💟🌷✝🌷💟
تفسير مُعمَّق من الآباء والقديسين لشفاء الأبرص (مرقس ١: ٣٥-٤٥)
إخراج شياطين
“وفي الصباح باكرًا جدًا، قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء، وكان يصلي هناك. فتبعه سمعان والذين معه. ولما وجدوه قالوا له: إن الجميع يطلبونك. فقال لهم: لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناك أيضًا، لأني لهذا خرجت. فكان يكرز في مجامعهم في كل الجليل ويخرج الشياطين” [35-39].
إذ قضى السيد المسيح السبت كله يعلم ويشفي ويخرج شياطين، حتى في المساء اجتمعت المدينة كلها يشبع احتياجاتها، فانه في الصباح الباكر انطلق إلى موضع خلاء ليصلي. إنه قابل الصلوات يصلي معلمًا إيانا أن نلجأ إلى الصلاة دائمًا!
المدينة التي التقت به بالأمس تطلبه، أما هو فأراد أن يذهب إلى القرى المجاورة ليكرز فيها ويعمل لأجلها. لم يرد أن يحصر عمله في مدينة معينة، بل يشرق بأشعة محبته على كل موضع، طاردًا عنهم الشياطين وكل القوات المقاومة.
يرى البعض مثل الأب ثيوفلاكتيوس أن هذا النص قد حمل أيضًا معنى رمزيًا، ففي الصباح الباكر جدًا قام المسيح وخرج خلال تلاميذه إلى الأمم كما إلى موضع خلاء. حقًا لقد تبعه سمعان والذين معه يمثلون المؤمنين من اليهود الذين قبلوه والذين اشتاقوا نحو خلاص بني أمتهم، لكن الأمر قد صدر “لنذهب إلى القرى المجاورة”، أي لننطلق للعمل وسط الأمم! وقد أكد الرسول “كان يكرز… ويخرج الشياطين”، مقدمًا مملكته، ومحطمًا مملكة الظلمة.
تطهير أبرص
أشرق السيد بأشعة محبته، فجاءه الكثيرون من بينهم أبرص يستنكف الكل من اللقاء معه، ويخشى الجميع أن يلمسوه لئلا يتنجسوا. جاءه مؤمنًا به أنه فوق الناموس، يقدر أن يُطهر من البرص إن أراد، إذ يقول: “إن أردت تقدر أن تطهرني” [40].
كأنه يقول: الناموس يفضحني، ويكشف ضعفي، ويعلن نجاستي فينفر الكل مني، أما أنت فوحدك إن أردت تقدر أن تطهرني. لم يسأله أن يطلب من الله ليشفيه، إنما يعرف من هو، إنه ذاك الذي يريد فيُطاع!
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يقل “طهرني” بل ترك كل شيء بين يديه، وجعل شفاءه رهن إرادته، شاهدًا له بسلطانه.]
لقد جثا الأبرص، معلنًا خضوعه بالجسد كما بالروح، ولم يحتمل الرب انسحاقه بل “تحنن… ومد يده ولمسه، وقال له: أريد فأطهر” [41]. أعطاه من حنانه وحبه قبل أن يهبه الشفاء والتطهير.
كان يمكن أن يقول كلمة فيطهر، لكنه في حنان مدّ يده ليعلن أنه الخالق الذي يتحنن على خليقته، مميزًا بين المرض والمريض، والخطية والخاطي… إنه يبسط بالحب يده ليلمس كل إنسان مهما كانت نجاسته حتى يطهره. هذا وقد أراد أن يعلن أنه واضع الناموس وربه، لا يتنجس بلمسة أبرص، بل يهرب البرص من لمسته.
ولعله لمس بيده المترفقة ثم قال: أريد فأطهر ليعلن حاجة العالم إلى لمسة الحب العملية ملتحمة بالوصية بل وسابقة لها.
ولعل مدَّ يده هنا يشير إلى تجسد الكلمة، فإن كان الأبرص يشير إلى آدم الذي أصابه برص الخطية ومحبة العالم كتلميذ إليشع “جيحزي”، فانه يحتاج إلى تجسد الكلمة ليطهره من برصه!
📖 كلمات من نور 🕯 {إيمان وحنان}
وأتاه أبرص يتوسّل إليه، فجثا وقال له: “إن شئت فأنت قادر أن تطهرني!”. فتحنّن يسوع ومدّ يده ولمسه وقال له: “قد شئت فاطهر!”. (مر ١ : ٤٠ – ٤١)
وأتاه أبرص: هناك بُرص، بَرصهم داخلي، يسترونه بتديّنهم الكاذب، وأخلاقهم المزيفة، وتقواهم السطحية.
لا يقتربون من الربّ، ويمنعوا الأبرص بجلده، من أن يقترب منهم.
يحكمون عليه ويُبعدونه عنهم، ويفرّغوه بنظراتهم وأحكامهم، من كرامته الإنسانية، فتصبح حالته هويته، أبرص.
يتوسّل إليه: سمع أبرص الجلد المطرود المهمّش، باسم يسوع، نزع خوفه، وهمّ باتجاهه، يدفعه إيمان أقوى من كل عاصفة… علم أن يسوع وحده يشفيه من حالته، ويستعيد له هويته وكرامته الإنسانية المفقودة…
فجثا وقال ليسوع: إن شئت فأنت قادر أن تطهرني!. ما أعظم الإيمان، لا يطلب فيه المرء تلبية مصلحته وحاجته، بل يضعها بحضرة الربّ ويترك الأمر لمشيئته. بذلك يطلب أولاً ملكوت الله وبرّه… ثم ينال مطلبه.
فتحنّن يسوع: الإيمان يفجّر ينابيع الحنان، أُعجِب يسوع بإيمان الأبرص، لأنه لم يعطي الأولويّة للتخلّص من برصه، بل لمشيئة ☝ الربّ الواقف بحضرته.
ومد يده ولمسه: الإيمان الحقيقي يقود صاحبه ليطرح ذاته أمام شخص يسوع، ليستمد منه العفو والغفران، وينعم بلمسة من يده تنشله من واقع المأساة والبؤس، إلى حالة الجمال والنعمة.
قد شئت، فاطهُر: مشيئة الربّ هي أن يطهّرنا من بَرصِنا الداخلي والخارجي. لكن من يُخفي برصَه ولا يعرض نفسه عليه، يموت في برصه.
المجد والحمد والتسبيح والشكران، لكَ أيها الربّ يسوع المسيح. يا من رغبة قلبك تطهيرنا، من البرص الذي يصيب جلدنا، والبرص الذي يصيب بصيرتنا، ونفسيّتنا، وذهننا، وضميرنا، وعلاقاتنا وإخلاقنا…
المجد لك، لأنك تحترم حريتنا، ولا تشفينا إلا إذا فتحنا قلوبنا لك، وقصدناك، طالبين ملكوتك وبرّك، وأن تحقّق فينا مشيئتك… فتمدّ يدك، وتلمس جلدنا، وعمق كياننا، وتشفينا، وتجعل من كل منا يدك الممدودة للخدمة والعطاء… الحمد والمجد والشكر لك…
👈 صلاة القلب ❤
يا ربّي يسوع، اتوسّل إليك، واسجد عند قدميك، إن شأت فأنت قادر أن تطهّرني.
يا ربّي يسوع، بندى نعمتك، وطيب حنانك، طهّر فكري وقلبي وبصري وبصيرتي، وحواسي، ونفسي، من برَص الخطيئة، الذي يُبعدني عنك، ويبعدني عن إخوتي البشر…
يا ربّي يسوع، اجعل يدي مثل يدك، تحمل للآخرين خصوصاً للأكثر حرمانا وبؤسًا… لمسات حنانك، وخيرات ملكوتك…
لتكن أيامه زمن صوم وتوبة وصلاة وتأمل بكلمة الربّ، وخدمة صادقة.
من منّا ليس فيه برص ما ؟
الفرق أنّنا لا نحمل جرسًا ظاهرًا، ولكن، كم من الأشخاص يدوسون كرامتنا لبرصٍ ما فينا؟
وكم هم عميان عن برصهم بالّذات، فيبتعدون عنا ويرموننا في القفر دون أن يرفّ لهم جفن؟
الأمثلة والحالات كثيرة.
اليوم، الحالة ملحة جدًا:
تعالَ، أنتَ وأنتِ وأنا!
تعال…
إبحث عن يسوع – الراحة، عن يسوع – الحبّ، ولتكن لنا الجرأة فنأتي إليه ونتطهّر، لنعود فننخرط من جديد مع ذاتنا الّتي تغرّبْتَ عنه. آمين. 🙏