“لا يجوز مهما جرى، أَن تنطفئ شُعلة المُقاومة الفرنسيّة، ولن تنطفئ”.
بهذه الجُملة أَنهى الجنرال ديغول رسالته، إِلى الشّعب الفرنسيّ، وقد قرّر مُتابعة حرب التّحرير على رُغم الاعتراضات وحملات التّشهير… كي يُغطّي مُطلقوها سلبيّتهُم!. ومِن الطّبيعيّ في تلك الظُّروف أَن تنشط النّعرات بين الفرنسيّين، خدمةً لمصالح بعض الدُّول…
غير أَنّ الصُّعوبات تلك، كانت تُقوّي عزيمة ديغول، على المُتابعة حتّى التّحرير، وقد أَكسبت هذه الإِرادة الوطنيّة الصّلبة صاحبها الاحترام والاعتبار مِن الأَجانب، لأَنّهُم رأَوا فيه بطلًا للأُمّة الفرنسيّة. ورفع الجنرال ديغول راية المُقاومة، مُستعينًا بونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطانيّ آنذاك، وقد وضع الأَخير في تصرُّف ديغول، إِذاعة الـ BBC. كما واستفاد جنرال التّحرير الفرنسيّ مِن مُساندة الجنرال كاترو له، وكذلك حاكم الهند الصّينيّة. وكُلّما قويت إِرادة التّحرير، اندفعت دُول العالم لتأييد هذه الإِرادة ودعمها.
أَوّل ما قام به ديغول، كانت زيارة مُعسكرات الجيش، فراقب عن كثب تدفُّق المُتطوّعين، وكُلّ مَن هو قادرٌ على المُساهمة في معركة التّحرير. وقد تميّز هؤلاء بحماستهم الّتي كانت تتزايد كُلّ يومٍ، ما دفع بقائد التّحرير الفرنسيّ إِلى بذل المزيد من السّهر والعمل على إِعادة أَرض فرنسا إِلى شعبها الحُرّ.
وكان الجنرال ديغول يتلقّى يوميًّا “كدسةً” مِن الرّسائل مِن كُلّ أَنحاء العالم، يستفسر فيها باعثوها عن سُبل التّطوُّع في خدمة الوطن، أَو يُعلنون ذلك لديغول. والجامع المُشتَرك بين هذه الرّسائل كلّها، أَنّها قد كُتبت بأُسلوبٍ مؤثّرٍ جدًّا، حتّى أَنّ الجنرال قال للفرنسيّين في 13 حزيران 1940: “أَيُّها الفرنسيّون، كونوا على يقينٍ، أَنْ ما زال لديكُم شعبٌ يُقاتل”.
لقد استمرّ إِقبال الفرنسيّين والإِنكليز على التّطوُّع في الجيش الفرنسيّ، إِلى أَن بلغ عديده 7000 مُقاتلٍ، تجنّدوا كلُّهم في بريطانيا العُظمى!. وأَمّا العناصر الفرنسيُّون، ففضّلوا العودة إِلى الوطن، بعدما تجنّدوا، وباتوا على استعدادٍ للقتال.
وشرع الجنرال ديغول، يسعى إِلى تسليح جيشه، وقد توصّل حتّى إِلى تسليح بعض السُّفن، إِلى أَن باتت بعض الوحدات المُقاتلة تتشكّل تباعًا، وقد تأَلّفت مِن رجالٍ عزيمتهُم قويّةٌ، بشهادة ديغول القائل: “إِنّ هؤُلاء كانوا في الواقع، مِن ذلك النّوع القويّ، الّذي يجدر أَن ينتمي إِليه مُحاربو المُقاومة الفرنسيّة، أَينما وجِدوا. فلقد كان لديهم ولعٌ بالخطر والمُغامرة”.
وتزايدت رسائل التّأْييد الشّعبيّ لمسيرة التّحرير الفرنسيّة، وقد تفنّن بعض النّاس في كتابتها، حتّى إِنّ رسالةً منها تضمّنت صورةً لساحة الـ “Etoile”، عائدةً إِلى 14 حزيران 1940، لدى وصول الأَلمان إِلى السّاحة. ويظهر النّاس في الصّورة وهُم مفجوعون حول ضريح “الجُنديّ المجهول”. وخلف الصّورة كُتب: “سمعناك يا ديغول، ونحن الآن في انتظارك…”.
وفي رسالةٍ ثانيةٍ مُؤثّرةٍ أَيضًا، صورةٌ لقبر والدة ديغول، والقبر مُحاطٌ بأَكوامٍ مِن الزُّهور، الّتي وضعها المارّة في 16 تمُّوز 1940، تاريخ وفاة والدة الجنرال الفرنسيّ، في مدينة “Bombon”، وهي تُقدّم آلامها قُربانًا للرّب، مِن أَجل خلاص فرنسا، مع رسالةٍ مِن ابنها الجنرال…
مِن خلال هذه الرّسائل الصّادقة والمُعبّرة إِلى حدٍّ كبيرٍ، عرف ديغول أَنّه بات الآن في أَعماق الشّعب الفرنسيّ العاشق للحريّة والكرامة، وفي وجدانه أَيضًا… ذاك الشّعب الأَبيّ الّذي يرفض الهزيمة، وهو لن يرضى أَبدًا بالذُّلّ!. وللحديث صلة.
رزق الله الحلو – صحافيّ وخبير تربويّ
- “صانعو التّحرير في العالم”: سلسلة مقالاتٍ يعرضها تزامُنًا موقعا “أَغوراليكس” و”Arabic Academy Award”، منقولةٍ عن البرنامج الّذي حمل العُنوان نفسه، وبثّته “الإذاعة اللّبنانيّة” – الفنار، خلال العامين 1989 و1990. مع تحيّات النّاشرين: “جائزة الأَكاديميّة العربيّة”.