– السعودية تلاقي واشنطن في تضييق الخناق على ايران بعرض زيادة إنتاج البترول
***
بعد الغاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب الاتفاق النووي الايراني مع الدول الخمس زائد واحد، من جانب واحد واستمرار الدول الاوروبية بالتزاماتها تجاه ايران من خلال هذا الاتفاق، ولكن الى حدّ ما، وبعدما تبيّن للجمهورية الاسلامية الايرانية أن لا يمكن الوثوق بواشنطن في أي التزام تقوم به تجاه الاخرين، حتى لو كان الضامن للاتفاقات هذه الدول الخمس الاوروبية، تصاعد التوتر بين الحرس الثوري الايراني ودوائر البنتاغون الذي فرض عقوبات على الحرس باعتباره تنظيما ارهابيا، مع العلم ان الحرس الثوري، لا يتجزأ عن وزارة الدفاع الايرانية وبالتالي يعتبر من صلب القوات المسلحة الايرانية لا بل يشكّل عامل قوتها، أعلن قائد الحرس الثوري الايراني محمد علي الجعفري عن “اننا سنغلق مضيق هرمز إذا اقتضت الضرورة”، في حين ردت القيادة المركزية الأميركية على تهديدات إيران، قائلة: “نوفر مع شركائنا الأمن للمنطقة وسنوفر الحماية للملاحة عبر مضيق هرمز”.
وكان الجنرال في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل كوثري قد لفت يوم اول من أمس إلى أنه “إذا منعنا من تصدير نفطنا فلن نسمح بخروج النفط من الخليج”، مشيراً إلى أن “20 في المئة من نفط العالم يمر من مضيق هرمز والعالم بحاجة له وأي تحرّك عدائي من أميركا سيكون له تبعات عليها”. مضيفا ان دخول اسرائيل على الخط بإطلاقها التهديدات “دليل ضعفهم أمام إيران ومحور المقاومة”.
ولكن ما هي أهمية مضيق هرمز، ولماذا هذا الكباش الاميركي- الايراني الدائم عليه، والذي بات على حافة الانفجار في ظل الحروب المستمرة في منطقتنا، ومن المعلوم ان ايران تطلق على محيط المضيق إسم “الخليج الفارسي” فيما الدول الخليجية تسمّه “الخليج العربي”، ما يدلّ الى أهمية مضيق هرمز الاستراتيجية لإيران كما للولايات المتحدة وللعالم.
كسبت الجمهورية الاسلامية الايرانية في السابق جولات من الكباش مع الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا حول السيطرة على الخليج الفارسي- العربي، وتمحورت هذه الجولات حول فرض هذه السيطرة عبر التحكم بمضيق هرمز، تراجع في كل مرّة المعسكر الغربي أمام حزم الموقف الإيراني، غير ان هذا التراجع كان دائما تكتيكياً وسببه عدم قدرة واشنطن على تحمّل تبعات محاولة فتح المضيق الذي كانت طهران جادة في تهديدها بإغلاقه في كل جولة كباش، ولم تكن تناور في هذا السياق، لأن إيران تدرك جيداً الأهداف الأميركية القائمة على خنقها إقتصادياً تمهيداً لضربها من الداخل.
كما بات معروفاً، يشكل مضيق هرمز ممراُ لحوالي20% من النفط العالمي، وهذا الرقم قابل للزيادة مع اكتشاف حقول الغاز في محيط الخليج الفارسي ما يعطي القدرة لمن يسيطر على المضيق في التحكم بالشريان الرئيس للإقتصاد العالمي، ولا يمكن استبدال هذه الطريق بطرق أخرى من ناحية الجدوى الإقتصادية؛ لذلك تعمل إيران من موقعها الجيو- استراتيجي على استغلال هذا العامل بهدف حماية مصالحها، وقد أدّى هذا المضيق على مر التاريخ دوراً حاسماً في رسم سياسات الدول المحيطة بالخليج الفارسي- العربي؛ فيما تسعى الولايات المتحدة الى خوض جولة ثانية ولكن من خلال استراتيجية جديدة تقوم على اتباع اسلوب الحرب غير المعلنة ضدّ ايران، فبرغم الفشل الذي منيت به الاستراتيجية الاميركية القائمة على الإحتلال العسكري المباشر، هي تنفذ حالياً استراتيجية ذكية تعيد إنتاج مشروعها بالسيطرة على منطقتنا، لأنها ترى أنّ أي حرب مقبلة مع إيران في هذه الظروف بالذات ستتوسع لتطال معظم دول المنطقة، وبخاصة بعد فقدان الولايات المتحدة لورقة التواجد العسكري على الحدود الايرانية في العراق، إضافة الى أخذها في الحسبان عدم قدرة الإقتصاد العالمي المهزوز أساساً من تحمل تبعات هذه الحرب ليس أقلها إرتفاع أسعار النفط، ما سيؤدي الى انهيار معظم إقتصادات دول الاتحاد الأوروبي وإضعاف إقتصادات كل الدول التي تسد إحتياجاتها من النفط بواسطة الإستيراد؛ هذه الحرب السرية التي تشنها الولايات المتحدة ضدّ إيران بالشراكة مع إسرائيل اتبعت في الماضي القريب الأساليب الارهابية، من تفجيرات تطال مواقع تخصيب اليورانيوم واغتيال العلماء الإيرانيين التي زادت وتيرتها في السنوات الاخيرة، كان آخر ضحاياها إغتيال العالم النووي مصطفى أحمدي روشان، فهذه العمليات التي تطال نقاط القوة لدى إيران، لم تتمكن في النهاية من منعها من الانضمام الى نادي الدول النووية، ولو السلمية.
تدرك الجمهورية الاسلامية جيداً ما يجول في العقل الأميركي، وهي تمكنت بفضل ذلك من استباق خطوات واشنطن على مختلف الصعد، وأهمها مثال السيطرة على طائرة التجسس الأميركية الحديثة الصنع، منذ سنوات عدة في العام 2012، وللتذكير فقط، فإن هذه الطائرة صنعت في العام 2009 وجهزت بأحدث التكنولوجيا، وعلى رغم ذلك تمكن العقل التكنولوجي الإيراني من فك رموز هذه الأسرار التقنية، بتقنية أكثر تطوراً، ما فاجأ الجميع.
إنّ العلاقات بين الدول تبنى على المصالح المشتركة، فتكون إمّا طبيعية تستند الى تعزيز الروابط بين الشعوب، وتعتمد على التعاون من النواحي الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية والثقافية…الخ، أو تكون علاقات مأزومة، تعتمد نهج المقاطعة والتحدي، وتؤدي في معظم الحالات الى الحرب بمختلف أشكالها من إقتصادية وثقافية وعسكرية، أمّا الحرب الإقتصادية فلا تقل ضرراً عن تلك العسكرية لا بل تمهد للحرب العسكرية، وما يحصل مع إيران اليوم يندرج في هذا الإطار، بعد انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع ايران من جانب واحد، وزيادة العقوبات الاقتصادية على ايران بعدما تم رفعها جراء توقيعها الاتفاق مع الدول خمسة زائد واحد، فسياسة العقوبات المتبعة منذ انتصار الثورة الاسلامية في العام 1979 وحتى اليوم، يعتبر بمثابة إعلان الحرب ليس فقط على النظام الإيراني بل على الشعب الإيراني، وكل من يساهم في حصار ايران يضع نفسه في ساحة المواجهة، ويجمع الخبراء في هذا السياق على أن ما تقوم به المملكة العربية السعودية التي سارعت الى عرض زيادة إنتاج البترول للتعويض عن النقص الناتج بعد فرض ترامب حظرا نفطياً على إيران، يصنف في خانة استكمال حلقة تضييق الخناق على إيران، وسيعرّض بالتالي المنطقة برمتها لضغط كبير يمكن أن يؤدي الى الإنفجار، على وقع الغليان المتفجر في المنطقة من سوريا الى اليمن وما بينهما من دول ما زال عامل التفجير فيها تحت الرماد الى حين.
أما بعد انتصار محور على حساب آخر من خلال البوابة السورية التي ستضع الحرب فيها اوزارها في وقت قريب بعد تمكن الرئيس السوري بشار الاسد من القضاء على الارهاب، ما عدا بعض الجيوب في الجنوب السوري قيد التصفية اليوم، فإنّ روسيا والصين الى جانب دول ” بريكس” إضافة الى دول ما يعرف بالـــ “ألبا”، يشكلون المعسكر الذي يواجه حاليا المعسكر الغربي، ولن يتراجعوا في أي ساحة من الساحات في العالم مهما كانت درجة أهميتها، في حين انّ من يرسم خارطة منطقة المشرق على وجه الخصوص، يعيد بالتالي صياغة النظام العالمي الجديد، لمئات السنوات المقبلة.