– الجزء الأول من رؤيا القديس دون بوسكو
* ♰ *
في عام 1868 شاهد دون بوسكو حلماً مرعباً عن جهنّم. روايته الكاملة للحلم طويلة إلى حد ما، لذلك نورد أهم ما جاء فيها:
“لدي حلم آخر أخبركم به، هو نوعاً ما نتيجة أولئك (الأحلام) التي أخبرتكم بها يوم الخميس والجمعة الماضيين، والذي أرهقني تماماً. في ليلة 17 نيسان / أبريل ، رأيت ضفدع مخيف ينحني نحوي كانه يريد التهامي. أخيراً عندما اختفى، قال لي صوت: “لماذا لا تخبرهم؟” التفت نحو الصوت وشاهدت شخصاً جليلاً يقف بجانب سريري. سألته: “ماذا يجب أن أخبر أولادي؟”
“ما رأيته وسمعته في أحلامك الأخيرة وما أردت أن تعرفه، وسوف تكتشفه ليلة الغد!” ثم اختفى.
أمضيت النهار في قلق وانزعاج عمّا سأرى في الليل، جلست على مكتبي أتصفح الكتب حتى منتصف الليل. وبجهد كبير، ذهبت أخيراً إلى السرير.
“انهض واتبعني!” قال.
مشينا في طريق منحدر نحو الأسفل. رأيت الأولاد يتبعونني وكان بينهم من لا أعرفهم. لاحظت أن بعضهم يتعثّر ويقع، وعلى الفور تسحبهم قوة غير منظورة نحو الهوّة المخيفة. سألت دليلي: “ما الذي يجعل هؤلاء الأولاد يقعون؟” “ألق نظرة فاحصة”، أجاب.
كانت الفخاخ في كل مكان، بعضها قريب من الأرض، والبعض الآخر في مستوى العين، ولكن كلها مخبّأة جيداً. غير مدركين للخطر، تم القبض على العديد من الأولاد، تعثّروا وسقطوا. ثم عندما تمكنوا من الوقوف على أقدامهم ، كانوا يسيرون على طول الطريق نحو الهاوية. وقد أمسكت الفخاخ بعضهم من الرأس، والبعض الآخر عن طريق الرقبة أو الذراعين أو الساقين أو الجوانب ، وأُسقِطوا على الفور.
التقطت واحدة من الفخاخ وجذبت الخيط. شعرت على الفور ببعض المقاومة. فجذبتها بقوة أكبر، إلا أنه بدلاً من سحب الخيط ، تم سحبي. لم أقاوم وسرعان ما وجدت نفسي في فم كهف مخيف.
ظهر وحش ضخم شنيع يمسك بحبل ربطت به كل تلك الفخاخ. كان هو الذي يسحب على الفور أي شخص علق فيها. فحاربته بعلامة الصليب وبعض الأدعية القصيرة.
ثم عدت إلى مرشدي. قال لي: “الآن أنت تعرف من هو”.
“أعرف بالتأكيد! هذا هو الشيطان نفسه!”
واصلنا هبوطنا، وأصبح الطريق الآن شديد الانحدار بحيث كان من المستحيل تقريبًا المشي منتصباً. في أسفل هذه الهاوية، عند مدخل الوادي المظلم، بدا مبنى هائل في الأفق، مدخله مغلق بإحكام. عندما وصلت أخيرا إلى القاع، كدت أختنق من الحرارة ، في حين أن دخانًا دهنيًا أخضراً تُشعله لهب قرمزية ارتفعت من خلف تلك الجدران الصاخبة التي كانت تلوح في الأفق أعلى من الجبال.
“أين نحن؟ ما هذا؟” سألت دليلي.
“اقرأ النقش على تلك البوابة وستعرف”.
نظرت لأعلى وقرأت هذه الكلمات: “المكان حيث لا عفو” أدركت أننا كنا على أبواب الجحيم. يقودني الدليل حول هذا المكان الرهيب. على مسافة قريبة رأيت بوابات برونزية مثل الأولى؛ على كل منها نقش، مثل:
«اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ». (متى 25: 41)
«كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ». (متى 7: 19)
“بمجرد أن تجاوزت عتبة جهنّم، شعرت برعب لا يوصف ولم أتجرأ على اتخاذ خطوة أخرى. استطعت أن أرى أمامي شيئًا مثل كهف ضخم هائل الذي اختفى تدريجيًا في تجاويف عميقة تغرق في أحشاء الجبال. كانت جميعها مشتعلة، لكن نيرانها ليست كالنار الأرضية، ولها ألسنة لهب تتوثّب عالياً. الكهف بأكمله – جدرانه، سقفه، أرضيته، الحديد، الحجارة، الخشب والفحم – كانت كلّها تلمع بسطوع بسبب الحرارة التي تصل إلى آلاف الدرجات. ومع ذلك، فإن النار لم تُرمِّد، ولم تستهلك. ببساطة لا يمكنني العثور على كلمات لوصف أهوال الكهف.
دخلنا في ممر ضيق رهيب، دخلت فيه بسرعة البرق. رأيت نقوشاً مخيفة على كل البوابات الداخلية. فُتح الباب الأخير ورأيت فناء قاتماً مدخله مرعب، فوقه كُتب على النقش:
«يَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ». (متى 25: 46)
باقي الجدران عليها نقوش مشابهة. فسألت دليلي إن كان بإمكاني قراءتها فوافق. هذه كانت النقوش:
«يَجْعَلُ لُحُومَهُمْ لِلنَّارِ وَالدُّودِ، لِكَيْ يَحْتَرِقُوا وَيَتَأَلَّمُوا إِلَى الأَبَدِ». (يهوديت 21:16)
«فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ. وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ». (رؤيا 10:20-9)
«وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. وَلاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَارًا وَلَيْلاً لِلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ يَقْبَلُ سِمَةَ اسْمِهِ». (رؤيا 11:14)
«أَرْضِ ظَلاَمٍ مِثْلِ دُجَى ظِلِّ الْمَوْتِ وَبِلاَ تَرْتِيبٍ، وَإِشْرَاقُهَا كَالدُّجَى». (أيوب 22:10)
في حين انتقلت من نقش إلى آخر، دليلي، الذي كان واقفاً في وسط الفناء، اقترب مني وقال: “هنا لا يمكن أن يكون لأحد رفيق يساعد، صديق يعزّي، قلب يحبّ، نظرة عطوفة أو كلمة إحسان. كل هذه الأشياء غابت الى الأبد!”
(يتبع)
المصدر: http://mariantime.org