– قال حكماؤنا “في الاتحاد قوة، نحن لا نطلب اتحاداً ولا وحدة بل أضعف الإيمان، بعض التنسيق”.
***
مقتطف من حديث فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القمة العربية في دورتها الثلاثين في تونس: (31 آذار 2019)
(1) الحروب 🤔
تسع سنوات مرت على بدء الحروب الإرهابية في الدول العربية، سقط فيها مئات الاف الضحايا وتشرد الملايين، ناهيك عن الالاف المؤلفة من المعوقين والجرحى وأيضاً المفقودين. أنظمة تهاوت ورؤساء غابوا، مدن بكاملها دمّرت وثروات تبددت ومعالم ضاعت وشعوب تمزّقت.. وخسر الجميع.
اليوم خفت أزيز الرصاص ودوي الانفجارات وخفّ نزف الدم، ولكن الجراح التي خلفتها هذه الحروب حفرت عميقاً في الوجدان العربي وفي المجتمعات العربية، فزادتها تمزقاً وزادت شروخها شروخاً.
نعم، الحرب هدأت أو تكاد، ولكن نتائجها لم تهدأ، فإلى متى الانتظار للبدء بترميم ما تكسر وإزالة التداعيات المؤلمة؟ إن الأخطر من الحرب هو المشاريع السياسية والصفقات التي تلوح في الأفق بعد سكوت المدفع، وما تحمله من تهديد وجودي لدولنا وشعوبنا؛ فشرذمة المنطقة والفرز الطائفي يمهّدان لمشروع إسقاط مفهوم الدولة الواحدة الجامعة لصالح كيانات عنصرية طائفية وفرض واقع سياسي وجغرافي جديد يلاقي ويبرر اعلان إسرائيل دولة يهودية.
(2) ترامب/الجولان 👈
بالأمس وقّع الرئيس الأميركي قراراً يعترف بسيادة اسرائيل على مرتفعات الجولان، ويأتي ذلك بعد قراره السابق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده اليها، ما ينقض جميع القرارات الدولية ذات الصلة بما فيها البند الرابع من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتعهد فيه أعضاء الهيئة جميعاً “بالامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة.
إن هذا القرار لا يهدّد سيادة دولة شقيقة فحسب، بل يهدّد أيضاً سيادة الدولة اللبنانية التي تمتلك أراضٍ قضمتها إسرائيل تدريجياً، لا سيما في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر. والملكية اللبنانية لهذه الأراضي مثبتة بالوثائق والخرائط المعترف بها دولياً.
فكيف سنطمئّن بعد، نحن الدول الصغيرة، عندما تُضرب المواثيق الدولية والحقوق، وتُطعن الشرعية الدولية التي ترعى الحدود بين الدول التي اعترفت بها الامم المتحدة.
وما هو مصير المبادرة العربية للسلام بعد الذي يحصل؟ هل ما زالت قائمة أم أُطلقت عليها رصاصة الرحمة وباتت بلا جدوى؟ ذلك أنه بعد ضياع الأرض ماذا يبقى من السلام؟؟
وكيف ستترجم الاعتراضات الدولية والاستنكارات والإدانات لما جرى ويجري؟ وهل سيتمكّن مجلس الأمن من حماية حق سوريا ولبنان في أراضيهما المحتلة؟
ونحن؟ كيف سنواجه هذه المخططات وهذه الاعتداءات على حقوقنا؟ هل بحدود لا تزال مغلقة بين دولنا؟ أم بمقاعد لا تزال شاغرة بيننا هنا؟
(3) سورية
إن كنا ونحن مجتمعين موحّدين بالكاد نقدر على مجابهة هكذا مشاريع، فكيف الأمر إن كنا مبعثرين مشتتين كما هو حالنا اليوم؟
لعلّكم إخواني تتساءلون معي:
هل نريد لسوريا ان تعود الى مكانها الطبيعي بيننا والى الحضن العربي؟
هل نريد لليمن أن يعود سعيداً وينعم شعبه بالأمن والاستقرار؟
هل نريد لفلسطين أن لا تضيع وتُستباح معها القدس وكل مقدّسات الأديان؟
لا بل أكثر من ذلك، هل نريد لكل دولنا الأمن والاستقرار، ولشعوبنا الأمان والازدهار؟
إذا كنا راغبين فعلاً بحماية دولنا وشعوبنا والمحافظة على وحدتها وسيادتها واستقلالها، علينا أن نستعيد المبادرة، فنسعى مجتمعين الى التلاقي والحوار ونبذ التطرف والعنف، وتجفيف منابع الإرهاب.
لقد صرف العالم خلال السنوات الماضية المليارات للتسليح والقتل والتدمير، فلو استعملت تلك الأموال، أو بعضها، للتنمية، للتعليم، للتطوير، للصناعة، للزراعة، للاستثمارات وخلق فرص عمل للشباب… فأي قفزة كانت ستحققها دولنا؟ وهل كان شبابنا وأطفالنا سيقعون بسهولة فريسة للفكر المتطرف الذي يحولهم الى إرهابيين وآلات قتل وتدمير؟
(4) النزوح
إن كانت المشاريع التي تحضر للمنطقة مقلقة فإن لبنان هو الأشد قلقاً،
يقلقنا إصرار المجتمع الدولي على إبقاء النازحين السوريين في لبنان رغم معرفته بالظروف السيئة التي يعيشون فيها ورغم معرفته بأن معظم المناطق السورية قد أضحت آمنة، ورغم معرفته بأن لبنان لم يعد قادراً على تحمل هذا العبء الذي يضغط عليه من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. ورغم تأكيد المنظمات الإنسانية الدولية أن ثمانين في المئة من النازحين السوريين في لبنان يرغبون العودة الى أراضيهم وممتلكاتهم .
يقلقنا مصطلح “العودة الطوعية” والتعاطي مع مليون ونصف نازح وكأنهم جميعاً لاجئون سياسيون بينما معظمهم لجأ بسبب الأمن أو الضائقة الاقتصادية التي ترافق عادة الحروب.
يقلقنا الإصرار على ربط عودة النازحين بالحل السياسي، لا بل اعطاء الأولوية للحل السياسي، رغم معرفتنا كلنا بأنه قد يطول؛ فهل يسعى المجتمع الدولي لجعل النازحين رهائن لاستعمالهم أداة ضغط على سوريا وأيضاً على لبنان للقبول بما قد يفرض من حلول؟
إن القضية الفلسطينية المستمرة منذ 71 عاماً خير شاهد على عبثية ربط العودة بالحلول السياسية، إذ أن ما يلوح بشأنها بعد كل سنوات الانتظار هو محاولة فرض تسوية لإبقاء الفلسطينيين حيث هم وتصفية قضيتهم.
يقلقنا أيضاً السعي الإسرائيلي لضرب القرار 194 وحرمان الفلسطينيين نهائياً من أرضهم وهويتهم وإقرار قانون “القومية اليهودية لدولة إسرائيل” ونكران حق العودة، مع ما يعني ذلك من سعي لتوطين فلسطينيي الشتات حيث يتواجدون، وللبنان الحصة الأكبر منهم.
إن لبنان أيها الإخوة يضيق بسكانه، مع قلة موارده وضعف بنيته التحتية ومع جميع مشاكله الاقتصادية والاجتماعية، وهو لم يعد قادراً على استضافة ما يوازي أكثر من نصف مواطنيه، وهو قطعاً لن يقبل بأي شكل من أشكال التوطين.
إن المساعدات العينية والمادية من المؤسسات الدولية لا زالت تقدّم للنازحين مباشرة من دون المرور بالقنوات الرسمية للدولة التي تستضيفهم، وفي هذا تشجيع صريح لهم للبقاء حيث هم والاستفادة من كل التقديمات من دون أن يترتب عليهم أي موجبات، في حين تنوء الدول المضيفة تحت الأعباء المتزايدة عليها، لذلك توجهنا في قمة بيروت الاقتصادية الى المجتمع الدولي وخصوصاً الدول المانحة ودعوناها “للاضطلاع بدورها في تحمل أعباء ازمـــة النزوح وتنفيذ ما تعهدت به من تقديم التمويل للدول المضيفة لتلبية حاجات النازحين ودعم البنى التحتية، وكذلك تقديم المساعدات للنازحين في اوطانهم تحفيزا لهم على العودة،”
وهنا أود التأكيد على أن دعم الدول المضيفة ضروري جداً لكي تتمكن من الاستمرار، لكن ما يفوقه ضرورة هو تقديم المساعدات للنازحين العائدين في بلدهم، لتشجيعهم على العودة والمشاركة في إعادة الإعمار، عوض أن يبقوا مشردين، يتوقون الى سقف وطن يحميهم وأرضٍ هي عنوان كرامتهم وهويتهم.
الخلاصة
قديماً قال حكماؤنا “إن في الاتحاد قوة”، ونحن اليوم لا نطلب اتحاداً ولا وحدة بل أضعف الإيمان، بعض تنسيق وتعاون لمجابهة ما ينتظرنا، والسلام”.
https://youtu.be/TUg_raiu3NE
(فخامة رئيس الجمهورية – القمة العربية – تونس، 31 آذار 2019)