والطّائرات الحديثة… ولكن وعلى رغم اعتراضات قائد سلاح الجوّ البريطانيّ هيو داودنغ على إِرسال قوّاته إِلى فرنسا، فقد أَمر تشرشل بإِرسال أَسرابٍ عدّة مِن الطّائرات المُقاتلة لدعم القوّات الحليفة في فرنسا، وتكبّد سلاح الجوّ الملكيّ البريطانيّ هُناك خسائر فادحة.
أُجلي الجُنود البريطانيُّون والفرنسيُّون عن “دنكيركن” واستسلمت فرنسا في 22 حزيران 1940، وركّز إذّاك هتلر كُلّ جُهوده على غزو “الاتّحاد السّوفياتي” معتقدًا أَنّ البريطانيّين قد هُزموا على أَراضي القارّة الأُوروبيّة، ومِن دون وجود حلفاء أُوروبيّين لهم، سيُوقّعون اتّفاق سلامٍ سريعًا. وكان الأَلمان مُقتنعين بأَنّ الهدنة وشيكةٌ لدرجة أَنّهم بدأوا في تجهيز شوارع “برلين” لاستعراض القُوّات المُنتصرة العائدة إِلى الوطن. وعلى رغم أَنّ وزير الخارجيّة البريطانيّة اللورد هاليفاكس وعناصر من البرلمان البريطانيّ فضّلوا التّفاوض مع بريطانيا بهدف التّوصُّل إِلى اتفاق سلامٍ، فإِنّ تشرشل وغالبيّة حكومته رفضوا الهدنة قطعًا، وبدلًا من ذلك استخدم تشرشل قدراته الخطابيّة لتجييش الرّأي العام ضدّ أَيّ مُحاولة استسلام، وإِعداد البريطانيّين لحربٍ طويلةٍ. وللحديث صلة.
رزق الله الحلو – صحافيّ وخبير تربويّ
- “صانعو التّحرير في العالم”: سلسلة مقالاتٍ يعرضها تزامُنًا موقعا “أَغوراليكس” و”Arabic Academy Award”، منقولةٍ عن البرنامج الّذي حمل العُنوان نفسه، وبثّته “الإذاعة اللّبنانيّة” – الفنار، خلال العامين 1989 و1990. مع تحيّات النّاشرين: “جائزة الأَكاديميّة العربيّة”.