أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


رؤى القديس دون بوسكو و”رؤيا العمودين”: ينتظر الكنيسة إضطهادات وخلاص المؤمنين بوسيلتَين “مريم والقربان الأقدس”

 ♰ الجزء الثاني… الورد يمثّل المحبّة، البنفسج التواضع، السوسن التقشّف، الزنبق العفاف

* *

من هو دون بوسكو؟

القديس يوحنا بوسكو كان كاهنًا في أبرشية تورينو (دون هو لقب يُعطى للكاهن) ، حيث يوجد كفن المسيح . وهو مؤسس رهبانية السالسيين (الساليزيان) ، نسبةً لشفيعهم القديس فرنسيس دي سال). أنعم الله عليه منذ حداثته بكثير من الأحلام او الرؤى التي كانت نبؤات تخص مستقبله ومستقبل رهبانيته بل ومستقبل الكنيسة .
كان دون بوسكو يمارس نشاطًا رعويًّا من نوع خاص، يهدف إلى جمع وتنشئة الشبان المشرّدين، يعاونه في ذلك عدد من الكهنة والعلمانيين، وكان الكهنة يؤلّفون معه جماعة يرئسها دون بوسكو نفسه ويُشرف عليها الأسقف.
توفي دون بوسكو في 31 كانون الثاني 1888 على عمر 73 سنة ودفن في كنيسة سيدتنا مريم العذراء معونة النصارى في تورينو. واعلنه البابا بيوس الحادي عشر قديساً في اول نيسان 1934. احلام دون بوسكو صارت حقيقة وتلك البذرة صارت شجرة كبيرة تنتشر حتى بلغت 133 دولة منتشرة في قارّات العالم الخمس يحتمي في ظلّها ملايين من الشبّان في العالم بنعمة الرب وبعمل الروح القدس. واصبح دون بوسكو شفيع الشبيبة والطلبة.

1- «هذا هو مجال عملك..»

في سن التاسعة حصل دون بوسكو على الرؤيا الأولى فيها شاهد السيد المسيح والسيدة العذراء بوضوح شديد فيها أظهرا له ما هي مهمّته في المستقبل . «حلمتُ وأنا في سِنّ التاسعة حلماً ظلًّ راسخاً في أعماق نفسي طوال حياتي. بدا لي في هذا الحلم أني بالقرب من دارنا، في ساحة كبيرة جداً تجمع فيها حشد من الصبيان يلعبون. وكان بعضهم يضحك وكثير منهم يكفرون، فلما سمعت ذلك الكفر ألقيت بنفسي لوقتي بينهم، مستعملاً قبضتي وصوتي لأسكتهم. فظهر عند ذاك رجل وقور عليه ثياب فاخرة. كان وجهه نيّراً جداً حتى إنه لا يقوى المرء على أن يحدّق اليه. فناداني باسمي وقال لي : – ليس بالضرب بل بالوداعة والمحبة يجبُ عليك أن تجعل منهم قدّيسين. فكلّمهم لوقتك – على شناعة الخطيئة وقيمة الفضيلة. فشعرت بالحياء والخوف، وأجبتُ أني طفل مسكين جاهل. فكفّ الصبيان عن ضرب بعضهم بعضاَ وعن الصياح وتجمعوا حول الذي كان يتكلم، فسألتُ كأني لا اعلم ما أقول : – من انت حتى تأمر بأشياء مستحيلة؟ – ما دامت هذه الأشياء تبدو لك مستحيلة، فذلك يجب عليك أن تجعلها ممكنة بطاعتك وحصولك على العلم. – كيف يمكنني أن أحصل على العلم؟ – سأجعل لك معلمة تقودك فيمكنك أن تصير عالماً. – ولكن من أنتَ؟ – أنا ابن تلك المرأة التي علّمتك أمّك أن ترفع الدعاء إليها ثلاث مرات في اليوم. وأما اسمي فاسأل أمّي عنه. ورأيت لوقتي بجانبه سيدة جليلة المنظر عليها رداء يسطع كالشمس، فدنت منّي وانا في خجل شديد، وأشارت لي بأن أتقدم، وأخذت بيدي بلطف وقالت: أنظُر! فنظرت فرأيت أن الصبيان قد تواروا جميعاً ورأيت مكانهم حشداً من الجداء والكلاب والهررة والدببة وكثيراً من سائر الحيوانات . – هو ذا المكان الذي يجب عليك أن تعمل فيه. كُن متواضعاً قوياً، وما تراه يحدث الآن لهؤلاء الحيوانات فتعمله إلى أبنائي . فأدرتُ عيني فظهر مكانَ الوحوش عدد مماثل من الحملان الوادعة تقفز وتجري وتَثغو حول ذلك الرجل وتلك المرأة كأنّها تريد أن تكرّمهما. حينئذ أخذت، وأنا لا أزال أحلم، أبكي واسأل تلك السيدة ان ترتضي شرح أمرها على وجه أوضح لأني لا أفهم معنى ذلك كلّه. فوضَعت يدها على رأسي وقالت : – في الوقت الموافق تفهم كل شيء . وما قالت ذلك حتى حدثت ضجة أيقظتني . لقد توارى كل شيْ فكنت مبهوتاً وخُيِّل اليّ أن يدي تؤلمني بسبب من اللكمات التي وزّعتها، وأن وجهي يحترق من الألم بسبب من اللطمات التي تلقّيتها من هؤلاء الصبيان .

2- «عريشة الورود»

” ذات يوم من سنة 1312 فكّرتُ مَليّاً في وسيلة أعمل بها الخير للشبيبة ، فتراءت لي ملكة السماء – تلك عبارة قلّ أن أستعملها دون بوسكو فهو يقول على العموم : رأيت في الحلم امرأة جميلة جداً . فقادتني إلى حديقة خَلَّابَة فيها حنايا مثقلة بالأوراق والأزهار . كانت تلك الحنايا تشرف على مظلّة (عريشة) رائعة تَحفُّ بها وتغطّيها شجيرات الورد المزهرة . وكانت الورود تغّطى الأرض كلّها أيضاً . قالت لي العذراء المباركة :

– اخلع حذائيك وامشِ تحت هذه المظلّة ، هذه هي الطريق التي يجب عليك أن تسلكها .
أسعدني انّي خلعتُ حذائي ، ولو دُستُ تلك الورود ، لأخذني الأسف . بدأتُ أمشي ،
ولكن رأيتُ لوقتي أنَّ الأزهارَ تُخفي أشواكاً حادّة ، فاضطُررتُ إلى التوقّف وقلت للتي تقودني :
– الآن لا بد لي من الحذائين .
فأجابت :
– أجل ، لا بُدَّ من حذائين حسنين .
فاحتذيتُ وعدتُ إلى السير . فرافقني عدد من الأصحاب وصلوا قبل قليل وسألوني أن يسيروا معي .
كانت تنزل أغصان كثيرة من فوق كأنها أقواس من الزهر ، ولم أُشاهد سوى ورود عن اليمين واليسار ، ووروداً فوق رأسي ووروداً أمامي ولكن ساقيّ كانتا تعلقان بالفروع المبعثرة على الأرض فتُجرحان . وبينما أُبعد غصناً يعترض المكان ، شككتُ جسمي فسال الدم من يديّ ومن جسمي كلّه . كانت الورود تُخفي قدراً من الشوك عظيماً .
قال لي جميع الذين رأوني ماشياً : ” دون بوسكو يمشي دائماً أبداً على الورود . كل شيء يؤاتيه على وجه حسن ” ولم يروا أن الشوك يمزّق أعضائي المسكينة .

تبعني كثير من طلاب الكهنوت والكهنة والعلمانيين الذين دعوتهم ، تبعوني فرحين ، وقد أغراهم جمال تلك االزهار ولكنهم فهموا أنّه يجب عليهم أن يتقدَّموا من خلال الشوك فَأخذوا يصرخون : ” لقد خُدِعنا ! ” فكان كثير منهم يذهبون ، فبقيتُ وحدي فاخذت أَبكي وأقول :

” أيمكنني أن أجتاز وحدي ذلك الطريق كله ؟ ” .
ولكن لم ألبَث أن نِلتُ العزاء فقد رأيتُ جمعا من الكهنة والشمامسة والعلمانيين قالوا لي :
” نحن لك بكلّ ما فينا ، نحن متأهبّون لنتبعك ” . فَعدتُ إلى السير على الطريق ماشياً أمامهم ، ففتَرت هِمّةُ أُناس منهم فقط ، فتوقّفوا ووصل معظمهم معي إلى نصف الطريق .
اجتزت المظلّة كلَّها فوجدت نفسي في حديقة رائعة ، وكان صحبي القليل الذين يتبعوني في حالة هُزال وقد شعت شعرهم ، وسال دمهم ، فهبّ نسيم خفيف فتعافوا كلهم لهبوبه . وهبَّت ريح أخرى فحدث ما يشبه السحر فوجدت نفسي يحُدق بي عدد لا يحصى من الأحداث وطلاب الكهنوت والعلمانيين المعاونين ومن الكهنة أيضاً ، فباشروا العمل معي في قيادة الشبيبة . عرفتُ بعضاً منهم في حين أنّ غيرهم كثيرين لم أعرفهم قبل .

فسألتني السيدة العذراء التي كانت لي دليلاً :
– أتعرف معنى ما تراه الآن وكلَّ ما رأيتَه قبل ؟
– لا .
ـ ان الطريق التي سلكتها من خلال الورود والشوك تمثَّل هَمّ الشبيبة التي سيجب عليك أن تحمل عبئه . الشوك هو العقبات والآلام والمضايق التي تصيبك . ولكن لا تيأس فبالمحبة والتقشف تغلب ، وتصل إلى الورود من غير شوك.
فما إِن فرغت أم الله كلامها حتى عُدت إلى نفسي فوجدتني في غرفتي .

3- «رؤيا الرسالات»

في الليلة بين التاسع والعاشر من نيسان أبريل 1336 ، حَلم دون بوسكو آخر حلم في شأن الرسالات ، فرواه بصوت متهدَّج ، لِما أصابه من التعب والإنفعال ، الأب روا وأمين سره فيليتي Viglietti . كان ذلك الحلم رؤيا للمستقبل فخمة هادئة .
” . . . فألقى نظره من أعلى قِمة إلى الأفق فرأى عدداً من الشبان كثيراً جدّاً ، يركضون حوله ويرافقونه قائلين :
– انتظرناك ، انتظرناك طويلاً جدّاً ولكنّك الآن ههنا ولن تُفلت منا . . .
قالت له راعية ترعى قطيع حملان كبيراً جداً :
– حدَّد النظر ، حدَّدوا النظر جميعاً . ماذا ترون ؟
– أرى جبالاً ثم البحر ثم تلالاً وجبالاً أيضاً وبحوراً .
قال صبيّ : أقرأ كلمة فالباريزو Valparaiso .
وقال آخر : أنا اقرأ كلمة سانتياغو Santiago .
فواصلَت كلامها : أَجَل ، إذهب من هذا المكان ترَ جميعَ ما يجب على السالسيّين أن يعملوا في المستقبل . أُنظر من هنا إلى الأمام . فحدّق الأحداث فصاحوا كلُّهم صيحة واحدة : نقرأ كلمة بكين Pekin .
فقالت الراعية : الآن ارسم خطّاً واحداً من مكان آخر ، من بكين الى سانتياغو ، وارسم مركزاً في وسط افريقيا ، فتعرف معرفة صحيحة ما يجب على السالسيّين أن يعملوا .
فصاح دون بوسكو : ولكن كيف نعمل ذلك كلّه ؟ إنّ المسافات كبيرة جدّاً والبلاد عسيرة المنال والسالسيّين قليلون .
– لا تضطرب . إِن ابناءك يصلون إِليها ، أبناء أبنائك وأبناؤهم . ارسم خطّاً من سانتياغو في وسط افريقيا . ماذا ترى ؟
– عشرة مراكز محطّات .
– أجل ، إِن هذه المراكز التي تراها ستكون مراكز درس ، أو دياراً لطالبي الحياة الرهبانية وتُخرج جماعات من المبشرين ليسدّوا حاجات هذه البلاد. والآن التَفِت نحو الجهة الاخرى . إِنك ترى عشرة مراكز أُخرى من وسط أفريقيا إلى بكين ، وسوف تُخرج هذه المركز أيضاً مرسلين لجميع هذه البلاد . هنا بكين وهناك كلكوتا Calcutta ثم هنالك مدغشقر Madagascar . سيكون لهم ولبضعة غيرهم بيوت ومراكز للدروس وأديار لطالبي الحياة الرهبانية ” .
لما بلغ دون بوسكو اجله الأخير كان 128 سالسيّا وخمسون بنتاً للسيدة مريم العذراء معونة المسيحيين يعملون في أمريكا اللاتينية . كانوا قد رَسّخوا أقدامَهم في خمس أُمم : الارجنتين والاوروغواي والبرازيل والشيلي والاكوادور ، ففي 13 سنة تَمَّ عمل عظيم .

4- «رؤيا هنا بيتي ومن هنا ينطلق مجدي»

قال دون بوسكو عن هذا الحلم انه: «رأيت جيشاً من الذئاب ، فأردت الهروب ، ولكن امرأة عليها ثياب الراعية ، اشارت لي بان أصحب هذه العصابات الغريبة ، وكانت تسير في المقدمة . قطعنا ثلاث مراحل ، وفي كل وقفة كان كثير من هؤلاء الذئاب يتحوَّلون الى حملان . وغلبني التعب فأردتُ القعود . ولكنَّ الراعية دعتني إِلى مواصلة السير . فاذا بنا في فسحة واسعة وبجانبها رواق داخليّ وفي آخره كنيسة . كان عدد الحملان يزداد كثيراً ، وجاء رعاة آخرون ليحرسوها ، ولكن قليلاً يثبتون ، فحدث عند ذاك أشياء غريبة . تحوّل كثير من الحملان إِلى رعاة ، وعُنوا بالآخرين . دعتني الراعية إلى أن أنظر نحو الجنوب ، فنظرت فرايت حقلاً … فقالت لي : «أُنظُر مرة أُخرى …» فرأيت كنيسة رائعة كبيرة … وفي داخل تلك الكنيسة شريطاً أبيض كُتب عليه بأحرف كبيرة :«هنا بيتي ، ومن هنا ينطلق مجدي». وختم دون بوسكو كلامه بعد : «لم أُومن بذلك كثيراً . ولكنّي فهمتُ الأمور كلّما تحققت بعدئذ. فقام هذا الحلم وحلم آخر مقام برنامج في الأمور التي عزمت عليها».

5- «رؤيا القديس دومينيك سافيو

رآه دون بوسكو مرة في الحُلم وقد شغلت روايته عشر صفحات من المجلد الثاني عشرة لذكريات السيرة . هذا مُلَخّصها :. «كان يُخيَّل إليَّ أَنّي على جانب سهل واسع جدّاً أزرق كالبحر لا ماء فيه : كان أشبه بالبلّور الصافي البرّاق ، وكانت تتهادى في الجو أنغام موسيقى لطيفة جدّاً . فاذا بحشد من الأحداث يظهر ، لا يُحصَى عددهم . عرفت منهم أُناساً كثيرين جدّا : لقد كانوا في المصلّى وفي معاهدنا الأخرى ، ولكن لم أَعرف أكثرهم . وكان ذلك الجمع الضخم يتقدّم نحوي ، وكان يمشي على رأسهم سافيو دومنيك فيتبعه لوقته عدد كبير جدّاً من الشمامسة والكهنة ، يقود كلُّ منهم موكباً من الأحداث . فانفصل سافيو دومنيك وحده ، ووقف قريباً جداً مِنّي حتى إنّي لو مَددتُ يدي لَلَمستُه حقاً. ما كان أَجمله ! كان عليه ثوب ناصع البياض ينحدر إِلى قدميه ، وكان يشدُّ وسطه وشاح عريض أحمر ، وكان على رأسه إِكليل من الورد وكان أشبه بملاك . سألني دومنيك سافيو :

– لماذا تظلّ صامتاً ؟ ألست ذلك الرجّل الذي لم يكن في الماضي يرتجف من شيء ، ويجابه افتراء الكذب عليه ، والأعداء والهموم والأخطار من كلَّ نوع ؟ لماذا لا تتكلّم ؟ فتمتمتُ :
– أأنت سافيو دومنيك ؟
– أنا هو . ألا تعرفني ؟ جئت لأكلّمك . كم كلَّم الواحد منا الآخر في الأرض ! كم برهنتَ لي عن صداقتك . ألَم تجمعنا المودَّة الشديدة ؟ كانت ثقتي بك كبيرة !
– ولكن أين نحن ؟ – أنت في مكان السعادة!
– لماذا لبستَ هذا الثوب البهيّ ؟ ولِمَ هذا الوشاح الأحمر على وسطك .
فأنشد صوتٌ كلماتِ الكتاب المقدس : ” إِنهم أبكارٌ يصحبون الحمل كيفما سار ” . ففهمتُ حينئذ أَن هذا الوشاح االحمر اللون كالدم هو علامة الإماتات التي بذلها ، لا بل علامة الإستشهاد الذي عاناه لحفظ فضيلة العفاف . فبياض الثوب هو علامة براءة المعموديّة المصونة .
– لماذا تَسير أَمام الآخرين ؟
– أنا سفير الله . وأمّا الماضي ، فأؤكَّد لك أن رهبانيتك صنَعت كثيراً من الخير . أترى عدد الشبان الذي لا يُحصى ؟ أنتَ الذي أنقذهم ، ، أو أَنقذهم كهنتك أو شمامستك أو الآخرون الذين جعلتهم على طريق الدعوة . ولو آمنتَ إيماناً أشدّ ووثقتَ ثقة أعظم بالرب لكان عددهم أكبر كثيراً جدّاً .
– والحاضر ؟
مدَّ دومنيك طاقة زهور إليَّ : ورد وبنفسج وزنبق وسوسن وسنبل قمح ، وشرح لي :
– قَدِّمها لأبنائك . الورد يمثّل المحبّة ، والبنفسج التواضع ، والسوسن التقشّف ، والزنبق العفاف ، والسنبل محبّة القربان المقدّس – والمستقبل ؟
– إِعلم أنَّ الله يُعِدّ أشياء عظيمة لرهبانيّتك . إِن مجداً عظيماً ينتظرها ، ولكن اسهر لئلا يخرج السالسيّون عن الطريق السويّ الذي دَلَلتهم عليه . إِذا ظل ذووك أهلاً لرسالتهم الرفيعة ، فإن المستقبل سيكون رائعا وينقذ عدداً من الناس لا يُحصى ، بشرط ان يكون أبناؤك من الذين يكرّمون العذراء القديسة ويُحسنوا التمسُّك بفضيلة العفاف التي تُرضي الله أعظم رضا .
– وأنــا ؟
– آه ، لو كنت تعلم كم من المعارك يجب عليك أن تثبت لها أيضاً . فممدتُ يدي لأمسك هذا الصبي الصغير القديس ، ولكنَّ يَديه أفلتتا مني كأنهما من الهواء ولم يمكنني أن أُعانقه . . .» .

6- «حلم الثلاث كنائس»

«ظننت نفسي في سهل كبير يملأه جمع من الأحداث غفير . كان اناس منهم يتشاجرون ، وآخرون يكفرون وكان غمام من الحجارة يجتاز الجوّ يقذفه المتشاجرون . أَزمعتُ أن أبتعد إِذ رأيتُ بالقرب مني سيّدةً قالت لي :
– «اذهب فادخل بين هؤلاء الأحداث وقم بعمل ما» .
فتقدَّمتُ ولكن ما العمل ؟ فلم يكن من موضع أُووي اليه كائناً من كان . فالتفتُّ إلى السيّدة فقالت لي : – «هذا هو الموضع »! وأَرَتني مَرجاً . – ولكن ليس هناك سوى مرج .
فأجابت : – «لم يكن لإبني وللرّسل قطعة من الأرض عرضها عرض اليد ، يضعون عليها رأسهم» . أخذتُ أعمل في هذا المرج ، فأرشد وأعظ وأستمع الى الإعترافات ، ولكن كلّ جهد أبذله يذهب أدراج الريّاح اذا لم أجد أرضاً حولها سياج ، وفيها بناء ، فأجمع فيها الأحداث . فقالت لي السيدة : – «حَدَّد النظر ». فرأيت كنيسة صغيرة منخفضة وساحة صغيرة ، وعدداً من الأحداث كثيراً ، فعدت إلى العمل ولكن الكنيسة ضاقت بي وبالأحداث ، فخاطبت السيّدة مَرَّةً أُخرى ، فأرتني كنيسة أخرى أكبر كثيراً ، وبيتاً على غير بعد منها . ثمّ سارت بي إِلى مكان غير بعيد من هناك ، الى مساحة من األرض المزروعة تكاد أن تكون تجاه الكنيسة الثانية ، ثم أضافت : – «في هذا المكان الذي فيه استشهد الشهيدان من تورينو أَفنتوري Avventore واوتّافيو Ottavio ، على هذه الكتَل من الطين التي سقاها وقدّسها دمهما أُريدُ أَن يُكرَّمَ الله تكريماً عظيماً ». وبينما هي تقول هذا الكلام ، قدَّمَت رجلها ووضعتها على المكان الذي جرى فيه الإستشهاد . دلتني عليه بدقة ، فأردتُ أن اضع فيه علامة لكي أجده عندما أعود إليه ، فلم ألقَ شيئاً حولي ، غير أَني تَذكَّرته بِدِقّة . في أثناء ذلك رأيتُ حولي عدداً كبيراً من الأحداث ظَلّ يزداد دائماً . وبينما أنظر إلى السيدة كانت الوسائل والأماكن التي تتيسّر لي تزداد أيضاً . ثم رأيت كنيسة واسعة جدّاً في ذلك المكان عينه ، الذي أشارت الي بأنّه جرى فيه استشهاد قدّيسَي الكتيبة الثيبيّة ، وحولها كثير من الأبنية ، وفي وسطها نصب جميل».

7- «رؤيا العمودين»

لعل أشهر رؤيا للقديس دون بوسكو هي تلك التي كانت حول زمننا الحاضر . قال القدّيس يوحنّا بوسكو: «رأيتُ معركةً كبيرةً في البحر: سفينة بطرس، يقودها قداسة البابا، يواكبها سفنٌ صغيرةٌ تأتمر منها، يتوجَّب عليها صدَّ هجوم السُّفن التي تشنّ الحرب ضدّها. هيجان البحر وسرعة الرّياح المُعاكسة يبدوان من مصلحة العدوّ. ولكن، في وسط البحر، رأيتُ عمودَين عاليَين يطفوان أمام سفينة البابا: على العمود الأوّل (وهو أعلى بكثير من العمود الثّاني)، خبز القربان المقدَّس مُدَوَّن عليه: خلاص المؤمنين . وعلى العمود الثّاني (وهو أقلّ ارتفاعًا من الأوّل)، تظهر عليه مسبحة وتمثال للعذراء البريئة من الدَّنَس مع لوحة مكتوب عليها: نجدة المسيحيّين . لم يكُن لسفينة البابا أيّة وسيلةٍ بشريّة للدّفاع.

وكان يتسرَّب من هذين العمودَين نوع من الرّيح تحمي السّفينة وتُصلِح كلّ الأضرار التي تتعرَّض لها. المعركة حامية : قداسة البابا يُحاول تجاوز العمودَين وسط ضربات العاصفة الحربيّة. بينما سلاح الأعداء المُعتدين يُدمَّر بشكلٍ كبير، تتحوّل المعركة إلى مجابهة مباشرة بين الأجسام. في المرّة الأولى، جُرِح البابا بجرحٍ خطير ولكنّه شُفيَ. في المرّة الثّانية … قُتِل وسط ابتهاج العدوّ.

إنتُخِب البابا الجديد فورًا، وتسلَّم قيادة السّفينة ونجح بالوصول إلى العمودَين واستعمل سلسلَتَين لربط السّفينة المُخلَّصة بهما. أمّا مراكب العدوّ الباقية ففرَّت هاربةً وبدأت تتدمَّر واحدة واحدة، ثمّ ساد الهدوء على البحر».

أحدث هذا الحلم الذّعر لدى أكثر من 500 شاب مجتمعين ككلّ ليلة للإستماع إلى دون بوسكو (في 30 أيّار 1862).
في الصّباح التّالي، شرح دون بوسكو لهم معنى هذا الحلم، وقال: «هناك اضطهادات وآلام خطيرة تنتظر الكنيسة، يبقى وسيلتَين وحيدتَين لخلاصها: مريم معونة المسيحيّين والقربان الأقدس خلاص المؤمنين ».

الجزء الأول من رؤيا القديس دون بوسكو
الفخاخ في كل مكان.. ومحاربته بعلامة الصليب ♰

الفخاخ في كل مكان.. ومحاربته بعلامة الصليب ♰

المصدر: http://mariantime.org