–مشرقنا يقوم على التنوع الحضاري الثقافي والديني المتفاعل مع بعضه البعض
على الرغم من أهمية الارث الثقافي والديني الغربي، وأسفنا لاحتراق جزء من كاتدرائية نوتردام دو باريس، وضياع ارث إنساني ومسيحي مهم جداً، إلا ان ما حصل في السنوات العشر الاخيرة في المشرق، من محاولات ظلامية لمحو الذاكرة الثقافية، من خلال تدمير ممنهج لتاريخ المنطقة وما تزخر به من حضارة انسانية، الأهم فيها انها تقوم على التنوع الحضاري والديني المتفاعل مع بعضه البعض، وهذا ما لا يمكن ايجاده في اي منطقة اخرى من العالم، وبخاصة في الغرب.
ما يدعونا الى التساؤل: لماذا لم يهتم أحد وبخاصة فرنسا، التي رفعت الصوت اليوم، منادية العالم أجمع، لجمع مليار يورو تعيد بواسطتها اعادة ترميم الكاتدرائية؟ فلماذا لم تحاول على الاقل أيقاف الحرب المدمرة لإنقاذ البشر قبل الحجر، وبخاصة في سوريا، وقبلها في العراق كما في فلسطين، فلم نسمع اعتراضها على تهويد مدينة السلام “القدس” وتحويل بعض مساجدها وكنائسها اما الى رماد او الى متاحف لا بل ملاهي ليلية ومطاعم في بعضها.
فالحجر من دون بشر يصبح جامدا لا معنى روحي له، بل مادي بارد، على الرغم من ان كنائسنا ومساجدنا ومعابدنا في المشرق هي آيات من الجمال الفني والزخرفي، غير ان الذي يعطي القيمة المعنوية لكاتدرائية نوتردام هو الانسان بما يضفي عليها من معاني روحية وما تشكل عنده من رمزية كونية، وليس زخرفات مذبحها الخشبي او جمالية لوحاتها الفنية وزجاج نوافذها التحفة بالجمال، هي التي تجعلها مهمة، فالمسيحية كما الاسلام انطلقت من الشرق، وتعود كنائسه ومساجده التي هي الاولى بقدمها في العالم، الى حقبة انطلاقة فكر هذه الديانات، وعاصرت مؤسسيها، ومع ذلك تمّ التخلي عنها، فيسمح للتلمودي كما للتكفيري بالعبث بها، فيدنسونها ويحرقونها عن قصد ويدمرونها كما فعل داعش وغيره، وبغطاء مخابراتي غربي، هو غرب يبكي اليوم على فاجعة حريق كاتدرائية نوتردام التي ألمّت به، ونبكي معه حتى لو لم يبكِ هو معنا خلال المحن التي مرّت علينا، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.