أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


صانعو التّحرير 11 – يوم أُنجز التّحرير الفرنسيّ بالكامل

في 6 حزيران 1944، بدأَ نُزول الجيش الفرنسيّ مع الحُلفاء، على ساحل “النّورماندي”. وأَمّا في الجنوب الفرنسيّ فقد قام الحُلفاء بحملةٍ عسكريّةٍ بدأَت في 15 آب، وقد تمكّنت من خلالها الفرق الفرنسيّة مِن تحرير “طولون” و”مرسيليا” في آخر الشّهر المذكور، وتابعت اتّجاهها شمالًا، بعدما كانت العاصمة الفرنسيّة بدورها تحرّرت في 26 آب 1944.

لقد كان للمقاومة الفرنسيّة دورٌ عظيمٌ في معركة التّحرير، ولولاها لما تمكّن الحُلفاء رُبّما، ولا دول العالم قاطبةً، مِن تحرير فرنسا.

وفي يوم تحرير باريس، أَلقى الجنرال ديغول كلمةً في القصر البلديّ في العاصمة الفرنسيّة قال فيها: “لماذا تُريدوُن أَن نُخفي الشُّعور الّذي ينتابُنا جميعًا؟… نحن الحاضرين هُنا في بيتنا، رجالًا ونساءً. في باريس النّاهضة لتتحرّر وقد أَحسنت العمل بيدها.
لا، لن نُخفي هذا الشُّعور العميق المُقدّس. ثمّة دقائق تتجاوز كُلٌّ منها حياتنا بأَكملها!.
باريس!
باريس المُهانة!
باريس المُحطّمة!
باريس المُستشهدة!
ولكن باريس المُحرّرة!.
المُحرّرة بنفسها، بشعبها، بمُؤازرة جُيوش فرنسا، وبمُشاركة فرنسا كلّها…
فرنسا الّتي تُقاتل، فرنسا الوحيدة، فرنسا الحقيقيّة، فرنسا الأَبديّة!”.

لقد تمكّن الفرنسيُّون مِن تحرير بلادهم بفضل إِرادتهم الصّلبة، غير مُكترثين بتهديدات هتلر، وبالجُملة الشّهيرة الّتي أَطلقها: “لن نسمح للفرنسيّين بتحرير باريس، ولو اقتضى الأَمر هدم العاصمة على رؤُوس سُكّانها”!.

والتّهديد الهتلريّ لم يكُن مجرّد كلماتٍ، بل عمد جُنوده إِلى زرع الأَلغام على جُسور نهر “السّين”، ما دفع وقتها بقنصل السّويد العام إلى التّدخُّل في مسعًى لتفادي المُجابهة، مُحاولًا حلّ المسأَلة بالـ “طُّرق السّلميّة”، ومُتوسّطًا بين الفريقَين، وقد أَثمرت مساعيه هدنةً علمت المُقاومة الفرنسيّة مُسبقًا عدم جدواها.

وبالفعل، فإِنّ الهدنة لم تدُم أَكثر مِن بضع ساعاتٍ، لتنطلق بعدها الشّرارة الأُولى، مِن خلال معاركَ اندلعت في مُحيط دوائر الشُّرطة، ومجلس الشُّيوخ، ووزارة الخارجيّة ووزارة البحريّة. فما كان مِن أَفراد المُقاومة الفرنسيّة إِلَّا أَن رمَوا على الدبّابات الأَلمانيّة الزُّجاجات المملوءة بالبنزين (المولوتوق)، ما أَدّى إِلى اندلاع النّيران في تلك الآليّات العسكريّة. كما وكان للجنرال “لوكلير”، الدّور البارز في هذه المعركة، إِذ وصل إِلى باريس على رأس قوّةٍ كبيرةٍ مِن المُقاومين الفرنسيّين، فكانت الجماهير الحاشدة في استقباله، وقد محا كُلّ أَثرٍ للاحتلال، وأَجبر الجنرال الأَلمانيّ “فون فولتتس” على توقيع وثيقة الاستسلام، فصارت المُدن الفرنسيّة تتحرّر واحدةً تلو الأُخرى، وقد تمكّنت الفرقة الفرنسيّة الثّانية، مع قائدها “مونسابير”، مِن عُبور “الرُّون” في “الأَفينيون” (Avinion)، وتحرّكت يمينًا فطردت العدوّ مِن “ليون” في يومي 2 و 3 أَيلول 1944.

وفي 4 أيلول، حُرّرت مدينة “ليون”، على أَيدي الجيش الفرنسيّ الأَوّل والقُوّات الأَميركيّة. وفي 17 أَيلول، انسحب الأَلمان مِن “بوردو” غير أَنّهُم ظلُّوا مُحصَّنين في “روين” (Rouen)، وقد كانت “بوردو” حينها مُهدَّدةً بعَودة الأَلمان إِليها بين لحظةٍ وأُخرى، ولكن هل يُعقل أَن يسمح الشّعب الفرنسيّ لهم بالعودة؟.

تحت قيادة الكولونيل “أَدلين”، انتقلت “قُوّات بوردو الدّاخليّة” إِلى مُجابهة العدُوّ على ضفّتَي نهر “جيروند”، بينما كان الكومندان “دوريل” الحاكم العسكريّ، يسعى جاهِدًا إِلى تأمين السّلاح اللازم لقُوّاته، وتنظيمها…

في 25 أَيلول 1944، حرّرت المُقاومة الفرنسيّة مدينة “نانسي”، بقيادة الجنرال “باتون”. وفي نهاية أَيلول، كان مُعظم الأَراضي الفرنسيّة قد حُرّر، عدا “الأَلزاس” و”اللورين”، وبعض المرافئ على خليج “غاسكونيا”.

وكانت التقت في 10 أَيلول، القوّات الحليفة الزّاحفة مِن الجنوب، بـ “قوّات حملة النّورماندي”. وفي نهاية صيف 1944، كانت الجُيوش الأَلمانيّة قد خسرت مليون ونصف المليون مِن مُقاتليها: مليون منهُم أُسروا، والباقون قُتلوا. كما وخسر الأَلمان مُعظم دبّاباتهم ومدافعهم وسيّارات الشّحن. وقد وجد الجيش الأَلمانيّ نفسه مُحطَّمًا عسكريًّا ومعنويًّا، وما استطاع استعادة توازنه العسكريّ، إِلَّا على حُدود “الرّايخ”، حيث لا مُقاومة ضدّه هُناك!.

إِنّ مُجرّد التّفكير بالثّمن الغالي الّذي تدفعه الشُّعوب في سبيل تحريرها واسقلالها، يُلقي الضّوء على أَهميّة صون هذا الاستقلال، وتحصينه مِن خلال بناء الدّولة القويّة، القائمة على مُرتكزات القانون والمُؤَسّسات والمساءلة… وبذلك فقط يكون الوفاء لأَرواح الشّهداء ولحياة الوطن، وللحديث صلة.

رزق الله الحلو – صحافيّ وخبير تربويّ


  • “صانعو التّحرير في العالم”: سلسلة مقالاتٍ يعرضها تزامُنًا موقعا “أَغوراليكس” و”Arabic Academy Award”، منقولةٍ عن البرنامج الّذي حمل العُنوان نفسه، وبثّته “الإذاعة اللّبنانيّة” – الفنار، خلال العامين 1989 و1990. مع تحيّات النّاشرين: “جائزة الأَكاديميّة العربيّة”.