أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


عون: يمكن للنازحين العودة لوطنهم بعدما عادت الحياة لطبيعتها بمعظم مدنه

كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام السلك الدبلوماسي:

***

سعادة عميد السلك الدبلوماسي في لبنان المونسنيور جوزيف سبيتيري.

أصحاب السعادة،

حضرة ممثلي المنظمات الدولية المعتمدة في لبنان،

مع بداية العام الجديد، الذي نأمل أن يحمل معه الخير والسلام لكل العالم، يسرني أن استقبلكم في القصر الجمهوري، متقدماً منكم، ومن دولكم وشعوبكم، وأيضاً من عائلاتكم ومساعديكم، بأطيب التمنيّات. كما اشكركم على تهنئتكم، وعلى الكلمة التي وجهها باسمكم  عميد السلك الدبلوماسي في لبنان المونسنيور جوزيف سبيتيري. Joseph Spiteri وبما فيها من دراية كبيرة بلبنان، وتقديرٍ نعتزّ به، للشعب اللبناني وتضحياته.

اصحاب السعادة،

منذ حوالي سبعة عشر عاماً انطلقت حرب دولية، تحت شعار محاربة الإرهاب وإرساء الديمقراطية والحرية، تأثرت بشعاراتها بعض شعوب منطقتنا، فانخرطت فيها، بشكل أو بآخر. وعلى مدى سنوات اتسّعت هذه الحرب، مشعلةً دولاً عديدة في الشرق الأوسط، مفجّرة إياها من الداخل، ومرسلة شظاياها في كل اتجاه.

واليوم، يحق للشعوب التي دفعت الأثمان، بأن تسأل: هل أزهر الربيع في مجتمعاتنا وأوطاننا؟ هل صار العالم أكثر عدالة وأكثر حرية؟

للأسف لقد نما الإرهاب، وتوسّع، وتمدّد نشاطه ليشمل القارات الخمس.

والتداعيات السلبية لزلزال الحروب المتنقّلة، أصابت دولاً عدة، فبالإضافة الى أعداد الضحايا والمعوقين والمشردين، هناك مجتمعات تفككت داخل الوطن الواحد، وضُرب التعايش بين مجموعات بشرية، سبق أن كانت تعيش معاً، وبرز جو من التباعد والكراهية، وشروخ قاسية يصعب ترميمها في المدى المنظور.

أما العدالة الموعودة، والحرية المنشودة، فأين نبحث عنهما؟

هل في ضياع القدس؟

أم في صفقة القرن التي ستسرق من الفلسطينيين أرضهم وهويتهم؟

أم في مخيمات النازحين السورين التي يسعى العالم لإبقائهم فيها؟

أم في التهجير الجديد لمجموعات بشرية والتحويل الديمغرافي؟

أم في لبنان الذي يجاهد للمحافظة على علة وجوده؟

أم في شعوب يُقرَّر عنها مصيرها ومستقبلها؟

لماذا كل ذلك؟ ومن أجل ماذا؟ يحق للشعوب التي تدفع الأثمان أن تسأل!

اصحاب السعادة

سعادة المونسينيور سبيتيري

نعم، إن لبنان من الدول التي حملت ولما تزل، أثقل الأعباء، من تداعيات حروب الجوار وتدفق النازحين السوريين. صحيح أننا تمكّنا من تحرير أرضنا من الإرهاب وقضينا على معظم خلاياه النائمة وضبطنا الأمن، لكن أزمة النزوح لا تزال تلقي بثقلها علينا من كل النواحي، اقتصادياً وامنياً واجتماعياً وتربوياً واستشفائياً، بسبب الأعداد الضخمة للنازحين الذين استقبلهم لبنان، وانتم شهود على ذلك.

إن مساحة وطننا وبناه التحتية وموارده المحدودة، عاجزة عن تحمل هذه الزيادة السكانية، التي باتت تهدّد مجتمعنا. فلبنان بلد هجرة وليس بلد استيطان، ولا هو سوق مفتوحة للعمل، وأبناؤه المنتشرون في كل أصقاع الأرض  هاجروا بحثاً عن فرص أفضل .

أضف الى ذلك الظروف القاسية التي يعيشها النازحون في المخيمات ، بينما يمكنهم العودة الى وطنهم، والعيش فيه بكرامة، والمساهمة في ورشة إعادة اعماره، خصوصاً بعدما انحسرت الحرب وعادت الحياة الى طبيعتها في معظم مدنه.

لكن  لا يبدو موقف المجتمع الدولي واضحاً حيال مسألة العودة، لا بل ما يرشح من مواقف للمؤسسات الدولية لا يبدو مطمئناً؛ من محاولات ربط العودة بالحل السياسي، الذي قد يطول أمده سنوات وربما عقوداً، الى الحديث عن العودة الطوعية مع عدم تشجيع النازح عليها، بل على العكس إثارة قلقه حيالها. وأخيراً الدعوة الصريحة الى إبقاء النازحين في أماكن وجودهم وتأمين العمل لهم!

فما هي الحكمة من كل ذلك؟

إننا نخشى أن يكون هذا الإصرار على إبقاء النازحين في لبنان، بالرغم من تأكيدنا مراراً وتكراراً في المحافل الدولية، وأمام كل البعثات الدبلوماسية، الضرر الذي يلحقه ذلك بوطننا على مختلف الصعد، وخصوصاً الاقتصاد والأمن، وشرحنا الأسباب الموجبة لرفضه، نخشى أن يكون ذلك الإصرار مخططاً لتهجير من أمكن من اللبنانيين تسهيلاً للحلول الغامضة والمشبوهة التي تلوح في الأفق. وهنا نسأل، هل قُدّر للبنان أن يدفع أيضاً أثمان الحلول والسلام في المنطقة، كما سبق له ودفع أثمان حروبها؟؟

اصحاب السعادة ،

في سياق آخر، ربما يكون متصلاً بما تقدّم ، تبرز الى الواجهة صفقة القرن وقضية القدس، ويترافق ذلك مع ضغوط إسرائيلية متواصلة على لبنان، سواء عبر الخروقات الدائمة  للقرار 1701، وللسيادة اللبنانية، براً وبحراً وجواً بمعدل 150 خرقاً شهرياً، أو عبر الادعاءات والاتهامات والتهديدات. وعلى الرغم من كل ذلك يبقى لبنان  حريصاً على تطبيق القرار 1701 والمحافظة على الامن والاستقرار في الجنوب اللبناني،

إن التهديدات الإسرائيلية والضغوط المستمرة، والحلول الغامضة وما تحمله من صفقات، بالإضافة الى ضرب الهوية الجامعة للأرض المقدسة، عبر اعتماد القدس عاصمة لإسرائيل وإعلان يهوديتها، كلها إشارات منذرة بالخطر، ولا تنهي الحروب القائمة، بل تؤسس لحروب جديدة ولتهجير جديد وتطهير عرقي جديد.

إن القدس، المدينة التي تحمل إرث الديانات السماوية، لا يمكن أن تكون مدينة معزولة ومحظورة؛ فالقدس، أورشليم، تحمل جوهرها في إسمها، مدينة  السلام، أرض السلام، وما يحميها ليست أسوارها ولا جدرانها، لقد سبق وأحاطتها الأسوار ولفّها الجدار عبر التاريخ ولم تتمكن من حمايتها، منذ الملك سليمان حتى اليوم.

ما يؤسس للسلام ليس الجدار ولا الأسوار ولا الدبابة ولا الطائرة… الجدار والأسوار تعزل، الطائرة والدبابة تدمران وتقتلان، فهل هذه مقومات السلام؟

اصحاب السعادة ،

أغتنم الفرصة اليوم لأتوجه من خلالكم الى الأسرة الدولية التي تمثلون؛ مشددا على أن السلام- إذا كان السلام هو الهدف- لا يقوم بينما تجري الصفقات على حساب اللاجئ الذي طرد من أرضه وسلبت هويته،

السلام لا يقوم بضرب الحقوق المشروعة للشعوب،

السلام لا يقوم بالتلاعب بالديموغرافيا وتغيير معالم الدول، جغرافياً واجتماعياً،

السلام لا يقوم بالإمعان في العنصرية ورفض الآخر،

السلام الحقيقي لا يقوم من دون عدالة واحترام حقوق الشعوب، الصغيرة قبل الكبيرة والفقيرة قبل الغنية والضعيفة قبل القوية. فمن أجل حقوق مثل تلك الشعوب وجدت المؤسسات الدولية، هكذا تقول مواثيقها، وأي حل لا يقوم على هذه المقاربة يحمل معه انهياره قبل أن يبدأ تطبيقه.

السلام يقوم على الاعتراف بالحقوق، ولو كانت مكلفة، وعلى قبول الاخر ولو كان مختلفاً. والسلام، إن لم يكن عادلاً، يبقى على الورق، ولا ينسحب على الشعوب، وبالتالي لا يدوم.

أصحاب السعادة،

لا شك في أن لبنان يعاني اليوم من حالة تعثّر داخلي، ومن الانعكاسات السلبية لملف النازحين. ومن موقعي كرئيس للجمهورية، أعمل جاهداً للمحافظة على الخيارات الوطنية الكبرى التي صانت الوطن منذ عقود، وحفظت صيغته، ونظامه الديمقراطي، وروح التعايش بين أبنائه.

إن جوهر الديمقراطية اللبنانية قائم على التوافق قبل أي شيء آخر، ومن هذا المنطلق، نعمل على تحقيق توافق واسع وتام من أجل البت بتشكيل الحكومة العتيدة، بالشراكة مع رئيسها المكلف. إن تجارب الماضي تظهر أن هذه العملية كانت تتطلب وقتاً ومشاورات واسعة،  لأنها لم تقم على أسس ومعايير واضحة، ولكن اليوم، وبعد اعتماد القانون النسبي، ما كان يجب أن تطول  لو اعتُمد منذ البدء معيار عدالة التمثيل، الذي يجب أن يكون الحكم في أي خلاف. خصوصاً أن الظروف الضاغطة المحيطة بنا، والأزمات والتحديات الداخلية التي نعيشها، لاسيما على الصعيد الاقتصادي، لم تعد تسمح بالمماطلة، أو التشبث بمصالح الأطراف على حساب الوطن والشعب.

اليوم، فيما العالم مبادر الى الوقوف بجانبنا، دعوتي الى الجميع لتحمّل المسؤوليات والارتقاء الى مستوى التحديات الجسام، فنواجهها معا، ونعلي بنيان وطننا، معيدين اليه تألقه الاقليمي والدولي، ومطلقين فيه، ومن اجله، من دون تردد، نهضة جديدة يستحقّها ابناؤنا، وهم امانة الحاضر للمستقبل.

أصحاب السعادة،

أجدّد تهنئتي لكم، ولدولكم، وشعوبكم بالعام الجديد، عسى أن يحمل لنا جميعاً الخير والطمأنينة، ولدول العالم كافة السلام والاِزدهار.

وكل عام وأنتم بخير