عَ مدار الساعة


شوارع صُبيان الأراغيل، و”نارة يا ولد”

– في “عهد الوعد” انتهى حُكم الولدنة واستخدام الأولاد لمشاريع الزعرنة (أمين أبوراشد)

***

صُبيان الأراغيل، هُم فئة من الشباب اللبناني الذين أجبرتهم الظروف أن يكونوا كذلك، ونَجِد بينهم، إما “صبي أرغيلة” في المقاهي أو المطاعم، أو يعمل على دراجة “ديلفري” لتوصيل الأراغيل، أو أنه عازف عن المدرسة وعن الجامعة وعاطل عن العمل، ويقضي وقته على الأرصفة في “كركرة الأرغيلة”، يحلم عبر نفث دخانها، ساعةً بالهجرة، وساعة بالدخول الى الجيش أو الدرك، وكل ما يفعله من أجل نفسه، هو أن ينتظر طرفاً ثانياً لمساعدته، وهذا الطرف بات من الطبيعي في بلدٍ كلبنان هو إما أن يكون مرجعية سياسية أو حزبية أو زعيم مذهبي.

ولعلَّ هذه الفئة من الشباب هي الأخطر على الشارع اللبناني من سواها، لأن المشاكل الإجتماعية والإقتصادية التي تجعل من شاب ينتمي الى هكذا فئة، هو بمستوى علمي وثقافي ومعيشي يخوِّله قبل سواه من الشباب، تلبية أمر “نارة يا ولد”، ولو بتغريدة عبر “التويتر” من أي زعيمٍ موتور، أو تصريح إقطاعيٍّ من جماعة القصور، ويلجأ هذا الشاب فوراً الى التعبير عن جهله، إما الى الفلتان عبر مواقع التواصل الإجتماعي بكلامٍ بمستواه، أو النزول الى الشارع لتلبية رغبة الزعيم بأن يكون وقود نارٍ لمن يُطالبه بنارة يا ولد، وكأن الوطن بات “رأس أرغيلة” يُشعله زعيم سياسي – بعقلية ولد – ساعة يشاء، ويُطفىء ناره ساعة يشاء.

وإن أي سياسي مهما بلغت درجة زعامته، يلجأ الى توتير البلد عبر تغريدة على “التويتر” أو من خلال تصريح تحريضي على وسائل الإعلام، هو أدنى من هؤلاء الصبيان، وهو في السياسة “ولد” إنما ولد طائش وبإمكانه إحراق البلد، ومشكلة بعض السياسيين والزعماء المذهبيين أنهم ما زالو يعيشون زمن قُدرتهم على إشعال الشارع وتهديد الناس بالتهجير أو على الأقل بالتهديد عبر زُمرة أولادٍ زعران.

في كل مرة يلتهب الشارع نتيجة رعونة وقذارة بعض من يُسمُّونهم زعماء، نعتقد بعد التغريد والتغريد المُضاد ثم طلب “تهدئة اللعب”، أن المشكلة قد انتهت، ونُراهن يائسين أن الشعب اللبناني المُرتَهَن لهذا الزعيم أو ذاك سوف يتعلَّم، ولكن يخيب أملنا، لأن من ينزلون الى الشوارع لأي سببٍ أتفه من زعيمهم هم بكل أسف أولاد شوارع، ولو كان لديهم أهل يسهرون عليهم لما باتوا وقود شوارع ومن جماعة “نارة يا ولد”.

الخطير في ما حصل مؤخراً، أن تغريدة أو تصريحاً لزعيم مذهبي من هنا وسياسي أو حزبي من هناك، أوصل الأمور الى توتير طائفي ومذهبي في مناطق ما زالت تعيش معاناة التهجير والعودة الحَذِرة، ولأنه بعض زعماء الأمر والنهي في توجيه أمر “نارة يا ولد”، ما زالوا يعتقدون أنهم قادرون كما في الماضي على إشعال الفتنة والتهديد بالتنكيل او بالتهجير، يتناسون، أن الجيش اللبناني على أُهبة الإستعداد لتربية أي “كبير” بدعسة رنجر!

نعم، فليتقاتل زعماء المزارع على حقيبة وزارية ولكن، ممنوعٌ ترجمة الخلافات في الشارع حتى لو ارتضى صبيان الشوارع أن يكونوا وقود النار، لأن النار الداخلية خط من نار بقرارٍ من الكبار، نعم الكبار، ولبنان بات أمنه على الأقل بعُهدتهم، بانتظار تشكيل الحكومة وانطلاق مسيرة بناء الدولة.

إننا من منطلق الثقة المطلقة بالجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى، ننصح كل “زعيم ولد” من جماعة “نارة يا ولد” أن يلتزم حدوده، لأن زمن زعرنة الميليشيات قد انتهى، كما ينتهي وبكل هدوءٍ الاَن، زمن المَزَارع والمُقاطعات الإقطاعية والمذهبية، ولا عودة الى الوراء في “عهد الوعد” بأن تكون لنا دولة تليق بالوطن اللبناني والشعب العظيم وانتهى حُكم الولدنة واستخدام الأولاد لمشاريع الزعرنة تحت ستار الدِّين والطائفة والمذهب….