– حيثما يكون المسيح يكون ملكوته، وملكوته ليس من هذا العالم.. وعن مريم الصامتة..
***
يسوع يتحدث مع إليود الأسيني في الناصرة
… وصل يسوع مع تلاميذه الخمسة الى الناصرة.. وعلى بعد ربع ساعة، يقع جبل شديد الإنحدار.. وكان من الأسينيين اصدقاء العائلة المقدسة. وفي هذا المكان أيضاً يعيش رجال وبعض النساء بشكل منفصل وبحالة تبتّل. يرتدي الرجال ثوباً طويلاً أبيض، والنساء عباءات.
أما الأسيني الذي طلب يسوع المكوث لديه فهو إبن شقيق زكريا وإسمو إليود وهو رجل عجوز ملتحٍ أرمل يعيش حياة منعزلة جداً مع إبنته التي تعتني به. وهما يترددان الى مجمع الناصرة. وبما أنهما متعلقان جداً بالعائلة المقدسة، أمّنتهما مريم عندما غادرت على رعاية منزلها.
وفي الصباح التالي… بقي المخلص مع مضيفه؛ فصليّا معاً، وتحدثا بأمور خاصة جداً. فإليود الرجل البسيط والتقي مطلّع على العديد من الأسرار.
ورأيت مريم العذراء ومريم إبنة كليوباس؛ جاءتا منذ الصباح الباكر للعثور على يسوع.. شغلها القلق، وتوسلت إبنها ألا يذهب إلى الناصرة حيث ساد اضطراب كبير حوله. ففريسيو المدينة بعدما استمعوا اليه.. أثاروا العقول ضده…
أجرى محادثات طويلة مع مريم التي عادت مرتين أو ثلاث. وقال لها أموراً كثيرة من بينها أن سيحتفل 3 مرات بالفصح في أورشليم، وإنها في آخر مرة ستغرق في حزن كبير.
سأله إليود عن رسالته، فكشف له كل شيء. وقال له أنه المسيح المنتظر، وكلّمه عن نسبه البشري، وسر تابوت العهد. وقال يسوع ايضاً من بين أمور أخرى، إن مريم بولادتها أصبحت بحدّ ذاتها تابوت العهد للسر…
وتكلم يسوع أيضاً مع إليود حول قداسة حنة ويهوياقيم، حول حمل مريم الخارق للطبيعة، تحت البوابة الذهبية. كذلك قال إنه وُلد فعلياً من مريم بحسب الجسد، لكن من مشاركة يوسف وإن حمل مريم تأتى من البذور المباركة التي نقلت من تابوت العهد الى يهواياقيم وحنة.
وخلص أخيراً إلى أنه أُرسل بكل ضعف خليقة الإنسان لفداء البشر، وأنه سيخضع لكل ما قُدّر له؛ فسيرتفع كثعبان موسى في البرية على جبل الجلجثة حيث دفن جسد آدم وسيكون عليه أن يعاني الكثير من الآلام بسبب عقوق البشر.
ودائماً ما يسأله إليود بكثير من البساطة والصراحة، وهو يفهم كلام المخلص أفضل بكثير من أي من الرسل المستقبليين، وقد أدرك المعنى الروحي للاشياء.. وسأل يسوع عن مكان ملكوته، في أورشليم أو في أريحا، أو في عين جدي. فأجابه يسوع أنه حيثما يوجد يكون ملكوته، وان ملكوته لن يكون من هذا العالم…
وتحدث الرجل الكهل أيضاً مع المخلص من دون إنزعاج. فأخبره عن أمور عديدة متعلقة بوالدته كما لو كانوا تجاهلوها، واستمع ليه بكثير من الرضا. وتكلم يسوع عن والدي السيدة العذراء، فقال إن ما من امرأة تفوق القديسة حنة عفة، وإنها إذا تزوجت مرتين بعد وفاة يهوياقيم فبأمر من الله: لقد كان على هذه السلالة أن تلد عدداً معيناً من البناء…
ثم راح إليود يعدّد فضائل مريم في الهيكل، ورأيت مجدداً كل حياتها البسيطة والمتواضعة والتقية.. ولم يقاطع هذا اللقاء الخاص سوى الصلاة…
وقد تناول يسوع مع هذا الرجل العجوز وجبة تتألف من الفواكه والعسل والأسماك، لكنه لم يأكل سوى القليل جداً… أما منزل مريم في المدينة فيقع في ظلال تلة، وتبدو العديد من أطرافه كأنها محفورة في الصخر.
(المجلّد الأول – الجزء الثالث – السنة الأولى من الحياة العامة، الفصل الخامس، ص: 251- 252-253-254)
رحلات جديدة بين سيدنا يسوع وإليود
تحدث المخلص لإليود عن الرحلة التي يتوجب عليه أن يقوم بها ليتعمّد على يد يوحنا… وكان يسوع يريد الذهاب بمفرده إلى بيت عنيا لزيارة لعازر والتحدث إليه.
ولدى لعازر ثلاث شقيقات: مرتا وهي الأكبر سناً، ومريم التي تدعى المجدلية، ومريم التي تعيش بعزلة تامة ونادراً ما تتكلم، فأطلق عليها الصامتة، وقد يميل البعض إلى الإعتقاد أنها غبية. وروى يسوع إلى إليود أن مرتا طيبة وتقية، وأنها ستتبعه مع أخيها.
وأضاف أن تلك التي يقال عنها غبية: تتمتع بغنى الروح والذكاء، لكنها حرمت من هذه المؤهلات رأفةً بها. فهي لم تولد لهذا العالم وحياتها داخلية تماماً وهي لا تخطئ وإذا تحدثتُ معها، ستفهم الأسرار الأكثر عمقاً، وستموت قبل فترة قصيرة.
أما لعازر وأختاه المتبقيتان فسيتبعونني، وسيهبون كل ما لهم للكنيسة. مريم المجدلية تائهة لكنها ستعتنق المسيحية وستتفوق على أختها مرتا، وما الى ذلك”.
…وكان إليود مطّلع بعض الشيء على “ملكي صادق” والخبز والخمر اللذين باركهما، لكنه لا يستطيع أن يفسّر لنفسه طبيعة يسوع، فسأله عما إذا كان يشبه ملكي صادق. فأجابه يسوع: “لا، إن مهمة ملكي صادق تكمن في الإعداد لذبيحتي، لكني أنا نفسي الذبيحة“.
(المجلّد الأول – الجزء الثالث – السنة الأولى من الحياة العامة، الفصل السادس، ص: 257-259)
***
تمّ إختصار الفَصلين، ويمكن العودة الى الكتاب لقراءة النصوص بشكل كامل.. والكتاب متوفّر في مكتبة “البولسية – ودير القديسة تريزيا الطفل يسوع في السهيلة..
عن كتاب رؤى “آنا كاثرين إيميريخ” حول حياة سيدنا يسوع المسيح
كتابة الراهب الموقر الأخ جوزيف ألفار الدولي من رابطة الرهبان الدومينيكيين. ترجمة حديثة بالكامل للنص الإلماني نفذّها شارل ديبيلينغ.
ترجمته الى العربية كاتيا عازار مظلوم تحت إشراف وتنسيق الأب مروان خوري.