عَ مدار الساعة


ترامب وثمن السّلطة (إيلي حنا)

باتت السّلطة من الأمراض المستعصية في عالمنا وأصبحت السياسات الإقتصادية والإجتماعية والعسكرية في جميع الدول في خدمة بعض الحكومات المسيطرة على العالم، وكلّ ما سبق يصب في مصلحة المحرك الأكبر لكلّ ما يجري والمستفيد الأول من كلّ حدث يحصل، “الولايات المتحدة الأمريكيّة”

لعقودٍ من الزمن كانت الولايات المتحدة الأمريكيّة اللّاعب الأبرز على السّاحة العسكريّة والإقتصاديّة، وكانت المتحكم الأول إن لم نقل الأوحد في النظام العالمي، ولكن بعد تدخّل روسيا الإتحاديّة في الحرب السّورية وإستعراض قوّتها العسكريّة، وبعد منافسة أمريكا من قبل الصّين للتربّع على عرش الإقتصاد العالميّ ، بدأت أمريكا تشعر بخطر الإنقلاب على القطبيّة الواحدة في النّظام العالميّ من قبل الصّين وإقتصادها، مدعومةً من روسيا وقوّتها العسكريّة.
فلنبدأ من الحرب السورية، فبعدما تدخّلت روسيّا مرّات عدة سياسياً في الحرب لصالح حليفها الأسد من خلال إستعمالها حق النّقد (VETO) في مجلس الأمن، قرّرت التدخل عسكريّا بعد طلب الرّئيس السّوري بشار الأسد الدعم منها.

فبدأت الطائرات الحربيّة الرّوسية بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السّورية بتاريخ ٣٠ أيلول عام ٢٠١٥، ممّا أدى إلى قلب موازين القوى في الحرب لصالح الدّولة والنظام السوري.

ولكن بالطّبع، إستغلّت روسيا هذا التدخل لتحصل على مكتسبات أخرى أبرزها، بسط سلطتها ونفوذها أكثر وأكثر على السّاحة الشرق أوسطية وإستعراض قوّتها العسكرية أمام أعين جميع الدّول وأوّلها الولايات المتحدة، عدا عن تجربة المئات من أنواع الأسلحة الجديدة في الميدان السّوري لتطويرها.

أمّا الصّين، فإستغلّت الحرب السوريّة لإعادة الأمجاد من خلال مشروع “الحزام الأوحد” الذي طفا على سطح الإقتصاد العالميّ في عام ٢٠١٣ وأطلقته الصيّن لتعيد أمجاد طريق الحرير في قمّة عُقِدت في ٢٥ نيسان من العام الماضي بمشاركة ٣٧ دولة من بينها سوريا، وغياب أمريكا القلقة من هذا المشروع الذي تعتبره بداية الهيمنة الصّينيّة على الإقتصاد العالمي.

وبما أن الإستثمارات الصينيّة تتنامى في الشرق الأوسط وتتمدد بشكل يخيف إقتصاد أمريكا وسياستها بالمنطقة، أصبح من المؤكّد، أن الأخيرة لن تكتفي بالتّفرج على النمو المتزايد للتنين الصّيني.

أما بالنسبة لكورونا، صحيحٌ أن هذا الوباء يشغل العالم حاليّاً، لكن الرّئيس الأمريكي دونالد ترامب لم ينسَ الخطر الصيني يوماً، كيف لا وهي المُصدِّر لهذا الفيروي بغض النظر عن كيفيّة ظهوره وإنتشاره..

فالرّئيس الذي يتحضّر لخوض المعركة الرّئاسيّة القادمة في ٣ تشرين الثاني من العام الجّاري، لا يفوِّت فرصة لإلقاء التهم على الصين وتحميلها مسؤولية موت ومرض الملايين من الأبرياء، وتدهور الأنظمة الإقتصادية للدول التي فتك بها هذا الفيروس، كما يقدّم وعوداً بمحاسبتها وفرض أشدّ العقوبات عليها، كلّ هذا ليظهرها على أنها الخطر الأكبر على العالم، كما وصفها منذ أكثر من ١٠ سنوات مستشاره الإقتصاضيّ الأحب على قلبه، “بيتر نفارو” والذي أصدر عام ٢٠٠٦ كتابه الأول “حروب الصين القادمة” وكتب فيه أن حرباً تجاريّة ستقع مع الصّين والتي قد تتحول يوماً ما، عسكريّة، وفي عام ٢٠١١، أصدر كتابه الثاني تحت عنوان “الموت بواسطة الصين”، والذي تحوّل فيما بعد إلى وثائقيّ يحذر من سياسات الصين المهدّدة للبيئة والإقتصاد العالميّ.

ولكن بالحقيقة، هل ستبقى كلّ هذه الحملات، مجرّد مناوراتمن قبل ترامب لترميم حظوظه الإنتخابيّة، بعدما مزّقها الوضع الإقتصادي الذي تسبّبت فيهِ أزمة كورونا، أم سيحقّق نبوءة “نفارو” ويحوّل الحرب التجاريّة إلى عسكريّة، فقط ليجبر خصمه على الإنسحاب من المعركة الرّئاسية بسبب خوض ترامب التعطّش للولاية الثانية الحرب ضدّ الصين، بالرّغم من أنّ جميع المؤشرات توحي بأن أي حرب بين العمالقة ستتحول سريعاً إلى حرب عالمية وستؤدي إلى كسر الأحاديّة الأمريكيّة في إدارة العالم ولن تنتهي قبل الجلوس سويّاً والإتفاق على نظام عالمي جديد، لن يخلو من النفوذ الصيني والروسي، إلى جانب الأمريكي.

فهل يدفع ترامب من حيث لا يدري ثمن الولاية الثانيّة، بالتّخلي عن الأحاديّة !!؟