أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


صانعو التّحرير 9 – العُبور الفرنسيّ إِلى السّلاح الأَميركيّ

هكذا تأَلّفت “الجبهة الوطنيّة” في المنطقة الفرنسيّة المُحتلّة لمُواجهة الاحلال الأَلمانيّ، فاجتذبت إِليها عددًا كبيرًا مِن لمُناوئين للشُّيوعيّة، وقد آزروا ديغول جميعًا. وأَمّا هو، فقد قبِلَ بهم في حذرٍ، كيلا يُسيطر هؤلاء على كُلّ شيءٍ، فيُضحي الجنرال خارج اللُعبة.

وتوالت المُقاومة ضدّ العدوّ المُحتلّ، وقد تسلسلت الاعتداءات عليهم، فيما أَخذ عدد المُقاومين والمُوالين للجنرال ديغول يزداد في شكلٍ مُلفتٍ!. وقد خاطب الجنرال بلاده: “إِيه أَيّتُها الأُمّ، ها نحنُ، كما نحن، دائمًا وأَبدًا في سبيل خدمتك”.

غير أَنّ الإِرادة الطيّبة وإِن وجِدَت، تبقى مسيرة تحرير الوطن في حاجةٍ إِلى سلاحٍ ثقيلٍ لمُواجهة المُحتلّ، وهذا السّلاح غير مُتوافرٍ لرجال لمُقاومة، فما الحلّ؟ وكيف السّبيل للإِتيان بالسّلاح؟.

كان الحُلفاء يخصّون المُقاومة الفرنسيّة للاحتلال الأَلمانيّ ببعض العتاد، غير أَنّهُم عادوا وتراجعوا عن موقفهم هذا، خوفًا مِن تحميل قوافل النّقل العسكريّ حُمولاتٍ إضافيّةٍ. ولقد عرف الفرنسيّون، أَنّ المُقاومة بأَكملها، مِن أَلفها إِلى يائِها، هي مِن صُنع الشّعب ومِن حقّه!. فمُنذُ أَنزل الحُلفاء جيشهم لطرد الأَلمان مِن فرنسا، وحتّى استسلام أَلمانيا، لم يتزوّد الفرنسيُّون بعتادٍ عسكريٍّ يُتيح لهُم تجهيز ولو وحدةٍ عسكريّةٍ واحدةٍ. فكيف سيقبلون بالتّالي في تجهيز حوالي مئة أَلف مُقاوِمٍ فرنسيٍّ كانوا سيُشكّلون الجيش الأَوّل؟.

لم يتأَمّن “للجيش الفرنسيّ” إِلَّا الطّعام واللباس، وأَمّا الباقي فعليهم أَن يُدبّرُوه بمعرفتهم!. لكنّهُم كانوا يُحسنون دائمًا التّصرُّف!.

وقد وصف الجنرال ديغول هذا الوضع بالقول: “وما عسانا نفعل بالجماهير المدعُوّة إِلى حمل السّلاح، ونحن لا نستطيع أَن نُؤمّن لهُم سلاحًا أو تنظيمًا، أَو عتادًا؟… وفي الوقت الّذي يُعتبر مِن الإِجرام والخجل أَن ندفعهُم وهُم عُزّل إِلى ساحة القتال، أَمام مدافع الجيش الأَلمانيّ ودبّاباته ورشّاشاته؟… وأَين مصانع السّلاح الثّقيل في فرنسا؟ إِنّ الجيش الأَلمانيّ قد دمّرها بأَكملها”.

على رُغم كُلّ شيءٍ… سار “قطار التّحرير” في فرنسا في سُرعةٍ مُتناهيةٍ، فبعد ستّة أَسابيع مِن نجاح الحُلفاء في اختراق جبهة “أَفرانس”، ونُزولهم على شواطئ “الميدي” في وسط فرنسا… تمكّن رجال المُقاومة الفرنسيّة مِن بُلوغ “أَنفير” فأَطلّوا على “اللورين” ونفدوا إِلى جبال “الفوج”.

تزامُنًا، بدأَ “الكولونيل أَدلين” بمُحاولات تنظيم عمليّات تموينٍ لمراكز المُقاومة الفرنسيّة، في انتظار وصول إِمدادات السّلاح، وحينها يُمكن للفرنسيّين أَن يُفكّروا في الهُجوم. كما واستعرض الجنرال شارل ديغول من جهته، في “سانت”، آلافًا عدّة مِن الرّجال الّذين كانوا يفتقرون إِلى التّجهيز العسكريّ، غير أَنّهُم كانوا مُمتلئين حماسةً واندفاعًا.

لقد اعتمد الفرنسيّون على روح الابتكار، إِذ حصلوا على بعض السّلاح المطلوب لتحرير بلادهم، مِن خلال بعض العنابر الأَميركيّة، ولقاء تصريحٍ بعدم صلاحيّة هذه المعدّات للاستعمال. وكانوا يُصلحون بعض المعدّات العسكريّة ويستخدمونه في حرب تحرير فرنسا. وفي بعض الأَحيان عمدوا إِلى الاستيلاء على المُصفّحات والمدافع والعربات العائدة إِلى الحُلفاء، والّتي تقع في مُتناول رجال المُقاومة، مِن دون الاكتراث إِلى هُويّة العتاد العسكريّ. لقد باتت الغاية تُبرّر الوسيلة، فكيف إِذا كانت الغاية استرداد الوطن المفقود؟.

وفي سياقٍ مُتّصل فقد ظهرت بارقة أَملٍ في الحُصول على السّلاح، بعدما شكّلت فرنسا “الجبهة الوطنيّة” وقد كانت بمثابة حُكومة تحريرٍ، فبدأَت الولايات المُتّحدة تسليح فرنسا الحرّة، وتزويدها بالعتاد العسكريّ، إِلى أَن صار الأُسطول الفرنسيّ قادرًا على خوض القتال، وقد أَصبحت كُلّ القوّات الفرنسيّة مُؤهّلةً للعمل، وانقسمت حينها ثلاث فئاتٍ: القُوّات الجويّة، والبحريّة، والبريّة.

وأَمّا مجموع هذه القوّات فبلغ: 230،000 مُقاتلٍ وهي مُقسّمة على الشّكل الآتي:

  • 150،000 جنديّ في القوّات البريّة.
  • أُسطولٌ بحريٌّ يبلغ مجموع حُمولته 230،000 طنٍّ مع 50،000 بحّارٍ.
  • 12،000،000 طنٍّ مِن سُفن الشّحن والنّقل، إِضافةً إِلى طيرانٍ مُؤلّفٍ مِن 500 طائرةٍ قتاليّةٍ، ورجالها عددهم 30،000 مُقاتلٍ. ولكن يبدو أَنّ الحُلفاء عادوا وغيّروا رأيهُم في شأن استمرار دعم الجيش الفرنسيّ!. وللحديث صلة.

رزق الله الحلو – صحافيّ وخبير تربويّ


  • “صانعو التّحرير في العالم”: سلسلة مقالاتٍ يعرضها تزامُنًا موقعا “أَغوراليكس” و”Arabic Academy Award”، منقولةٍ عن البرنامج الّذي حمل العُنوان نفسه، وبثّته “الإذاعة اللّبنانيّة” – الفنار، خلال العامين 1989 و1990. مع تحيّات النّاشرين: “جائزة الأَكاديميّة العربيّة”.