مريم العذراء، صعدت الى السماء دون أن تموت.. هلّلويا.. تبارك الله بوالدته الكليّة القداسة..
وفي التفاصيل، فقد سأل الشهود في مديوغوريه مريم العذراء خلال ظهورها لهم يوم الاثنين في 12 تشرين الاول/ أوكتوبر من عام 1981، سألوها:
– “هل أنتِ أمّ الله ؟ وهل صَعدت الى السماء قبل موتك أم بعده ؟
” فأجابت:” أنا أمُّ الله، وملكة السلام، وقد صعدت الى السماء قبل الموت”.
(من الصفحة 89 من كتاب “نداء من السماء” بالعربيّة لـ سيريل أوبوانو من منشورات التطويبات)..
وكانت قبل ذلك عقيدة إنتقال العذراء بالنفس والجسد الى السماء..
تعريفُ العقيدة الكنسيّة،
أنها ليست مُلحقاً يُضاف إلى الإنجيل الأصليّ ولا هي وحي جديد فوق الوحي الحقيقيّ، بل هي تفسير للوحي الواحد الذي جاءنا مرّةً وإلى الأبد، يقوم به المسؤولون في الكنيسة ويُلزم الكنيسة كلّها. كلّ هذا الأمر هو في سبيل وحدة الإيمان ووضوحه..
العقيدة المريميّة (عقيدة الإنتقال)، هي جزءٌ من تراث الكنيسة الشرقيّة. وتندرجُ في إطار التعبّد والليتورجيّا أكثر ممّا تندرجُ في إطار العقيدة..وهي تنتجُ من نظرة إيمانيّة شاملة للشهادات الكتابيّة في مريم ولمكانتها في تاريخ الخلاص، وليس في أقوال كتابيّة خاصّة.
إن عقيدة إنتقال العذراء مريم إلى السماء بالنفس والجسد لا يرتكزُ على حدث تاريخيّ، بل يُعبِّر بشكل روائيّ عن إيمان الكنيسة الآولى بأبن الله الذي اتخذ جسدًا من أحشاء مريم العذراء، وصار لها إبناً حقاً، وخَصَّها بشرف البتوليّة الدائمة، أكمَلَ نعمته عليها، فصانَ جسدها من فساد القبر ونقله إلى المجد السماويّ. وهذا، كما ذكرنا، لا يستندُ إلى نصوصٍ كتابيّة مباشرة بل إلى تحليل ٍ لاهوتيّ، يَعتبرُ إنتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها إلى المجد السماويّ نتيجة ضروريّة لأمومتها الإلهيّة.
- يقول أندراوس الكريتيّ “من اللائق أن يـــُدبّر ابنُ الله مصير والدته بحسب مصيره الخاصّ “؛
- أمّا جرمانوس بطريرك القسطنطينيّة فيُعلن: ” كيف يُحوّلك ِ الموتُ إلى رماد ٍ وتراب، أنتِ التي، بتجسّد ابنكِ، أنقذتِ الإنسانَ من فساد الموت ؟”،
- بينما يوضّح يوحنا الدمشقيّ في عظته الأولى والثانية على الإنتقال، لماذا ماتتَ مريم العذراء ؟ ولماذا انتقلتْ بعد موتها إلى السماء بجسدها ونفسها ؟ يقول: لماذا الإنتقال ؟ لقد كان من الواجب أن يُكابدَ أسرَ المهاوي الأرضيّة هذا المقرّ اللائق بالله؛ الينبوعُ الذي لم تحفُره يدُ البشر، حيث تتفجّر المياه التي تُطهّر من الخطايا؛ الأرضُ غير المحروقة التي تُنتجُ الخبز السماويّ، الكرمة التي أعطت بدون أن تُروى خمر الخلود، زيتونة رحمة الآب الدائمة الإخضرار ذات الثمار العذبة..”.
- إنّ إنتقال العذراء مريم إلى السماء هو نتيجة لعمل الروح القدس فيها، كما يؤكّد القديس بولس بقوله:” فإذا كان الروح الذي أقامَ يسوع من بين الأموات حالاً فيكم، فالذي أقام يسوع المسيح من بين الأموات يُحيي أيضاً أجسادكم الفانية بروحِه الحالّ فيكم” ( رومة 8 : 11 ).
- وأيضاً لا ننسى، وعد يسوع نفسه في معرض كلامه عن الموت والقيامة للمؤمنين بإسمه، بحسب ما جاءَ على لسانه في إنجيل يوحنا الحبيب، حين قال: ” الحقّ الحقّ أقولُ لكم، إنّ مَن يسمعُ كلامي ويؤمن بمن أرسلني، له الحياة الأبديّة ولا يصيرُ إلى دينونة، لكنه قد انتقلَ من الموت إلى الحياة ” ( يو 5 : 24 ).. وهنا نسأل: كيف وإن كانَ ليس رسولاً من رسل المسيح، بل أمّه مريم العذراء ؟!
يترك لنا المجمع الفاتيكاني الثاني في ختام الدستور العقائديّ في الكنيسة تأمّلاً رائعاً عن مريم كليّة القداسة. سأذكر فقط التعبيرات الخاصة بالسرّ الذي نحتفل به اليوم: التعبير الأوّل هو: “إنَّ العذراء البريئة، وقد وقاها الله من كلِّ دنسِ الخطيئةِ الأصليّة، بعد أن كَمَّلت مجرى حياتها الزمنية، صَعِدت بالنفس والجسد إلى مجدِ السماء، وعَظَّمها الرب كملكةَ العالمين” (عدد 59). ثم التعبير الأخر، نحو النهاية: “كما أنَّ أمَّ يسوع في تمجيدها الآن في السماء بجسدها وروحها هي صورةُ وبَدءُ الكنيسة التي ستبلغ كمالها في العصر الآتي، هكذا إنَّها تزهو على هذه الأرض علامةَ العزاءِ والرجاء الأكيد لشعبِ الله في غُربته إلى أن يأتي يوم الرب” (عدد 68).
يقول البابا الفخريّ بنديكتوس 16 في كتابه ” الاسختولوجيا “، إنّ التقيّد الحرفيّ بالكتاب المقدّس لا يفضي إلى شيء.. ويقول أيضاً: ” إنّ نهاية الزمن عينها لم تعد زمنـًا، وليست بالتالي يومًا سوف يأتي في آخر الروزنامة، بل هي بالضبط ” لا – زمن ” ، إنها قائمةٌ خارج كلّ زمن، وبالتالي أيضا متّصلة بكلّ زمن. إلى هذا التصوّر يضاف بسهولة أنّ الموتَ هو أيضا ” خروجٌ ” من الزمن والدخول في اللا – زمن. هذه الأفكار، يقول البابا الفخري بنديكتوس، قد اتخذت في الوسط الكاثوليكيّ كلّ قوّتها في النقاش حول (عقيدة إنتقال مريم العذراء بالجسد والنفس إلى المجد السماويّ) .
إنّ صدمة الإعلان أنّ كائناً بشريّا – مريم العذراء- قد قامت منذ الآن في جسدها، قد تطلّبت تفكيرًا جديدًا عامّا في العلاقة بين الموت والزمن وفي جوهر الجسدانيّة الإنسانيّة. فأذا كان من الممكن أن نرى في العقيدة المريميّة حالة ً نموذجيّة للمصير الإنسانيّ، فهذا يؤدّي في الوقت عينه إلى حلّ مسألتين:
فمن جهة يتمّ تجاوزُ الشكّ الذي سبّبته العقيدة على الصعيد المسكونيّ والفكريّ، ومن جهة ثانية يساعد هذا الأمر نفسه على تصحيح الأفكار السابقة عن الخلود والقيامة بمعنى أكثر قربًا من الأفكار الكتابيّة والمعاصرة. هذا يعني، أن ما تقوله العقيدة عن مريم يصحّ أيضاً بالنسبة إلى كلّ إنسان؛ فبناءً على ” اللا زمن ” الذي يسود من وراء الموت، كلٌّ موت إنما هو الدخول في السماء الجديدة والأرض الجديدة، والدخولُ في المجيء الثاني وفي القيامة..
عيد مبارك للجميع..
المصدر: صفحة الإعلامي شربل زوين