مِن المُواطنين الفرنسيّين المُقيمين في الخارج، الّذين اتّصلوا بالجنرال شارل ديغول، وتجمّعوا لمُساندة “فرنسا الحُرّة” نذكر: Garabeth Malglene المُقيم آنذاك في (بريطانيا العُظمى – Hodret)، و Jacques de Seisse المُقيم في الولايات المُتّحدة الأَميركيّة، و Sostel في المكسيك، و الـ Baron De Banoi في مصر، و Guodar في إِيران، و Guiron في الأَرحنتين، و Rando في البرازيل، و Giregeon في تُركيا، Victor في الهند (دلهي)، و Levan في الهند (كلكوتا)، و Barbe في اليابان، وغيرهم… وصار الجنرال ديغول يجد نفسه مُحاطًا بتظاهراتٍ من التّأييد والتّشجيع، في كُلّ مرّةٍ يجد نفسه في مكانٍ عامٍّ.
وفي هذا السّياق يُطرح السُّؤال الآتي: ما سرُّ مُقاومة الاحتلال، الّتي قد ترخص في سبيلها كُلّ التّضحيات الشّخصيّة، كرمى لها وللحُريّة الخالدة؟… إِنّ ما حصل في فرنسا عام 1940، يُذكّر بما سيقوله في ما بعد ملك بلجيكا أَلبرت الثّاني (1934 – …): “إِذا خُذِلت آمالنا، وأُجبرنا على مُقاومة غزو أَرضنا، والدّفاع عن منازلنا المُهدّدة، فإِنّ هذا الواجب، مهما كان صعبًا، سيجدنا مُسلّحين ونُقدّم أَكبر تضحياتٍ”.
فحين أَصدرت حكومة فيشي الحُكم على ديغول بالإِعدام وبمُصادرة أَملاكه، وذنبه الوحيد أَنّه رفض تسليم البلاد إِلى هتلر… وغيره، أَرسل الفرنسيّون إِلى جنرالهم، الكثير مِن الحُليّ الّتي وصلته إِلى Carlton Gardens مِن أَشخاصٍ ما باحوا بأَسمائهم، فيما أَرسل الكثير من الأَرامل المجهولات إِليه خواتم أَزواجهنّ، على أَمل أَن يُسهم ثمن الذّهب في المجهود العسكريّ لتحرير فرنسا من الأَلمان. ولقد كان التّناغُم على أَشدّه بين الشّعب الفرنسيّ وقيادته الّتي انبثقت مِنه لتكون معه.
وبعدما تفهّم ديغول والشّعب الفرنسيّ الحُرّ، ضرورة تجنيد كُلّ الطّاقات في سبيل التّحرير، صار لـ “فرنسا الحُرّة” في آب 1940، بعض الوسائل لتحقيق الهدف المنشود، وقد باتت لها نُواة تنظيمٍ عسكريٍّ، وكذلك باتت لديغول شعبيّةٌ واسعةٌ، وعليه الآن أَن يستفيد مِن كُلّ هذه الإِيجابيّات، ويستثمرها في خدمة بلاده، وبخاصّةٍ بعدما نجح أَدولف هتلر في أَن يكسب الجولة الأُولى مِن حُروبه في أُوروبا، فصارت القارّة على أَبواب جولةٍ تاليةٍ من الحرب الّتي تأخذ أَبعادًا عالميّةً هذه المرّة. وعن هذه المرحلة قال ديغول: “كان علينا، نحن الفرنسيّين، خلال هذه الفترة، الانتظار لأَنّنا نُتابع الصّراع في أَفريقيا أَيضًا”.
ولحسن الحظّ، فقد كان مسموحًا لفرنسا في هذه الفترة، أَن تستعيد بناء جيشها انطلاقًا من مساحاتٍ شاسعةٍ في القارّة السّمراء، في انتظار دُخول حُلفاء جُدُد يُساهمون في قلب موازين القوى لمصلحة القضيّة الفرنسيّة. غير أَنّ الجنرال ديغول، ما كان في إِمكانه حينذاك، التّفكير في الاقتراب مُباشرةً مِن “دكار”، كما وأَنّه كان يهدف إِلى تحرير بلاده مِن دون إِراقة دماءٍ بين الفرنسيّين. لذا فقد قامت خطّته على استبعاد الهُجوم المُباشر، وبالتّالي فالمطلوب مِن قوّات فرنسا الحرّة أَن تصل إِلى دكار برًّا… عملًا بالخُطّة “الدّيغوليّة”.
لقد كانت مدينة “كوناكري”، الموقع المقصود لعمليّة إِنزال “جيش فرنسا الحرّة”، ومنها الزّحف إِلى العاصمة الأَفريقيّة “داكار”. وسيتمّ ذلك مِن خلال استخدام سكّة الحديد والطّريق المُتّصل. ولضمان نجاح العمليّة، كانت تقتضي لها ضرورة تأمين تغطيةٍ من جهة البحر، لمنع “أُسطول داكار” مِن القضاء على الحملة الفرنسيّة، ما دفع بالتّالي الجنرال ديغول إِلى عرض المشروع على رئيس الوزارء البريطانيّ ونستون تشرشل الّذي سرعان ما وافق على المُقترح الفرنسيّ، كما ورسم خُطّةً بحريّةً في شأنه.
وبعد شرحٍ طويلٍ لتشرشل، استخلص ديغول أَنّ العمليّة العسكريّة يُمكن أَن تأخذ شكل تحالُفٍ إِذا اشتركت فيها فرنسا. وأَمّا إذا امتنعت عن المُشاركة، فإِنّ بريطانيا ستُنفّذ العمليّة “على حسابها الخاصّ”، فوافق الجنرال ديغول على المُشاركة مِن دون تردُّدٍ، وبدأَ يُحضّر خطّة عمله، فيما جُهّزت الأَساطيل البحريّة والسُّفن!. وللحديث صلة.
رزق الله الحلو – صحافيّ وخبير تربويّ
______
* “صانعو التّحرير في العالم”: سلسلة مقالاتٍ يعرضها تزامُنًا موقعا “أَغوراليكس” و”Arabic Academy Award”، منقولةٍ عن البرنامج الّذي حمل العُنوان نفسه، وبثّته “الإذاعة اللّبنانيّة” – الفنار، خلال العامين 1989 و1990. مع تحيّات النّاشرين: “جائزة الأَكاديميّة العربيّة”.