حسان الحسن-
لا شك ان الاعلان عن سحب الوحدات العسكرية الاميركية من سوريا احدث موجة واسعة من ردود الأفعال في المنطقة، منها المُرَحّب والداعم والذي كان يعتبر هذا الوجود احتلالا بكل معنى الكلمة، ومنها المتفاجىء وغير المنتظر والذي كان يعتبره سيكون وجودا دائما وثابتا، ومنها الخائف الذي طالما اعتبر ان هذا الوجود هو لحمايته ولمصلحته، وبين الاختلاف في ردود الأفعال هذه، وبين حقيقة ما سيجري في خارطة هذا الانسحاب ومساره في التوقيت وفي الجغرافيا، ستكون المنطقة عموماً وسوريا خصوصاً على موعد مع تغيير جذري، ستطال تداعياته ونتائجه اكثر من دولة ومن طرف.
لا يبدو أن هذا الإنسحاب الأميركي من سوريا مناورةً سياسيةً، بل من الواضح انه أصبح في حكم الواقع، وآيل الى التنفيذ، وبعد أن لاقى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في شأنه منذ نحو أسبوعين ونيّف، بعض الشكوك، خصوصاً من الروس، الذي اعتبروا بدورهم أن هذا القرار، هو حمّال أوجه، وقد يستغرق إتمامه وقتاً طويلا، إذ لم تحدد فيه مهلةً لتنفيذه، كذلك لم يأت على ذكر آليته، ولكن راهناً بات هذا الإنسحاب واقعا، بعد بدء الإحتلال تفكيك قواعده في الجارة الأقرب وبدء سب الوحدات الاميركية في إتجاه العراق.
في المقابل، وأثر صدور هذا القرار، يسعى الجانب الروسي الى رعاية إتفاقات بين الجهات الرسمية السورية والأكراد، لمواجهة ما يمكن ان يشكله من فراغ، وخصوصاً في شرق سوريا وشمالها الشرقي، على أن يتم التوافق من خلالها على عودة إنتشار الجيش السوري في المناطق الخاضعة للنفوذ الكردي راهناً، بعد دخول هذه المناطق في مصالحاتٍ وتسوياتٍ مع السلطات السورية، تقريبا على غرار ما حدث مؤخراً مع بعض المناطق الأخرى، كريف درعا على سبيل المثال لا الحصر، التي تفضي الى تسوية أوضاع المسلحين الخارجين على القانون الذين لم يقترفوا جرائم، بعد تسليم سلاحهم للدولة، برأي مصادر سياسية متابعة للتطورات في الشرق السوري. ولم تستبعد المصادر دمج عدد من القوات الكردية في الأجهزة الأمنية والشرطة، وقد يصار بعدها الى تكليفهم بحماية بعض المنافذ الحدودية، أي لن يبقوا على حالهم، بنفس الكتلة المسلحة الراهنة، على حد تعبير المصادر.
وعن موقف الأتراك وردود أفعالهم في حال نجاح الإتفاقات والتسويات المذكورة آنفا، تعتبر المصادر أن ليس لدى الأتراك أي خيار، سوى الموافقة عليها، مرجحةً تكرار المشهد الذي حصل في منبج في ريف حلب الشرقي في مناطق نفوذ الأكراد، أي إنتشار وحدات من القوات السورية على مشارفها، وعودة مؤسسات الدولة، من شرطة ودفاع مدني ومستوصفات وسواها تدريجيا اليها. وفي هذه الحالة والحالات المماثلة لا يتطلب إنتشار الجيش وحدات عسكرية كبيرة، كما لو أراد شن هجوماً عسكريا، لإستعادة هذه المناطق، ودائماً برأي المصادر. أضف الى ذلك أن ليس لدى القوات الكردية الإمكانات اللوجستية الكافية، لتثبيت نقاطهم العسكرية في مناطق نفوذهم، أي ليس في حوزتهم دبابات وبطاريات مدافع متطورة وماشاكل. فليس بوسعهم تنفيذ إنتشار عسكري عملاني، كذلك مواجهة هجوم مفترض يشنه المسلحون الموالون لأنقرة، تؤكد المصادر.
وفي الوقت عينه، تستبعد هذه المصادر قيام المسلحين الموالين لتركيا بشن هجوم على المناطق الواقعة تحت النفوذ الكردي، لأن ذلك سيؤدي الى فتح صراع كبير على الأراضي السورية، وقد تصل إرتداداته الى الداخل التركي، تحديداً في المناطق الكردية، كذلك إن مغامرة من هذا النوع، تفرض على هؤلاء المسلحين إخلاء منطقة شمال حلب، للتوجه نحو الشرق، وهذا الأمر يفسح في المجال أمام “جبهة النصرة” باستكمال السيطرة على ريف حلب الشمالي، بعد إتساع نفوذها في شكلٍ كبير في إدلب أخيرا.
وهكذا، بين حرص الدولة السورية على استعادة كامل جغرافيتها، وبين حيرة الاكراد وترددهم بين اقتناعهم بالامر الواقع وتخليهم عن حلمهم الذي طالما راودهم بالانفصال، او الاستمرار بالمراهنة على الاميركيين، مع صعوبة تحقيق احلامهم تلك اليوم اكثر من اي وقت مضى، وبين تخلي الاميركيين عنهم كالعادة، سوف تكون جميع هذه الاطراف على موعد مع تغيير ميداني وسياسي، لن يكون الا في مصلحة سيادة الدولة السورية واستقرارها.
-موقع المرده-