لم تمض 24 ساعة على فشل جولة المفاوضات الرابعة بين الجانب الروسي ووفد الفصائل المسلحة في الجنوب، وتهديد الأخيرة بالاحتكام إلى المعارك ورفض أي خيارات أخرى، حتى عاد الحديث عن جولة خامسة جديدة بشروط تفاوض مختلفة. العودة عن «الحرب المفتوحة» لم تكن خياراً للفصائل بعد التصعيد الذي شهدته جبهات الجنوب أمس، فمنذ مغادرة وفدي التفاوض بلدة بصرى الشام (أول من أمس)، لم تهدأ الغارات الجوية ولا الاستهدافات المدفعية على مختلف المناطق الملاصقة لخطوط التماس، خصوصاً صيدا والنعيمة والطيبة ونصيب وطفس، كما محيط مدينة درعا.
واستكمل هذا التمهيد بهجوم مكثف للجيش على بلدتي النعمية وصيدا لينقضي نهار أمس والجيش يسيطر على كامل صيدا وعلى أجزاء من النعيمة. وخلال هذه العمليات قتل عشرات من المسلحين من مختلف الفصائل، بينهم قادة عسكريون ممن انسحبوا من بلدة بصر الحرير إلى صيدا، وقائد «فرقة فلوجة حوران» محمد المحاميد في النعيمة. هذا الزخم العسكري غير المسبوق في الجنوب، دفع قادة الفصائل إلى إصدار بيان طالبوا فيه بالعودة إلى التفاوض بشرط «وقف إطلاق النار»، وهي عودة جاءت برعاية أردنية كما سابقاتها. وعلى رغم أن مكان وزمان جولة التفاوض الجديد لم يحدد (حتى وقت متأخر من ليل أمس)، فإن الخيار ينحصر بين بلدتي بصرى الشام وبلدة نصيب الحدودية.
وصل الجيش إلى أعتاب معبر نصيب من الجهة الشمالية
العمليات العسكرية التي أطلقها الجيش عقب انتهاء هدنة التفاوض الماضية، لن تتوقف، وفق ما تشير إليه المعلومات الميدانية بل ستتواصل من جانب الجيش، على الجبهات المشتعلة حالياً، لحين بيان مآل المفاوضات، حتى لو أوقف الجانب الروسي غاراته الجوية. وسوف تتركز العمليات على بلدة النعيمة والطيبة، في الريف الشرقي القريب، كما في بلدة طفس وجبهة قاعدة الدفاع الجوي والجمرك القديم جنوب غربي مدينة درعا. وسوف يكون المحور الأخير حجر الزاوية في تلك العمليات لإكمال عزل الريف الغربي عما تبقى من مناطق سيطرة المسلحين شرقاً، بما يدعم موقف دمشق التفاوضي في شكل كبير.
وعلى العكس، لا تبدو خيارات التفاوض مفتوحة أمام الفصائل المسلحة، فالأردن اكتفى بإحياء مسار التفاوض مراراً، ومنع دخول النازحين إلى أراضيه، كما أنه لم يجرّب كسب نقاط لمصلحة الفصائل المسلحة في هذا السياق، سوى أنه أجّل توقيت الحسم العسكري، موقتاً. وعلى رغم أن جبهات واسعة في الريف الشمالي الغربي لدرعا، المتصل بريف القنيطرة ما زالت تملك ترسانة أسلحة ليست بقليلة وتضم مواقع عسكرية وتلال حصينة، إلا أنها بقيت محيّدة طوال فترة التصعيد الماضية، وهو ما يرجح احتمالات دخولها المصالحات في حال تم التوصل إلى اتفاق. ومن المنتظر أن تحمل جولة التفاوض الجديدة، تطورات على تفاصيل البنود التي سبق وقدمها وفد الفصائل، خصوصاً في ما يتعلق بحدود سيطرة الجيش الحالية وملف تسليم الأسلحة الثقيلة.
وفي حال أصرت المعارضة على ربط تسليمها السلاح الثقيل بانسحاب الجيش من المواقع التي دخلها أخيراً، فإن المفاوضات ستشهد تعثراً جديداً ليتم الاحتكام إلى الميدان، وهو ما ستكون دمشق مستعدة له، مع استمرار قواتها بالعمل العسكري.
وكانت قوات الجيش مصحوبة بقوات من الشرطة العسكرية الروسية قد دخلت مخافر حدودية عدة في ريف درعا الشرقي، جنوب بصرى الشام، ووصل إلى المخفر 71 غرباً. ومن المتوقع أن يستكمل التقدم على كامل الحدود وصولاً إلى نصيب، ضمن جدول زمني مرتبط بمجريات المفاوضات، خصوصاً أن وحدات الجيش باتت غير بعيدة عن معبر نصيب من الجهة الشمالية. ومع اقتراب العمليات والقصف المدفعي من المعبر، أعلن الجيش الأردني أن عدداً من «المندسين بين النازحين» في المنطقة الحرة المشتركة شرق المعبر، قاموا بإحراق أحد المصانع هناك، في محاولة لخلق فوضى تتيح لهم اجتياز الشريط الحدودي.
وأكد أن القرار بعدم فتح الحدود ما زال على حاله، على رغم الدعوات المتكررة من أطراف دولية عدة. هذه التطورات على الأرض ترافقت مع جولة جديدة في مجلس الأمن، انتهت بعدم توافق أعضائه على صيغة بيان حول الوضع في الجنوب السوري. وبينما ركز الوفد الروسي، خلال الجلسة، على أن عمليات مكافحة الإرهاب في الجنوب لها الأولوية، اعتبرت وفود الدول الغربية وعلى رأسها رئيس المجلس الحالي (السويدي) أن العمليات العسكرية الجارية تنتهك القرار الدولي 2410.
-الأخبار-