عَ مدار الساعة


أسئلة.. لا بقصد التعرف على الحقيقة (حوار بين الفريسيين والأعمى)


تفسير مُعمَّق من الآباء والقديسين لحوار بين الفريسيين والأعمى ( يوحنا ٩: ١٣-٢٥)

“فأتوا إلى الفريسيين بالذي كان قبلاً أعمى”. [13]
كنا نتوقع أن ينشغل الجيران بالبحث عن صانع المعجزة ليتعرفوا عليه ويتمتعوا به، لكنهم أمسكوا بالأعمى وأتوا به إلى الفريسيين، وكأنه مشترك في جريمة. قادوه كمتهمٍ أنه قبل كسر السبت حتى ولو كان فيه خلق لعينيه.
كان الموضوع أكبر من أن يعرض على كاهن أو أكثر، فإذ هو يمس الشعب ككل قادوه إلى مجلس السنهدرين صاحب القرار الأخير والقاطع في ذهن الشعب. كان أغلب أعضائه من الفريسيين، وكان أكثرهم يبذلون كل الجهد لمقاومة يسوع. ولعل البعض أتوا به إلى المجلس ليظهروا الحق، ويكشفوا للفريسيين أن ذاك الذي يقاومونه قد خلق عيني للمولود أعمى، فيلتصقوا به عوض مقاومتهم له.
يرى البعض أن كلمة “الفريسيين” هنا تعني هيئة فرعية منبعثة عن مجمع السنهدرين الذي يضم رؤساء الكهنة مع الفريسيين. يضم المجمع هيئتين كل منهما تضم ٢٣ عضوًا، وكان لكل منهما حق المحاكمة في بعض القضايا. كان يوجد في المدن الكبرى هيئة مماثلة.

“وكان سبت حين صنع يسوع الطين وفتح عينيه”. [14]
“فسأله الفريسيون أيضًا كيف أبصر.
فقال لهم: وضع طينًا على عيني واغتسلت،
فأنا أبصر”. [15]

قدم الفريسيون ذات السؤال الذي وجهه إليه جيرانه، ولم يكن هذا بقصد التعرف على الحقيقة من مصدرها الأصلي، وإنما لعلهم يجدون علة يشتكون بها على شخص يسوع، ويشوهون بها صورته أمام الجمهور الذي التف حوله.

تأمل كيف لم يضطرب الأعمى، فلم ينكر، ولم يقل أقوالاً مخالفة لأقواله الأولى، إذ أن الفريسيين والناس الآخرين ساقوا الأعمى على أن يكون جاحدًا من شفاه، فأصابهم ما لم يريدوه بخلاف أملهم، وعرفوا أعجوبة السيد المسيح أبلغ معرفة، وقد أصابهم هذا المصاب في كل موضع من آياته. (القديس يوحنا الذهبي الفم)

جاءت إجابته على الفريسيين مشابهة لإجابته على جيرانه غير أنه لم يذكر عن السيد المسيح “صنع طينًا”، ربما لأنه لم يره وهو يصنع طينًا، حتى ولو كان بالترياق، فلم يرد أن يذكر في مجمع رسمي شهادة يمكن أن يعترضوا عليها: كيف رأى يسوع يصنع طينًا وهو أعمى؟ ولعله لم يذكر لأن صنع الطين هو عمل، فلم يرد أن يمسك اليهود على يسوع أنه كاسر السبت. ولنفس السبب لم يذكر عبارة: “وقال لي…” حتى لا يُتهم السيد المسيح كمحرضٍ على كسر الناموس بالذهاب إلى بركة سلوام والاغتسال فيها. وفي نفس الوقت في جرأة قال: “اغتسلت” ولم يخشاهم!

“فقال قوم من الفريسيين:
هذا الإنسان ليس من الله،
لأنه لا يحفظ السبت.
آخرون قالوا:
كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات؟
وكان بينهم انشقاق”. [16]

خلق عيني الأعمى كان كفيلاً أن يبكم المقاومين، لكن حدث شقاق في المجمع، فبعض الأعضاء الحرفيين في العبادة والمنشغلين بالمجد الباطل حسبوه كاسرًا للسبت، أو كاسرًا للوصية الإلهية، وعوض التمتع بشخص يسوع اضطهدوه كمجرمٍ: “هذا الإنسان ليس من عند الله”. والفريق الآخر رأوا في عمله حب فائق وتنفيذ للوصية، وأن الشفاء علامة صادقة على صدق رسالته. غير أن هذا الفريق كان يمثل قلة قليلة لا تستطيع الوقوف أمام الغالبية الثائرة.
في ختام كل تعليم أو معجزة غالبًا ما كان يحدث انشقاق بين الجموع، وكان المقاومون يحتكمون لدى الفريسيين كقضاة وأصحاب سلطة دينية. أما هنا فالانشقاق بين القضاة أنفسهم، وربما هذا أدى إلى تأجيل الحكم في أمر يسوع المسيح.

يقول يوحنا البشير “وكان بينهم انشقاق” لأن بعضهم منعهم حبهم للرئاسة عن المجاهرة بالسيد المسيح، وبعضهم أسكتهم جبنهم وخوفهم من الكثيرين. (القديس يوحنا الذهبي الفم)

لقد تعمد أن يشفي مفلوج بيت حسدا في يوم سبت ويأمره أن يحمل سريره ويمشي (يو ٥: ٨)، وأن يشفي المولود أعمى بصنع الطين وطلاء عينيه، فقد جاء في كتاب الجمارا أن من يضع دواءً داخل العين في يوم سبت يُحسب ذلك خطية، وأمره أن يذهب إلى بركة سلوام ليغتسل. وكما يقول لايتفوت Lightfoot أن يسوع المسيح كسر السبت من نواحٍ كثيرة. أما كان يمكن أن يحقق الشفاء في غير السبت، وبدون هذه الأعمال؛ فلماذا أصر على الشفاء في السبت؟ لقد فعل ذلك لإبراز مفهوم السبت، إنه راحة في الرب، في ممارسة عمل الرب من حب ورحمة، وليس في حرفية قاتلة بالامتناع عن الأعمال اليومية الضرورية وأعمال المحبة.

الذين طردوه استمروا عميانًا، إذ أثاروا اعتراضات على الرب أنه كان سبت عندما صنع طينًا من التفل وطلي عيني الأعمى. فعندما شُفي الأعمى بكلمة، فتح اليهود بابًا لإثارة اعتراضات…
لقد كسر الرب السبت (حرفيًا) لكنه لم يكن مذنبًا.
ماذا يعني قولي: “لقد كسر السبت”؟ هو النور الذي جاء فأزال الظلال. فقد فرض الرب الإله السبت. فرضه المسيح نفسه الذي كان مع الآب عندما أُعطي الناموس، لقد فرضه كما في ظلٍ لما يحدث بعد ذلك. “فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التي هي ظل الأمور العتيدة” (كو ٢: ١٦، ١٧)…
لماذا تبهجنا الظلال؟ افتحوا أيها اليهود أعينكم، فإن “الشمس” حاضرة.
“نحن نعلم” [٢٤]. ماذا تعلمون أيها العميان القلب؟ “إن هذا الإنسان ليس من الله، لأنه لا يحفظ السبت” [١٦].
السبت أيها التعساء عينه هو الذي وضعه المسيح الذي تقولون عنه أنه ليس من الله. أنتم تحفظون السبت بطريقة جسدانية، إنه ليس لكم تفل المسيح على أعينكم، أنتم لم تأتوا إلى سلوام، ولم تغسلوا وجهكم وتستمرون عميانًا. إنكم عميان عن الصلاح الذي لهذا الأعمى الذي لم يعد بعد أعمى لا بالجسد ولا بالقلب… “لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون، ويعمى الذين يبصرون” [٣٩].

بالأحرى لقد حفظ السبت، إذ كان بلا خطية. فإن هذا هو السبت الروحي، أن يكون الشخص بلا خطية.
في الحقيقة يا اخوة هذا ما حثنا عليه الله عندما أمرنا بالسبت: “عملاً ما من الشغل (العبودية) لا تعملوا” (لا ٢٣: ٨). الآن ارجعوا إلى الدروس السابقة واسألوا ماذا يعني بعمل العبودية servile work، واصغوا إلى الرب: “إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية” (يو ٨: ٣٤). (القديس أغسطينوس)

“قالوا أيضًا للأعمى:
ماذا تقول أنت عنه من حيث أنه فتح عينيك؟
فقال: إنه نبي”. [17]

لقد ألقوا بالشباك أمام الأعمى لكي ينكر أن يسوع هو المسيا، حتى لا يتعرض للطرد من المجمع وربما للقتل.
بعد استفسارهم عن طريقة شفائه سألوه عمن وهبه الشفاء، وما رأيه الشخصي فيه، وفي تصرفاته. كانوا يضغطون عليه ليجيب ولو بالسلبية كما فعل والداه، فيقول أنه قدم معلوماته عن شفائه، وأنه يترك التقرير في يد القيادات الدينية ليحكموا. لكنه خيَّب آمالهم وكرَّم واهب الشفاء. بحسب قانونهم الجديد حكموا عليه بالطرد ليكون مثلاً يُعتبر منه الآخرون.
كان هذا الأعمى مثل المرأة السامرية (يو ٤: ١٩)، كلاهما ظنا أنه نبي قبل أن يتعرفا على حقيقة شخصه أنه المسيا “قدوس القديسين” واهب البرّ الأبدي. لقد بدأ النور يشرق في قلبه، في بصيرته الداخلية كما أشرق في عينيه الجسديتين. بقوله: “إنه نبي” خشي الفريسيون من إدراك ما ورد في سفر دانيال أن القادم بعد قرابة ثلاثة قرون والشعب في ظلمة بلا نبي من قبل الله خاتم الرؤى والنبوات، المسيا الأبدي الذي تنتظره كل الأجيال. “سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة، لتكميل المعصية، وتتميم الخطايا، ولكفارة الإثم، وليؤتي بالبرّ الأبدي، ولختم الرؤيا والنبوة، لمسح قدوس القديسين” (دا ٩: ٢٤).

لاحظوا حكمة الرجل الفقير فقد تحدث بأكثر حكمة من جميعهم. قال أولاً: “إنه نبي” [١٧]. إنه لم يخشَ حكم اليهود والمعارضين الذين هم ضد السيد، القائلين: “هذا الإنسان ليس من الله، لأنه لا يحفظ السبت” [١٦]. لقد أجابهم: “إنه نبي”. (القديس يوحنا الذهبي الفم)

ج. حوار بين الفريسيين ووالدي الأعمى
“فلم يصدق اليهود عنه أنه كان أعمى فأبصر،
حتى دعوا أبوي الذي أبصر”. [18]

يقصد بكلمة “اليهود” هنا السلطات الدينية، خاصة الفريسيين وأعضاء مجمع السنهدرين. إنهم لم يصدقوا أنه وُلد أعمى، فاستدعوا والديه للتأكد أنه ابنهما، وأنه وُلد أعمى، لعلهم يجدون علة بها يقللون من شأن المعجزة أمام الشعب.

لاحظوا بكم من الطرق حاولوا أن يطمسوا المعجزة بالظلمة ويزيلوها. ولكن هذه هي طبيعة الحق، بذات الوسائل التي يُهاجم بها من البشر، يصير الحق أقوى، ويشرق بذات الوسائل التي تُستخدم لطمسه. (القديس يوحنا الذهبي الفم)

“فسألوهما قائلين:
أهذا ابنكما الذي تقولان أنه وُلد أعمى،
فكيف يبصر الآن؟” [19]

إذ لم يحتمل هؤلاء القادة نور الحق قدموا سؤالاً للوالدين في أسلوب يحمل عجرفةً وتهديدًا، فلم يكتفوا بالشر، وإنما بثوا الرعب وسط الشعب لكي يشاركوهم جحودهم للمسيا ورفضهم للحق الإلهي.

لم يقولوا: “الذي كان في وقت من الأوقات أعمى”، لكنهم قالوا: “الذي تقولان أنه ولد أعمى”، فقاربوا أن يقولوا: الذي جعلتماه أنتما أعمى. (القديس يوحنا الذهبي الفم)

“أجابهم أبواه وقالا:
نعلم أن هذا ابننا،
وأنه وُلد أعمى”. [20]

لم يخجل والداه من الاعتراف بأنه ابنهما الذي بسبب الفقر مع العمى كان يستعطي، وإذ لم يكونا شاهدي عيان لشفائه تهربا من الإجابة عن كيفية إبصاره خشية طردهما من المجمع.

“وأما كيف يبصر الآن فلا نعلم،
أو من فتح عينيه فلا نعلم.
هو كامل السن اسألوه،
فهو يتكلم عن نفسه”. [21]

حقًا لم يكونا شاهدي عيان، لكنهما حتمًا قد عرفا وتأكدا من ابنهما نفسه، أن يسوع هو الذي شفاه. استخدما الحكمة البشرية ففقدا نعمة الشهادة للسيد المسيح، وحُرما من تقديم ذبيحة شكر وشهادة حق لصانع الخيرات. خشيا البشر فنصبا شركًا لنفسيهما ولابنهما، وكما يقول الحكيم: “خشية الإنسان تصنع شركًا، والمتكل على الرب يُرفع” (أم ٢٩: ٢٥).

“قال أبواه هذا، لأنهما كانا يخافان من اليهود،
لأن اليهود كانوا قد تعاهدوا
أنه إن اعترف أحد بأنه المسيح يخرج من المجمع”. [22]

الطرد من المجمع يعني عزله عن جماعة المتعبدين ويسمى ذلك nidui، وهو أقل أنواع الحرومات عند اليهود. أما الأناثيما cheram, anathema فأُستخدم ضد المسيحيين بعد القيامة.
كانت عقوبة الاعتراف بيسوع أنه المسيح هي الطرد من المجمع، إذ يُحسب كمن قد ارتد عن الإيمان اليهودي، فعزل نفسه عن الجماعة، ويُحسب متمردًا وخائنًا للقيادة الدينية. بطرده يدرك الشخص أنه غير أهلٍ لكرامة الانتساب إلى شعب الله، وعجزه عن التمتع بامتيازات إسرائيل.
لهذا الطرد نتائجه الخطيرة: الحرمان من العبادة العامة مع الشعب، والتطلع إليه ككاسرٍ للشريعة، فيُحرم من ممارسة العمل التجاري، كما يفقد حريته، وتُصادر ممتلكاته.
لم يعد الطرد من المجمع بالأمر الشرير. هم يُطردون والمسيح يستقبلهم. (القديس أغسطينوس)

“لذلك قال أبواه:
إنه كامل السن اسألوه”. [23]

إذ سألوهما ثلاثة أسئلة: هل هو ابنهما؟ وهل ولد أعمى؟ وكيف أبصر؟ اعترفا بإجابة سؤالين فقط، وما ذكرا إجابة للسؤال الثالث، وفعلهما هذا صار من أجل الحق، حتى لا يعترف آخر إلا من نال الشفاء نفسه.
القديس يوحنا الذهبي الفم

د. حوار ثان بين الفريسيين والأعمى
“فدعوا ثانية الإنسان الذي كان أعمى، وقالوا له:
اعطِ مجدًا لله،
نحن نعلم إن هذا الإنسان خاطئ”. [24]

استدعوا الأعمى للمرة الثانية وتعاملوا معه بوقارٍ شديدٍ وتكريمٍ ليكسبوه في صفهم، قالوا له: “أعط مجدًا لله”، أي لتقسم باسم الله أن تنطق بالحق. ثم حاولوا أن يملوا عليه لينطق بما يريدونه وهو أنه متظاهر كنبي وأنه معتد على الناموس، فإنه بهذا يسرهم، فينال منهم كرامة. ويرى البعض أن هذا إجراء ديني قانوني مؤداه أنه مزمع أن يصدر حكم خطير ضده، إي قطعه من شعب الله أو الحكم عليه بالموت. وكأنهم يشهدون الله عليه قبل قطعه أو موته.
لعلهم بقولهم هذا عنوا هذا: “إنه رجل خاطئ وشرير، فأعطِ مجدًا لله بالأكثر، لأنه استخدم هذا الرجل أداة ليعمل به”.
أرادوا أن يتشبهوا بيشوع عندما حكم على عاخان بالرجم إذ سأله أولاً: “أعطِ مجدًا للرب” (يش ٧: ١٦)، وطلب منه ألا يخفي شيئًا عنه، بل يعترف بما فعله حيث صار “حرام في وسط إسرائيل”.
سبق أن أعلن السيد المسيح مجاهرة: “من منكم يبكتني على خطية؟” في حضوره لم يجسر أحد أن يتهمه، لكن من ورائه كانوا يقولون: “نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ” [٢٤].

لم يقولوا للأعمى قولاً في ظاهره يخلو من الخجل بأن ينكر أن السيد المسيح أبرأه، بل أرادوا أن يخترعوا هذا الجحود بشكلٍ ورعٍ، لأنهم قالوا له: “أعطِ مجدا لله” وفي قولهم هذا وقاحة ظاهرة.
إذ يقولون للأعمى عن السيد المسيح: “نحن نعلم إن هذا الإنسان خاطئ” أخاطبهم: كيف لم توبخوا السيد المسيح عندما قال: “من منكم يبكتني على خطية؟” (يو 8: 46)؟! من أين عرفتم أنه خاطئ؟ (القديس يوحنا الذهبي الفم)

ماذا يعني “أعط مجدًا لله”؟ اجحد ما قد نلته. فإن مثل هذا التصرف لا يمجد الله بل هو تجديف عليه. (القديس أغسطينوس)

“فأجاب ذاك وقال:
أخاطئ هو لست أعلم،
إنما أعلم شيئًا واحدًا،
إني كنت أعمى والآن أبصر”. [25]

لم يشغل هذا الفقير أن يسر القيادات الدينية ولا أن ينال منهم كرامة، إنما في بساطة نطق بالحق، فصار شاهدًا حقيقيًا لشخص السيد المسيح.
كأنه يقول لهم أن شخصية من شفاني ليست موضوع حوار وجدال، فأنا في غنى عن هذا الجدال. عمله لا يحتاج إلى حوارٍ، ما أعرفه أنني كنت أعمى والآن أبصر. هذه هي خبرتي معه. أو كأنه يقول لهم إن كنتم تدَّعون أنه خاطئ، فهذا ما لا علم لي به، إنما ما أعرفه هو ثقتي فيه التي ترفض تمامًا ما تقولونه عنه. والخبرة العملية هي أعظم وأقوى من الحوار النظري. هذه هي خبرة المؤمنين الحية، وكما يقول الرسول بولس: “لأنكم كنتم قبلاً ظلمة، وأما الآن فنور في الرب” (أف ٥: ٨).
أرادوا تحويل عمل المسيح إلى حوارات تناقشها الجماهير فتنشغل بالحوار لا بالشركة الحية مع المسيح، أما المولود أعمى ففضل خبرة الحياة الجديدة المستنيرة عن الانشغال بمناقشات غبية.

هل بالحق لم يكن الأعمى مرتعبًا؟ لم يكن هذا هكذا. فكيف ذاك الذي قال: “إنه نبي” [١٧]، يقول الآن: “أخاطئ هذا لست أعلم” [٢٥]؟

قال هذا ليس لأنه هكذا كان فكرة، ولا ليقنع نفسه بهذا، وإنما رغبة في تبرئة السيد من اتهاماتهم خلال شهادة الحقائق وليس بإعلانه هو عنه، حتى يجعل دفاعه قويًا عندما يشهد العمل الصالح نفسه ضدهم. لذلك بعد حديث طويل قال الأعمى: “لو لم يكن بارًا لم يقدر أن يفعل مثل هذه المعجزة” [راجع ٣٣]، ثاروا وقالوا له: “في الخطايا وُلدت أنت بجملتك وأنت تعلمنا؟” [٣٤]. فلو أنه قال هذا من البداية أي شيء كانوا لا يقولونه؟ أو أي شيء كانوا لا يفعلونه؟
“أخاطئ هو لست أعلم” [٢٥]؛ كأنه يقول: “لست أقول شيئًا في صالح هذا الشخص، لا أقدم تصريحًا عنه حاليًا، لكن هذا بالتأكيد أعرفه وأؤكده أنه لو كان خاطئًا لما فعل مثل هذه الأمور”.

هكذا حفظ نفسه بعيدًا عن الشكوك، فلا تفسد شهادته، ولا يتكلم عن تحيز، بل يقدم شهادات خلال الواقع. (القديس يوحنا الذهبي الفم)

وَالمَجْد لِيَسُوعَ الۤمَسِيح… دَائِماً لِيَسُوعَ المَسِيح

📖 كلمات من نور 🕯

وعاد الفرّيسيون يسألون الشّاب الأعمى كيف أبصر، فقال لهم:”وضع طينًا على عينيَّ، واغتسلتُ، وها أنا أبصِر”. (يو ٩ : ١٥).

الطّين: تفل يسوع بالتراب، وجبله فصار طينًا يشبه العجين.
لعاب فمه، يرمز إلى الحبّ والحياة.
الاغتسال: المياه ترمز إلى الطبيعة البشريّة، وترمز إلى الحياة، وترمز أيضًا إلى مياه العماد التي قدّسها المسيح بدنحه، والتي تقدّسها الكنيسة بالميرون، ليولد منها المُعَمّدون ويصبحون أبناء النّور.

أنا أبصر: هذا الأعمى شفاه يسوع على مراحل، أولاً شفى عيني جسده، رغم ذلك لم يعرف يسوع، لكنه أعترف أنه نبيّ، وأنه آت من عند الله.

المجد والحمد والتسبيح والشكران، لك أيها الربّ يسوع المسيح. يا من بتفلتك سكَبتَ الحياة منك، وجبلتَ التراب، وخلقتَ النّور في الشّاب الذي وُلد أعمى.
المجد لك، لأنك بفعلِك هذا أظهرتَ وجه الآب ☝ وعمَلتَ أعماله، وبيّنتَ أنك نور من نوره الأزلي.
المجد لك يا من بدنحك غسلتنا، ونقّيتنا، وما زلت تستقبلنا لتنقّينا دائمًا بماء دموع التوبة، لتجدّد معموديّتنا، وتعيدَ لنا جمالنا وبهاء صورتِك فينا وتنير بصرنا وبصيرتنا، لنعرِفك، ونصبح لك تلاميذ…
كل الحمد والمجد والشكر لك…

👈 صلاة القلب ❤

يا ربّ وإلهي يسوع المسيح، يا من جبَلْتني بحبّك، أشكرك.
يا ربّ وإلهي يسوع المسيح، يا من أنرتَ بصري وبصيرتي، بنورك، احمدك…
يا ربّ وإلهي يسوع المسيح، يا من غسلتني بمياه دنحك، اغسلني دائما بدموع توبتي.
يا ربّ وإلهي يسوع المسيح، نوّرني بروحك 🔥 لأبصرك وأعرفك وأحبك.

👈 نيّة اليوم: نصلّي إليك يا ربّ لترطّب ترابنا كل حين بندى رحمتك، لنبقى ننبض بالحياة، ونشهد أنك أنت الحبّ ونور الحياة.

يا يسوع أنرني بنور دنحك. 🕯