بينما يستعدّ مجلس الأمن لنقاش حصيلة الجولة الأخيرة من محادثات «أستانا»، من المنظور الأممي، تتفاعل الأحداث بعد انتهاء تلك الجولة لترسم مشهداً ديناميكياً يتضمن في ما يتضمنه احتمالات التصعيد في إدلب ومحيطها، وتسخينَ نقاشات «المنطقة الآمنة» إلى حدّ الغليان.
أعادت سخونة التهديد التركي بإطلاق تحرك عسكري في الشمال السوري، وزخمُ العمليات في إدلب ومحيطها بعد نعي «الهدنة» من جانب دمشق، الديناميكية إلى المشهد الميداني الذي كان عالقاً قبل «أستانا 13» في دائرة معارك «الاستنزاف» المحدودة في ريفي حماة واللاذقية. انتهاءُ «الهدنة» وعودة الغارات والقصف المتبادل على أطراف منطقة «خفض التصعيد» في محيط إدلب تترك كلها الباب مفتوحاً أمام الاشتباك المباشر على محاور عدة، وسيكون ممكناً استقراء مسار تطوّر تلك المعارك، وفق توزّع المحاور التي قد تشتعل في الأيام القليلة المقبلة، بما سيحمله ذلك من أثر مباشر في الخطوات التركية المفترضة شرقي الفرات.
تتيح متابعة التصريحات الأميركية والتركية في المدة الماضية الافتراض أن مشروع «المنطقة الآمنة» ـــ بصيغه المعدّلة ـــ لم يُحصّل توافقاً حتى الآن، على رغم جولات التفاوض الطويلة بين الطرفين قبلاً، التي انعقد آخرها خلال اليومين الماضيين في العاصمة التركية. وحتى أمس، لم يخرج من واشنطن ولا أنقرة، ما يشير إلى خلاف ذلك، بل عكس موقف وزارة الدفاع الأميركية الرافض لأي «تحرك أحادي» تركي وجود مخاوف فعلية من الانزلاق نحو تصعيد ميداني. وتساوق ذلك مع ما نقلته وسائل إعلام في الولايات المتحدة عن مسؤولين أميركيين وأوروبيين من تقديرات بأنّ التهديد التركي هذه المرّة يحمل طابعاً جدياً، ويمكنه أن يتحوّل إلى واقع خلال وقت قصير.
في موازاة «محادثات أنقرة» العسكرية، الأميركية ـــ التركية، كان لافتاً تأكيد وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، أمس، أن بلاده «لا تطمح إلى التخلي» عن «قوات سوريا الديموقراطية»، وهي ستعمل على «منع أي إجراء أحادي من شأنه الإضرار بمصالحها مع كل من تركيا وقوات سوريا الديموقراطية». ولم يفت إسبر، كما سلفه، الإشارة إلى أن واشنطن ترغب في العمل مع أنقرة لمعالجة «مخاوفها الأمنية الشرعية» في الشمال السوري. جاء هذا المستوى من المواقف الأميركية عقب تصريحات جديدة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تضمنت تعهداً بالانتقال إلى «مرحلة جديدة» من العمل ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، والدفاع عن مصالح تركيا في سوريا «من طريق القوة الناعمة والدبلوماسية القوية، أو السياسة الواقعية عند الضرورة».
وبينما أفادت معلومات بوصول تعزيزات جديدة لقوات «التحالف الدولي» المنتشرة في المناطق الحدودية شرقي الفرات، عكست الأوساط المقربة من «قسد» وجود استعداد لاحتمالات تحقّق التهديدات التركية. وتشكّل مناطق منبج وتل أبيض وعين العرب (كوباني) النقاط الأبرز على لائحة الحراك العسكري التركي المفترض دون تحييد تل رفعت ومحيطها عن اللائحة رغم خضوعها لتوازنات مختلفة. في مقابل هذه القراءة «الواقعية» للوعيد التركي، ترى مصادر متابعة لملف شمال شرقيّ سوريا أن الوزن الأهم للتصعيد التركي سيكون على طاولة المحادثات مع واشنطن، لا في الميدان.
وتضيف أن الجانب التركي يعرف أن تحرّكه العسكري قد يفضي إلى «تماس» مع القوات الأميركية أو الأوروبية المنتشرة في مناطق «قسد»، وهو ما سيعزز موقف الجناح المناهض لأنقرة في الإدارة الأميركية، ويضعف توجّه الرئيس دونالد ترامب الباحث عن «حلول وسط» مع حليفه «الأطلسي». كذلك تبني المصادر نفسها على ما سبق لتستبعد احتمالات وقوع اجتياح تركي لمناطق خاضعة لسيطرة «التحالف الدولي» دون اتفاق مسبق وواضح مع الجانب الأميركي بالحد الأدنى.
-الأخبار-