أيها الطفل القادم إلينا، أين أنت؟ هل ما زلت في مزودك… مع الرعاة؟ أو بانتظار ملوك المجوس؟ أو هرَبت مع أبويك؟ هل وجَدت مَن يأويك، أو مكاناً تضع عليه رأسك؟ أو ما زلت مشرّداً في مدن العالم الواسع؟
عذراً على حشريتي وأسئلتي الغريبة ولكنّني مُجبَر عليها… لأحذّرك وأطلب منك وأرجوك أن لا تأتي إلينا، بل أهرب سريعاً من عندنا فهذه الأرض لم تعد بانتظار وجهك البريء القويّ والجبّار، وأهلها لم يعودوا من مريديك وهم غير متشوّقين لمجيئك… فأنت تُتعبهم وتثقل ضمائرهم ووقعك عليهم مخيف.
أرجوك أهرب من هنا واختبئ حيث تريد، ولكن لا تدَع قدماك تطآن هذه الأرض، فهي لا تستحقّك…
اسمع مني، فهنالك مَن ينتظرك ليخونك ويرمي في وجهك حجارة الشك والخوف، فأنت من خارج المؤسسة الحاكمة، وترفض التقاليد البالية، والعبادات المقولبة بقوالب دينية، وهذه المؤسسات والأنظمة والعبادات، هي التي تحكمنا اليوم وقد تغلّبت على الروح بل قضت عليه.
أصغِ اليّ، فهيرودس لم يمت بعد… وحياته طويلة واشكاله كثيرة وما زال يخاف منك ومن صوتك وكرباجك وخصوصاً من صدقك، لذلك سوف يقتلك ويقتل احلامك… صدقني فهو هنا ويعمل على قتل أحلامنا وتضحياتنا وأسمائنا طوراً باسم القانون والنظام وتارة باسم التمرّد…
اسأل الأطفال والشيوخ والأبرياء الذين سبقونا اليك يخبرونك قصصاً عن هيرودس وعن بيلاطس وعن يهوذا وعن جميع أولئك الذين ينتظرون مذبحة ما ليقولوا لنا إنّهم موجدون ولو على جبل الجماجم… لا تتعجَّب لو قطعوا المسافات ودبجوا رسائل الاستنكار التي لن تُقدّم أو تُؤخّر طالما هي مادة مفيدة لتسلّق السلطة والمحافظة عليها…
إسمع مني، فالقتل أصبح مادة رخيصة للاستغلال وكذلك الحقوق والشعارات الأخرى. هؤلاء يستعملون اسمك لكي ينتصروا فقط على رفاقهم واصدقائهم، وفي سرّهم يقولون لولاك لما كانت لدينا قضية نبيعها للرأي العام ولا للأمم.
أتوسّل اليك، أهرب من هنا، لن تعرفك القدس ولا بيت لحم ولا الناصرة فدم اسطفانوس لم يجف فيها، وأطفال هذه المدن لا يقدرون أن يلعبوا معك أو أن يتحدثوا إليك.
لن تخبّئك بلاد النيل، فهي مشغولة بالفتاوى وقتل الافكار فيها اولوية والفقر يدقّ كل باب من أبوابها.
لن تحميك دمشق حننيا، فهي تنزف وتبكي وحارتها مقفلة خائفة مهجرة في اصقاع الارض.
لن تبشر باسمك بيروت، فهي مشغولة بمصيرها وبهويّتها، بالأصل لم تعد بيروت مدينة بعدما دمّرها الحقد ولم يبنِها سلام كاذب معلّق على ألف شرط وشرط.
وانسَ أمر بغداد المحاصَرة بالقتل والدماء والأشلاء… وبفتنة امتدَّت منها الى دول المنطقة.
أيها الطفل المبارك، إسمع مني، أتركنا بحالنا، وامضِ في طريقك. لن تستطيع معنا شيئاً. نحن لم نعد نؤمن بالكلمات. أصلاً لم نعد نسمعها، تعوّدت قلوبنا على الناشز منها… ومَن كان صادقاً لا نقيم له وزناً، ونعتبره ساذجاً.
دعنا نخوض تجاربنا الى النهاية… وأن نصل الى قعر القعر… فلا بدّ أن نعود اليك يوماً مفتّشين على وجهك المضيء… حينها تكون في انتظارنا مثل ذلك الأب الذي حفظ نفسه في انتظار ابنه الضال…
إسمع مني أرجوك سيدي ولو لمرة…
أنطوان ع. نصرالله – الجمهورية