- المصرف المركزي يتحمل مسؤولية كبيرة بالخسائر الواقعة عليه، وبعدم شفافية أرقامه، وبطمأنته المتمادية للشعب اللبناني مع إدراكه لفظاعة الأمور وخطورتها
- ***
عقد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مؤتمر صحافي تناول فيه التطورات السياسية والمالية وموقف التيار منها وهذا ما جاء فيه:
اولاً: نحيي كل من يسمعنا، ونتمنى للمسلمين في لبنان والعالم بداية شهر رمضاني كريم يتمّ عليهم بالخير وينتهي حاملاً معه السلام والاستقرار للبنان، مع الأمل بالحد من وباء كورونا والشفاء للمصابين والصحّة للجميع.
ثانياً:
اليوم هو 26 نيسان 2020، ذكرى خروج القوات السورية من لبنان من 15 سنة.
نتذكّر هذا اليوم طبعاً بفرح كإنجاز سيادي واستقلالي لكل اللبنانيين، ولكن أكثر نتذكّره لأنه كان حلماً ان يحصل لا بل كان معجزة وقد حصلت.
نذكره ليكون امثولة لكل المشكّكين والميئسين، الذي حاولوا تيئيسنا من “حلم التحرير” واليوم يحاولون تيئيس اللبنانيين من اصلاح الوضع المالي.
وتراهم يطبّلون فرحاً لمجرّد ورود بعض الأخبار عن عدم اكتشاف غازي تجاري في البلوك رقم 4 (بالرغم من اكتشاف الغاز فيه ولو بكميات غير كبيرة حتى الآن، وبالرغم من ان المعدّل العالمي للنجاح من اوّل مرّة هو فقط 30% (وهو 1/11 بكثير من الحالات، بلبنان رفعناه بحسب الدراسات المقدّمة) وبالرغم من وجود عدّة نقاط للبحث فيها في بلوك 4 وبالرغم من وجود عشر بلوكات اخرى)، ولكنّهم يعتبرون، انه بما ان التيّار الوطني الحر هو وراء انجاز دخول لبنان في العالم النفطي، يعتبرون انّها خسارة للتيار/ وينسون انّها خسارة للبنان ان وقعت وان الربح لكل لبنان ان حصل،/ تماماً كما الكهرباء والـ 24/24 ان حصلت، وتماماً كما السدود يتمنّون انهيارها،/ كأن معمل دير عمار هو لبيت ابي وسد بسري هو لبيت جدّي، وإنّ محاربة الفساد هي بإسم أمّي، متناسين أنّ النفط والكهرباء والماء والمال العام هم لكلّ اللبنانيين.
هذه هي العقليّة السياسية “المريضة” التي لم تكتفِ فقط بتعطيل المشاريع المجدية للبلد، بل أكثر نهبت البلد منذ التسعينات ووضعت سياسات نقدية ماليّة اقتصادية أفقرت الدولة والناس وظلّت مصرّة عليها لليوم رافضة تغييرها وتغيير رجالاتها، وركّبت نهج سياسي فاسد “ومنظومة” من السياسيين والإعلاميين والموظفين وأصحاب النفوذ والمال وضعت يدها على المفاصل المالية والاقتصادية في الدولة، ترفض “شيلها” وتهجم بشراسة، حتى الاغتيال السياسي والجسدي على كلّ من يحاول “شيلها”. وما هجمتها الشرسة المتوحشة علينا سياسيًّا وإعلاميًّا إلا نتيجة ذلك.
يطير البلد ولكن تبقى “المنظومة” – المنظومة أهمّ من البلد لأنها تنهشه./ وما الشراسة المتجددة مؤخّرًا على الحكومة والعهد إلاّ بسبب استشعار النظومة مجدّدًا أنّ شيئًا ما سيتغيّر وممنوع التغيير – لا تغيير السياسات ولا الأشخاص.
الآن وُجِد مجموعة وزارء بمعظمهم أوادم وأخصائيين، أتوا بضغط من الناس والشارع، وكلّ ذنبهم أنهم: 1) بدّن يشتغلوا و 2) بدّن يصلّحوا؛ نتيجة الإنهيار الذي حصل، كان عليهن أن يدرسوا الواقع المالي ليبدأوا بإصلاحه على أسس علميّة، أوّلها أن تَكشف حجم الخلل والثقب المالي الكبير الموجود والمخبّأ لتبدأ على قاعدة واضحة للإصلاح ولسدّ هذا “الثقب الأسود” (الذي هو نفق لا ينتهي إذا لم تسدّه). ولسدّه بدأت الإستعانة أيضًا بالشركات الأجنبية ذات الصدقية وبالمؤسّسات الدولية، فإذا بأمر المنظومة بدأ ينكشف للخارج وليس للداخل فقط (المعروف منّا أصلاً)، والذي نبّهنا منه أصلاً. (لا ننسى مؤتمر الوزير بطيش في نيسان 2019 والذي قامت عليه القيامة عندما كشف بعض الأرقام وكذلك الوزير رائد خوري).
ولسدّه بدأت الحكومة البحث عن مصادر المال، فبدأت المنظومة بالحديث عن بيع الدولة وعقاراتها وعن هندسات عقارية للنهب بعد أن نهبوا سابقًا من الهندسات الماليّة، وعندما رأوا أنّها غير ماشية، بدأوا بالتهديد والوعيد “بالحرب الأهليّة” إن استمرّ الحديث عن المسّ بأموالهم المنهوبة والموهوبة والمحوّلة وسمّوا هذا انقلابًا عليهم.
– توزيع الخسائرII
الحقيقة الساطعة اليوم هي أن هناك خسارة كبيرة (لن أدخل بأرقامها التي بدأت تصبح معروفة، هذا إذا لم يكن هناك من إضافات ومفاجآت أخرى غير معروفة ومخبّأة) ويجب تسكير هذه الخسارة ولذا يجب أن يكون هناك “توزيع عادل” لهذه الخسائر، ويتوزّع الذين يتحمّلونها على الشكل التالي:
1 – الفاسدين، السارقين، 2 – المستفيدين الجشعين، 3 – المصارف، اصحابها والمساهمين فيها، 4 – المصرف المركزي، 5 – الدولة بسياساتها وبرجالاتها (وليس بأصولها واملاكها).
ان قاعدة التوزيع برأينا يجب ان تستند الى 3 معايير: 1) المسؤولية، 2) الاستفادة و3) الحجم.
بمعنى ان ينطال اوّلاً من ارتكب ويتحمّل مسؤولية اخطائه بالمساس بأموال منهوبة.
وثانياً من استفاد وجنى ارباحاً كبيرة ولو مشروعة، من اموال موهوبة او مهرّبة، ومن سياسات استدانة وفوائد عالية دون المسّ بحقوقه وبأصل امواله،
وثالثاً ان تكون الخسارة متناسبة مع حجم الأموال ووضع سقوف لها، وهذا مفهوم عالمي متعارف عليه (كالضريبة التصاعديّة او الضريبة على الثروات)، مع التأكيد على تحييد كامل لأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة (والذين يظهر انّهم وضعوا فيها جنى عمرهم وتعبهم).
دون ان ندخل في ارقام التوزيع والتفاصيل الرقميّة التي يجب ان تكون موجودة في خطّة الحكومة، دعوني اتكلّم بالخطوط العريضة لكل من هذه الفئات:
1 – الفاسدين السارقين:
كي لا يبقى الكلام عن استعادة الأموال المنهوبة شعاراً، دعونا نذهب الى الشق العملاني كي نحشر الجميع ونفرز الأوادم من الفاسدين، ونخرج من شعار “كلّن يعني كلّن” فاسدين/ الى عنوان تطبيقي لـ “كلّن يعني كلّن” يكونوا تحت المساءلة.
هناك اتجاهين واحد من السلطة التنفيذيّة بتطبيق القوانين الموجوة وآخر تشريعي من مجلس النواب بإقرار قوانين جديدة.
بالشق التنفيذي الحكومة اقرّت بجلستها الأخيرة مشروع مقدّم من وزيرة العدل عن 8 اجراءات تطبيقية للقوانين السارية لمسح ضريبي ومالي وعقاري لكل المتعاطين بالعمل العام، وهذا لا دخل لنا فيها نحن كنواب الاّ من باب الرقابة، وانشاالله يتوفقوا فيه ويعطي نتائج.
بالشق التشريعي، هناك عدّة قوانين مقدّمة واقرّ احدها بالجلسة الأخيرة المتعلّق بانشاء هيئة مكافحة الفساد (بتعاون الجميع وهذا جيّد). نحنا كتيّار وتكتّل، مقدمين رزمة من 5 قوانين لمكافحة الفساد 1) انشاء المحكمة الخاصة بالجرائم المالية منذ سنة 2013 واربعة آخرين من اكثر من سنة وتباعاً هي: 2) رفع السرية المصرفية، 3) ورفع الحصانة، 4) واستعادة الأموال المنهوبة و5) كشف الحسابات والاملاك. نمارس ضغط لإقرارهم دون نتيجة فعلية حتى الآن، ونتعرّض لمزايدات بخصوصهم.
مثال على ذلك، نحنا مقدّمين قانون عن رفع الحصانة عن القائمين بالخدمة العامة منذ اكثر من سنة في 19 آذار 2019 وتمّت احالته (مع بقية القوانين) الى لجنة نيابية مصغّرة، وقدّم النائب ميشال معوّض بالتنسيق والعمل معنا منذ حوالي الشهر قانون يتعلّق بحصانة الرؤساء والوزراء ويعالج مسألة التعديل الدستوري المطلوب؛ الاّ ان نائبين كريمين قدّموا بآخر جلسة اقتراح قانون معجّل بخصوص رفع الحصانة، ونتيجة النقاش بالمجلس النيابي، وخاصة بالنسبة الى تعديل دستوري اولاً، سقطت عنه صفة العجلة وتمّت احالته الى اللجنة المصغّرة مع وعد منها بإنهائه مع غيره من القوانين خلال هذا الاسبوع لرفعه الى الهيئة العامة. انتهت القصة بعد الجلسة بمزايدات اعلامية واتهامات لنا بإسقاطه! تخيّلوا اننا نحن نريد اسقاط القوانين التي نحن قدّمناها ونقاتل لإقرارها!
طيّب! هذه القوانين كلّها مفيدة وجيّدة ويجب ان تمرّ، ولكن لنكن صريحين ولو احرجنا الجميع! هناك قانون واحد وهو سريع وفعّال ويعرّب بسرعة الفاسدين من الأوادم هو قانون كشف الحسابات المالية والأملاك؛ تعالوا نقرّه وهنا أرفع التحدّي أمام الجميع! هذا القانون يقوم ببساطة على فكرة الطلب الى هيئة التحقيق الخاصة الموجودة اساساً في المصرف المركزي، بكشف حسابات وأملاك كل قائم بخدمة عامّة من وقت دخوله اليها الى وقت خروجه منها، أو إلى الآن.
بسرعة كبيرة، يتمّ تعريب الرؤساء والوزراء والنواب والموظّفين (قضاة – عسكريين – فئة أولى – ثانية وثالثة) إلى فئتين: واحدة مِن مَن لم يظهر فرق بأمواله وأملاكه خلال هذه الفترة وهؤلاء مبدئيًّا بريئين دون إعفائهم من أي ملاحقة أخرى إذا ظهر أي أمر بالقوانين الأخرى القائمة أو التي ستقرّ. وثانية هي التي ظهر فيها فروقات كبيرة بأموالهم وأملاكهم – هؤلاء يذهبون إلى التحقيق معهم من قبل هذه الهيئة. إذا أثبتوا أن مصادر أموالهم من غير الدولة، يوضعون على حدة مثل الفئة الأولى؛ وإذا لم يثبتوا ذلك أي أن أموالهم وأملاكهم هي من وراء تعاطيهم بالخدمة العامة والمال العام، يحالون عندها إلى محكمة خاصة لمحاكمتهم واستعادة هذه الأموال منهم؛ وهذه المحكمة مؤلّفة من رئيس المجلس الأعلى رئيسًا، وعضوية مدّعي عام التمييز ومدّعي عام الديوان ورئيس الديوان ورئيس شورى الدولة. هذا القانون إذا أُقر يؤدي سريعًا إلى فصل الأوادم عن غيرهم.
ولأني أدرك صعوبة إقراره لأنه سيفضح فعلاً الفاسدين وسيُعمل المستحيل لعدم إقراره، فإني أدعو جميع القائمين بخدمة عامة في الدولة إلى القيام بهذا الأمر من تلقاء أنفسهم من دون قانون! ولا أحد يحقّ له التحجج بعدم قدرته على القيام بهذا، فأنا قد قمت به من تلقاء نفسي ( بالرغم من وجود صعوبات بةجهي ورفض بالأوّل إلى أن نشرت حساباتي كلّها بأيلول 2017، وكشفت املاكي.
وانا أتحدّى ان يثبّت احد اي املاك او اموال لي خارج ذلك في الداخل او في الخارج.
خلّي كل آدمي، يظهر آدميّته ويتجرّأ ويفضح كل من لا يجارينا بهذا او بإقرار هذا القانون بالمجلس النيابي.
هذا سيظهر فعلاً عدد الناس المتورطين وحجم أموالهم واملاكهم، وننتهي من مهزلة التكاذب الحاصلة.
هذا التحدّي أرفعه أمام الجميع، وتستأهل القصّة ان نخلّص البلد وننظّفه من الفاسدين بكشف حساباتنا واملاكنا للرأي العام بكل شفافية كما انا فعلت.
ومن لا يجرؤ في هكذا وضع يمرّ به البلد فهو مشبوه الى ان يتطوّع بذلك تلقائياً او بإقرار القانون.
2 – المستفيدين الجشعين (او الذين جنوا ثروات ضخمة بالاستفادة من سياسة المصرف المركزي النقديّة).
وهنا اتكلّم عن 3 فئات:
1 – اصحاب الودائع الكبرى والذين جنوا أرباح كبيرة على مدى سنوات من استدانة الدولة منهم بفوائد عالية، وهؤلاء اتركهم لخطة الحكومة وما تنوي القيام به مع العلم ان الأفكار كثيرة لعدم المس بأصل اموالهم ولا بحقوقهم (مثل تجميد أرباحهم لفترة طويلة بفوائد منخفضة جداً، او ادخالهم بحصص بالمصارف او ادخالهم بأسهم بشركات مستثمرة بخدمات واصول الدولة).
2 – المستفيدين من الهندسات المالية، وهذه أموال ضخمة اذكر منها فقط العملية التي تمت سنة 2016 وأربحتهم حوالي 6,1 مليار دولار بضربة واحدة؛ وهؤلاء اتركهم ايضاً لخطة الحكومة او لقانون الأموال المنهوبة والموهوبة.
3 – وهذا الأسهل، المستفيدين من تحويل الأموال الى الخارج وخاصة بعد 17 تشرين ولغاية الآن.
لن اكرّر ما قلته سابقاً عن الأرقام، انّما قدّمنا الإخبار الى القضاء الأسبوع الماضي عبر النائب زياد اسود، واكتشفنا ان الحاكم كان قد اجاب مدّعي عام التمييز بناءً لملاحقتنا بعدم وجود شبهة بالعمليّات التي حصلت وبعدم القدرة على اتخاذ اي قرار بالطلب الى المصارف تزويدها بالأسماء لعدم وجود شبهات عليهم، مع الإشارة الى انّه اذا تمّ تجاوز هذا الأمر فإنه سوف يفسّر بأن الهيئة تقوم بتنفيذ قرار سياسي!
تخيّلوا يا لبنانيين، انّه مع كل ما يحدث وعدم تمكّنكم من سحب اموالكم الاّ بمقدار بضع مئات من الدولارات بالشهر، هناك من حوّل بضع مئات من الملايين لا بل مليارات الى الخارج، واذا تمّت المطالبة بها فإن الأمر يعتبر سياسي!!!
وعلى هذا الأساس سنحشرهم اكثر ونتقدّم باقتراح قانون بهاليومين الى المجلس النيابي يلزم جميع مساهمي المصارف وجميع الأشخاص الذين تبوّؤا مراكز سياسية او اداريّة او قضائيّة او عسكريّة اعادة جميع الأموال المحوّلة بناءً لطلب منهم الى الخارج (والتي تفوق مبلغ 50,000$) تحت طائلة بطلان عمليّات التحويل والملاحقة الجزائيّة.
ولنرى من سيعارض تمرير هذا القانون في المجلس النيابي! وهذا تحدٍ آخر!.
3 – المصارف والمساهمين فيها:
طبعاً انّه عليهم ان يتحمّلوا جزء من الخسارة لأنهم هم طوعاً اختاروا سياسة اقراض الدولة مع فوائد عالية اي مع مخاطر عالية بسبب علمهم عن عجز الدولة عن السداد؛ وهناك طرق عدّة لقيامهم بذلك، لن أدخل فيها ايضًا وهذه متروكة لخطة الحكومة. ولكن عليهم أن يقلعوا عن سياسة النكران وكأن شيئًا لم يحصل ويدركوا ان عليهم تغيير نمطهم السابق.
ولكنّي في نفس الوقت، أحذّر من اي نيّة لتدمير القطاع المصرفي أو لوضع اليد عليه بأي خلفيات سياسية، فهذا لن نرضى به وسندافع عن بقاء القطاع المصرفي حرًّا وركيزة أساسية للإقتصاد اللبناني ولتحريك دورته بإقراض أصحاب الإنتاج خاصةً.
صحيح أنّنا مع إعادة هيكلة القطاع المصرفي وفق معايير دولية ولكننا ضد فرض أي سياسات إستنسابية على المصارف بغية تطويعها وإخضاعها، بل لتركها تتدبر أمورها من ضمن معايير تضعها الدولة والمصرف المركزي لتكون ملائمة لنهضة القطاع والاقتصاد.
4- المصرف المركزي:
طبعًا إنّ المصرف المركزي يتحمل مسؤولية كبيرة بالخسائر الواقعة عليه، وبعدم شفافية أرقامه، وبطمأنته المتمادية للشعب اللبناني مع إدراكه لفظاعة الأمور وخطورتها، ولعدم تعاونه مع السلطة التنفيذية ولاستفراده بسياسات انتقائية في الاقتصاد والإقراض والدعم دون الانضباط بسياسات الحكومة بل بوضعه بنفسه لنفسه سياسات خاصة به متعلّقة بسياسات الدولة والاقتصاد.
ولكن من غير المعقول القول أنّ المصرف المركزي هو وحده المسؤول، بل إنّ المجلس النيابي والحكومة هما المسؤولان عن تركه بالتمادي في هذه الأخطاء دون التصحيح اللازم من جانبهم. لكن إذا قامت الحكومة الآن بتحمّل مسؤولياتها فهذا لا يعني أنّها تقوم بانقلاب على النظام المالي الحرّ ولا على استقلالية المصرف المركزي، بل هي التي تبقى المسؤولة عن تحديد السياسات الكبرى وعلى المصرف المركزي الإنسجام والتعاون مع هذه السياسات لتفادي الاعظم. وأي محاولة لتجنّب هذا التعاون والالتزام المنصوص عنه في قانون النقد والتسليف، تحت مسمّيات انقلابية وطائفية، إنّما هو إخلال بواجبات الوظيفة، وينبغي التعاطي معه على هذا الأساس.
وهنا وقبل أن أدخل إلى الشق الخامس وهو الدولة، أريد أن أقول أنّ لكلّ أزمة منافعها وفرجها، وقد تكون إحدى أهم الفرص لهذه الأزمة هي إسقاط الحمايات الطائفية عن المرتكبين والفاسدين. صحيح أن الفساد لا طائفة له، ولكن الواقع أنّ الفاسدين محميين بطوائفهم، وحذارِ أن تفوّت المرجعيات الدينية العليا، مسيحية واسلامية، أن تفوّت على اللبنانيين هذه الفرصة وتسعى إلى تأمين الحماية بإسم الطائفة للمرتكبين، في الوقت الذي تطالب فيه هذه المرجعيات، وأقول مجدّدًا المسيحية والاسلامية بالإستماع إلى صوت الشعب، فالشعب يرفض هذه الحمايات.
5 – الدولة
الدولة هي المسؤولة، اولاً وأخيراً، عما وصل اليه الوضع؛ ولا يحق لها اتّهام المصارف او المركزي او المستفيدين والنأي بنفسها وكأن لا دخل لها/ فهي التي سمحت بهذه السياسات الفاسدة.
ولكن الدولة مسؤولة برجالاتها وبالأشخاص الذين استلموا المسؤوليّات فيها، وليس بأملاكها التي تعود للناس وليس لرجالاتها. فقصاص الدولة أو حصّتها تكون برجالاتها، وليس بفقدانها املاكها واصولها، وبالتالي يقع القصاص مجدداً على الناس، ويتمّ اعفاء الفاسدين لا بل مكافأتهم بوضع يدهم هذه المرّة ليس فقط على اموال الدولة والناس بل على املاك الدولة والناس وهذا جرم مضاعف ولن نسمح به.
نحنا من فترة طويلة، وفي ورقة قدّمناها في ايلول 2019، وكرّرناها مؤخراً، طرحنا ان تؤسّس شركة قابضة او صندوق ائتماني سيادي (دون الدخول الآن بالتفاصيل التقنيّة)، يدخل فيه /بالاسهم/ المصارف والمودعين الكبار كوسيلة للحفاظ على اي حقوق لهم مع امكانية تحقيق ارباح بسيطة لهم، ويدخل فيه المستثمرين الراغبين مع اعطاء الأولوية للمنتشرين اللبنانيين، على ان يمتلك هذا الصندوق اصولاً واملاكاً عائدة للدولة وقابلة للتصرّف بها، مع انشاء املاك اضافية كردم البحر، واستثمار هذه الأصول، دون خسارة الدولة الحق السيادي عليها ولا خسارتها الاكثرية اللازمة لحفظ هذا الحق؛ استثمارها بشكل يؤمّن 1) المداخيل والسيولة اللازمة للدولة، 2)الخدمة الجيدة للمواطنين، 3) العدالة والمساواة بين المناطق والناس؛ على الاّ تتمّ اي عملية تسييل او مشاركة مؤقتّة الاّ بما يتلاءم مع مصلحة الدولة والأسعارالرائجة عالمياً.
بهذا الشكل تساهم الدولة بالخسارة وتحافظ بنفس الوقت على حقوق الناس وتوفّر فرص الاستثمار والتعويض لهم.
– الخطّة الاقتصاديةIII
ما قدّمته هو تحديد للخسائر وتوزيعها، وكأنّها تشخيص للمرض وكل علاج يبدأ بالتشخيص. (اي تحديد المسببات المرضيّة والمسببين). حق الشعب المتألّم ان نصارحه ولكن واجبنا ان نجد الحلول؛ ونحن اوجدناها بالحكومات السابقة وحاربنا لادخالها بالموازنات وبتصحيح السياسات وكنا نواجه بالرفض دوماً، دون وجود الاكثرية اللازمة لنا، الاّ ان هذا لم يمنعنا من تقديم الحلول دائماً؛ وقد قدّمنا افكارنا هذه المرّة ايضاً واوّل ورقة رفعناها في زمن هذه الحكومة في 19/2/2020، وقد طوّرناها مؤخراً ومستعدين للتحدّث عنها عندما يلزم، ولكن نترك الأمر للحكومة كونها هي المسؤولة ونحن جاهزين لأي مساعدة عندما تطلب وجاهزين لأي انتقاد عندما يلزم.
انّما نقول 3 أمور:
1 – نطالب بالاسراع بإقرار خطة الحكومة ولا يجب ان يتعدّى الأمر هذا الأسبوع كما وَعَدت، والتوجّه بعدها الى المؤسسات الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي لمفاوضته قبل ان لا يعود لنا دور مع طحشة الكورونا العالمية؛ نفاوضه للحصول على الشروط التي تناسبنا والتي في نفس الوقت تقيّدنا لتنفيذ الاصلاحات اللازمة لنا.
2 – وجوب اعتماد سياسة انقاذيّة متكاملة فيها: 1 – النقدي و 2- المالي و 3 – الاقتصادي و 4- الاجتماعي و 5 مقدّرات الدولة وطاقاتها وثرواتها.
لن ادخل الآن بالتفاصيل ولكن اقول ان فيها الـ Capital control الذي هو واجب لوقف التسرّب المالي، وفيها حماية كلّ المودعين وخاصة الصغار، وفيها اعادة هيكلة الدين وتخفيض كلفته، وفيها تصغير العجز في الموازنة وصولاً لتصفيره من خلال وقف الهدر وضبط المداخيل واقفال المؤسسات غير المنتجة، والتضخّم في القطاع العام وحل مشكلة الكهرباء، وفيها تحويل الاقتصاد الى منتج من خلال مشاريع محدّدة في الزراعة والصناعة والسياحة واقتصاد المعرفة والخدمات تؤدّي الى تخفيض العجز التجاري، وفيها توفير شبكات الحماية الاجتماعية وتأمين رزم المساعدات للفقراء وخلق برامج المساعدة الاقتصادية، وفيها التشركة لمؤسسات الدولة واشراكها مع القطاع الخاص لتصبح اكثر انتاجاً وفعالية وخدمة سوية.
3 – وأخيراً، نطالب الحكومة ان تُقدم ولا تتراجع، فما يعانيه الوطن والشعب انما يعانيه كل الوطن وكل الشعب، ولا طائفية ولا استهداف ولا انقلاب بالفقر؛ بل هي حجج واهية للهجمة على الحكومة لأنها بدأت بالتشخيص والاجراءات فاجتمع عليها المتضرّرون من المساءلة. نحن نعاني واقعاً مؤلماً وعلينا القتال من دون مهادنة لاخراج شعبنا منه، من دون اي حساب بل بمحاربة من يعيق عملية الانقاذ هذه. نحن التيار نعمل لصالح شعبنا وليس لشعبيّتنا ودفعنا ثمن ذلك ومستعدون لأكثر شرط الخلاص والخلاص ممكن وهو آتٍ. الخلاص آتٍ ان اعتمدت هذه الخطة الكاملة، والهلاك حتمي ان منعوا تنفيذها وعلى اللبنانيين الخيار بين الخلاص والهلاك.